لأسباب تاريخية كثيرة ، فإن البلد الذي يمكنه حقا التوسط لإحلال السلام في ليبيا هو مالطا. وما فشل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في فهمه هو الدور المهم جدا الذي يجب أن يكون لمالطا في هذه الأزمة . المجتمع الدولي عقد هذا الأسبوع جولة جديدة من المحادثات التي لا طائل منها بلا شك وفي غياب كل الشخصيات الليبية القوية النافذة على أرض الواقع.

لماذا تم تهميش مالطا؟ وهل اجتماعات الغرب عن إنقاذ ليبيا هي حقا "لإنقاذ ليبيا"؟

لحسن الحظ، تعمل المنظمة الليبية البريطانية المؤثرة LBBC على تنظيم مؤتمر عن ليبيا في مالطا في منتصف نوفمبر الحالي، التي سيشارك فيها كثير من الليبيين ويمكن أن تجري خلالها محادثات حقيقية هذه المرة. منذ أشهر، اتضح للجميع، باستثناء عدد قليل من الدبلوماسيين الغربيين العنيدين، أن ليبيا هي في سقوط حر مريع.

وفشلت سلسلة لا حصر لها من المحادثات التي يقودها الغرب في تغيير مسار الانحدار أو إبطاء هبوطه السريع، في مفاوضات لايجلس حول طاولتها ليبي واحد في بعض الأحيان. وفي قلب ما أصبح كارثة سوء إدارة دولية في ليبيا ، تقف حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة ، ككيان ميؤوس منه، بسبب فشلها ، بعد أشهر في السلطة، في بسط السيطرة الكاملة حتى على طرابلس. ضعفها الواضح، وضعف مجلس رئاستها غير المنتخب أصبح سافرا بشكل متزايد، مع تبين عجزها عن السيطرة حتى على مجمع البرلمان وفندق ريكسوس المجاور. وكان الموقعان معا في قبضة حكومة الإنقاذ الوطني - غير المنتخبة، وهي كيان إسلامي حكم أجزاء من غرب ليبيا وطرابلس بقوة البندقية لمدة عامين.

ويُنظر إلى حكومة الوفاق على نطاق واسع من قبل أغلب الليبيين العاديين ، كهيئة غير فعالة ، في أحسن الأحوال، ومصدر للشقاق في أسوأ الأحوال. وقد جرى تجنبها عن حق من قبل مجلس النواب المستقر في الشرق ، وهو الهيئة الوحيدة الباقية المنتخبة برلمانيا. وعلى الرغم من النجاح الذي حققه مجلس النواب وحكومته وذراعه العسكرية برئاسة خليفة حفتر، في إعادة فتح بعض الموانئ النفطية الرئيسية في البلاد، وهي الخطوة التي شهدت تضاعف إنتاج النفط ثلاث مرات خلال شهرين فقط (وفقا لبلومبرغ)، لازال الغرب يرمي بكامل ثقله وراء حكومة الوفاق ، مما أدى إلى تفاقم الانقسام بين الشرق والغرب ، والذي يشير بشكل متزايد نحو التقسيم.

فقط بلقاء الليبييين بعضهم بعضا يمكن بدء رص الشعب الليبي المصدوم

وفي ما تحظى جهود حفتر بدعم أطراف عربية ودولية ، يبقى إنجاز حكومة الوفاق الوحيد حتى الآن هو دعم المعركة التي تقودها ميليشيا متحالفة لتحرير سرت من داعش. وفي سياق هذه المعركة الطويلة، سُمح للمملكة المتحدة والولايات المتحدة وإيطاليا بكسب موطئ قدم عسكري، ولو مؤقتا، وهو أمر تم تجاهله تماما من قبل وسائل الإعلام الدولية، بل هو مؤشر مقلق على أن المزيد من المناورات العسكرية الدولية ضمن الأوراق القادمة. لا عجب، إذن، أن الغرب لديه مثل هذه الرغبة في استضافة وإدارة والمشاركة في محادثات "إنقاذ ليبيا" .

وبدلا من محاولة العمل مع جميع الأطراف الليبية خلال انحدارليبيا إلى الهاوية في عام 2016 ، كان رد فعل الولايات المتحدة وبريطانيا ـ مهندسا حكومة الوفاق الرئيسيان - هو مضاعفة رهاناتهما على مفاوضاتهما.

هل هناك، في الواقع، أجندة أخرى من وراء اجتماعات "إنقاذ ليبيا"?

حضور وزير الخارجية الأميركية جون كيري اجتماعات لندن جاء بمعية "رجل الإدراة في ليبيا"، جوناثان وينر، مما دفع عددا من المتابعين إلى التذمر بسخرية حول ما إذا كان الاجتماع يهتم بشكل أقل بليبيا وأنه محاولة يائسة لدعم حملة الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون.

في النهاية، جزء من حملة دونالد ترامب ضد المرشحة الديمقرطية كان لتوجيه اللوم لها في مغامرة السياسة الخارجية: قصف الناتو ضد معمر القذافي في 2011 وظروف الوفاة المشتبه فيها للسفير الأميركي كريس ستيفنز، فضلا عن فشل إدارة أوباما بشكل عام في منع ليبيا “المحررة” من الانحدار نحو الفوضى.

ووراء كل هذا ، التحقيق الجاري والتحقيق الذي افتتحه حديثا مكتب التحقيقات الفدرالي حول عائلة كلينتون. هذه الاجتماعات خارج ليبيا ، التي تبدو أنها لتعزيز مصالح كل بلد باستثناء مصالح ليبيا، ينبغي التخلص منها تدريجيا، وعلى قادة ليبيا واللاعبين الرئيسيين أن يبدأوا التركيز على إيجاد حلول في البلاد مع الخصوم السياسيين، مع استثناء ملحوظ لأعضاء القاعدة والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وتنظيم الإخوان السري.

فقط اجتماع الليبيين ببعضهم البعض في بلدهم أو في أقرب جيرانهم، مالطا، سعيا، على الأقل، نحو صيغة مصالحة على غرار لجنة جنوب أفريقيا للحقيقة والمصالحة ، يمكنه أن يبدأ في توحيد كل الشعب الليبي المصدوم نفسيا، بما فيها القبائل التي دعمت القدافي وأعضاء عائلته. وعلى رئيس الوزراء جوزيف مسقط أن يتطوع لتحمل المسؤولية واتخاذ مكانه على الساحة الدولية من خلال دعوة الجميع لمحادثات في مالطا. ويجب أيضا دعوة الروس والصينيين، أيضا، وليس فقط (ما يسمى) ببلدان العالم الحر.

*بقلم ريتشارد غالوستيان وهو محلل أمني

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين التقارير والمقالات والأخبار المترجمة