عديدة هي الأسباب التي تقف وراء فشل محاولة الانقلاب الذي قاده عدد من جنرالات الجيش البوروندي، الأربعاء الماضي، ضدّ نظام الرئيس بيير نكورونزيزا، في وقت تعيش فيه البلاد على وقع احتجاجات عارمة تنديدا بولاية رئاسية ثالثة تصفها المعارضة بـ "غير دستورية". ففي الوقت الذي ساد الارتباك البلاد، وأطبقت عليها المعارك المندلعة بين الشق العسكري الموالي للرئيس البوروندي، والشق المنقلب عليه، تسارعت الأحداث، مساء أمس الخميس، بشكل غير متوقّع لمنحى الأحداث العام .. "فشل محاولة الإنقلاب".. إعلان  كان سيضاف إلى لائحة الحرب النفسية التي يخوضها الموالون للنظام لربح جولة في المعركة الدائرة حول السلطة، غير أنّ تأكيد الخبر من قبل الانقلابيين أنفسهم، أوضح بالكاشف أنّ الأحداث على الأرض في طريقها نحو العودة إلى نقطة الصفر.

ومع عودة نكورونزيزا العالق منذ الأربعاء في تنزانيا، حيث كان يجري زيارة لحضور قمة دول شرق إفريقيا حول الأزمة في بوروندي، إلى بلاده، انتفت جميع الشكوك المحيطة بفشل الانقلاب، والذي أوشك المراقبون أن يجزموا بنجاحه المرتقب، مستندين إلى رواج مثل هذه السيناريوهات في القارة الافريقية. يقين أحبط المتمرّدين أنفسهم، ونزع عن المحتجّين شحنة هائلة من الحماس، حسب مراسل الأناضول.فتغريدة نكورونزيزا على حسابه الرسمي على "تويتر"، والتي أعلن من خلالها، وصوله إلى بوجمبورا، حسمت معركة الأفكار المطبقة على عقول السكان ومتتبعي هذا الحدث في شتى أنحاء العالم.

غير أنّ الآمال بأن يكون جميع ما يقال ليس سوى إحدى أدوات الحرب النفسية المنصوح بها في مثل هذه الحالات، دغدغت إلى وقت لاحق من ظهور تغريدة نكورونزيزا، المحتجين وأنصار الانقلاب. آمال سرعان ما تحطّمت إثر اعتراف مؤثّر من الرجل الثاني في حركة التمرد، الجنرال سيريل ندايروكيي، يعلن من خلاله فشل الانقلاب واستسلام رجاله.ووفق مراقبين محليين، فإنّ فشل الانقلابيين في السيطرة على النقاط والمنشآت الاسترتيجية في البلاد، أبرزها مقرات التلفزيون والاذاعة الرسميين في بوجمبورا، عجّل بهزيمتهم، بما أنّ أي انقلاب لا يمكنه أن يحظى بصفة "ناجح" إلا في صورة إعلان ظفره بالمعركة ضدّ النظام عبر وسائل الإعلام الرسمية، في ما يشبه التقليد الساري في البلاد.

وفي الواقع، أبدى الموالون للنظام البوروندي شراسة في الدفاع عن المنشآت السيادية في البلاد، في مواجهة انقلابيين يبدو أنّ عدم وصول الإمدادات إليهم من المناطق الداخلية للبلاد أصابهم بالوهن، وعجّل بنهاية تمرّدهم.وبحسب الرجل الثاني في صفوف الانقلابيين، الجنرال سيريل نداييروكي، فإنّه من المحتمل أن يكون شركاؤهم المنتظرين قد عدلوا عن فكرة مساندة التمرد، وانتهوا إلى عدم مدّ الانقلابيين بالإمدادات العسكرية اللازمة لحسم المعركة مع النظام.

ويتكون الموالون للنظام أساسا من عناصر الحرس الرئاسي وعسكريين أبدوا تصميما على دعم نكورونزيزا، رغم محاولات الانقلابيين الحصول على ثقتهم، عبر محاولة جرّهم إلى التفاوض من أجل السيطرة على مبنى التلفزيون الرسمي في العاصمة.أما الهنة الأخرى التي شابت "انقلابا تم تحضيره على عجل"، وفقا لبعض المطّلعين على الشأن البوروندي، فتهمّ فشل المتمردين في القبض على كبار الضباط المؤثرين والمقربين من نكورونزيزا، بينهم الرئيس السابق للتوثيق، الجنرال أدولف نشيميريما.

وإضافة لما تقدّم، لا يمكن استبعاد حقيقة أنّ مواقف الإدانة لمحاولة الانقلاب، والتي أعربت عنها بعض الدول والمنظمات المؤثرة والمجتمع الدولي، كان لها بالغ التأثير على بعض المتمردين وشركائهم، وحتى على جزء كبير من المحتجين، حيث أدان الاتحاد الأفريقي، أمس الخميس، بأشد العبارات، ما وصفها بـ"المحاولة الانقلابية" التي وقعت، الأربعاء، في بوروندي، مطالبا بالعودة إلى النظام الدستوري.وحثت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي دلاميني زوما، في بيان صدر في اليوم نفسه، وصل وكالة الأناضول نسخة منه، "جميع الأطراف المعنية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن أي عمل من أعمال العنف، يؤدي الى تشريد السكان من مناطقهم".