في تدفقات المفاجآت اليومية بشأن متعلقات تعاطي إخوان ليبيا مع الانتخابات الرئاسية المرتقبة، ما يسترعي ويستدعي معدلات عالية من التدقيق، وكم هي صادمة المعطيات والحقائق التي يمكن الخروج بها، بعد ثلاثية التدقيق والتحليل والاستنتاج، على قاعدة ما يتكشف في أروقة الصراع والتصارع الداخلي، ولنتابع... فقد عاد التشاؤم ليستحكم بالمشهد الليبي، عودة التشاؤم كانت متوقعة، بعد أشهر من التفاؤل، ومن سلسلة توافقات واتفاقات داخلية بدا معها أن كل الأمور على ما يُرام، خصوصاً أن الخارج أبدى دعماً واسعاً لإجراء الانتخابات، مهدداً المعرقلين لها بالعقوبات والاستبعاد. وبكل تأكيد ما يجري حالياً يكاد يكون انقلاباً كاملاً في مشهد التفاؤل، حيث أقام عناصر ينتمون إلى جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده عبد الغني الككلي "عنيوة"، وعناصر من ميليشيات مصراتة والزاوية، اعتصاما أمام مقر مفوضية الانتخابات في طرابلس. وطالب المعتصمون بعدم إجراء الانتخابات قبل إجراء استفتاء على الدستور. وبدوره خلال مؤتمر صحفي عقده المجلس الأعلى للدولة في ليبيا الأربعاء 08/12/2021، فقد طرح المجلس مبادرة لتأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية الشهر الجاري، إلى فبراير / شباط القادم بالتزامن مع موعد إجراء الانتخابات البرلمانية.

تجهد جماعة إخوان ليبيا وأبواقها على تصويب سهام حقدها ومكرها، وبث سمومها وفبركة الأكاذيب للتأثير على الاستحقاق الرئاسي المرتقب، والتشويش عليه والتشكيك بشرعيته لقناعتها الراسخة أن إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها هي هزيمة لمشروعهم. لقد تعلّم الليبيون الكثير خلال السنوات الماضية، ولربما كان الدرس الأهم هو أن زمن الارتماء في أحضان "دولة الرعاية" السياسية قد ولّى إلى غير رجعة، والأكيد أنّ أقنعة إخوان ليبيا المتآمرة على الشعب والبلد والتاريخ والهوية، بدأت تتساقط، إذ لم نعد نعرف، ونميز كيف ينتحل هؤلاء الصفة وينتزعونها، ومن يمنحهم إياها… هل تاريخهم السياسي مثلاً، أم نفاقهم لعقود داخل النظام السياسي الليبي، وتعبئة جيوبهم لسنوات طويلة، ثم فرارهم حيث العيش الرغيد في أفخم الفنادق، وحيث الإمكانية لوجود قضية جديدة يمارسون من خلالها لغة النفاق، والدجل التي اعتادوا عليها لسنوات طويلة، ولكن هذه المرة باسم (الانتخابات الرئاسية) و(الديمقراطية) والدفاع عن حقوق الشعب الليبي... 

إن مدعي الحرص على ليبيا، يعرفون تماماً أن الشعب الليبي لا يمكن أن يدعمهم، وأنهم لا يتمتعون بأي مصداقية شعبية، ولهذا يريدون تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية الشهر الجاري، إلى فبراير / شباط القادم بالتزامن مع موعد إجراء الانتخابات البرلمانية. فجماعة إخوان ليبيا، لا يمكن أن يرضوا بانتخابات تقصيهم... يريدون قاعدة دستورية حسب رؤيتهم ومطالبهم للوصول إلى رئاسة ليبيا... وهم لن يرضوا أبدا بالانتخابات بخاصة انتخابات مباشرة إلا حسب شروطهم وحسب قواعدهم التي يتم وضعها في هذا الدستور. ولتأكيد المؤكد، فالمحللون يجمعون، أنّ جماعة إخوان ليبيا، تدفع بكل أوراقها نحو إجراء الاستفتاء على الدستور أولا، كون اللجنة التي أشرفت على صياغته يغلب عليها عناصره، مشيرين إلى أن إخوان ليبيا، سيستفيدون في كل الأحوال، بنتائج الاستفتاء سواء كانت بتمريره أو رفضه. وأضافوا أن تمرير الدستور يضمن للإخوان تحويل ليبيا إلى مقاطعة تابعة له، فيما سيستفيد من رفض الدستور، بإطالة أمد الفترة الانتقالية عامين آخرين، يستعد فيها لتنظيم صفوفه ومن ثم دخول الانتخابات، بشكل يضمن له الاستحواذ على الأغلبية في البرلمان المقبل. إذن. فالمشروع انفضح، وانكشف، ولم يعد له لا أيدي، ولا أرجل ـ يمشي عليها بعد أن هزمته إرادة الشعب الليبي، وأصبح اللعب على المكشوف كما يقال. 

إن الاستحقاق الرئاسي المرتقب، في أبسط صور تجلياته يعبر عن مدى الإحساس الوطني والشعور العميق بقيمة ليبيا الوطن، وينم عن مدى النضج السياسي لدى المواطن الليبي وقدرته على إدراك ما يحاك على المسرح السياسي الداخلي والدولي، وما يرتب بوجه خاص من خطط ومشاريع ضد ليبيا يتم تلفيعها بشعارات وأقنعة مختلفة بين الحين والآخر حسب الدواعي والمبررات. وتبدو الانتخابات الرئاسية الليبية إزاء مشاريع التآمر والتدمير رسالة بالغة الدلالة من الشعب الليبي إلى معشر المتآمرين لا سيما عند وضعها في سياقاتها السياسية والإعلامية بأن اللعبة انتهت فصولها وأن معشر المتآمرين يلعبون في الوقت الضائع، وأن يوم 24 ديسمبر/كانون الأول، سيكون جواز مرور للشعب الليبي نحو المستقبل المنشود لتحقيق التطلعات وإعادة رسم الابتسامة التي خطفها المتآمرون من أفواه الليبيين. يوم يؤكد فيه الشعب الليبي كلمتهم الرافضة للإرهاب والتآمر والتدخل في الشأن الداخلي الليبي، والمباشرة ببداية مرحلة جديدة لإنهاء المؤامرة، وأن عام 2022 هو عام الحسم وعودة الأمن والأمان في ربوع ليبيا، هذا هو الخيار الذي يعمل عليه الليبيون بمختلف مكوناتهم... 

وإزاء هذا الإصرار الليبي على إنجاز الاستحقاق الرئاسي والوطني، لن يتوقف معشر المتآمرين وعملاؤهم وبيادقهم ومرتزقتهم عن لملمة محاولات إفشالهم للانتخابات الليبية حتى لا يعود الاستقرار والأمان إلى ليبيا، وحتى لا يهنأ الشعب الليبي بالأمن والحياة الكريمة، وتبدو كل الذرائع والحجج التي تحاول البوم والغربان في ليبيا التمسك بأهدابها أوهن من بيت العنكبوت ومردودة على الناعقين بها، وبالتالي مصيرها الفشل الذريع. والمؤسف أن هؤلاء الناعقين بدل أن يضعوا خط رجعة بعدما انكشفت كل عوراتهم وسوءاتهم، ويبدأوا بمراجعة سياساتهم الرعناء، يصرون على نشر شؤمهم وشرورهم وتنكيد حياة الليبيين وتنغيص معيشتهم، في الوقت الذي هناك من يحاول إلقاء طوق نجاة لهم وانتشالهم من المستنقع الآسن الذي غرقوا فيه، وفي الوقت الذي بات صوت العقل في المنطقة يحاول الخروج إلى الآفاق الرحبة معطياً إشارة مهمة وهي أن ثمة خط رجعة لا بد منه...

من الراجح أن تستمر "اليد" الإخوانية في ممارسة أقصى ما تستطيع من الشد على الجسد الليبي حتى يوم 24 ديسمبر/كانون الأول، الجاري، قبيل أن "ترتخي" الأعصاب صبيحة اليوم التالي، وإن كان ذلك سيحدث بطريقة حفظ ماء الوجه، فمن المؤكد أن الضجيج الذي تمارسه جماعة إخوان ليبيا، هو من النوع الإعلامي، وهو لن يتعدى هذه الحدود، فحدود الفعل كان قد رسمها تأكيد المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الليبية، في وقت سابق، أن موقف أمريكا، هو العمل على ضمان سلامة العملية الانتخابية بالشكل الذي يدفعها للسير قدما، معتبرا أن "نزاهة العملية الانتخابية، ستضمن للجميع أن تكون هناك نتائج طيبة لليبيا" وحذر السفير الأمريكي في ذات المقابلة، من أن "من سيثيرون العنف أو يمنعون الناس من التصويت، سيدفعون الثمن". وأبدى في المقابل، تفهمه بشأن المخاوف حول بعض المترشحين للانتخابات الرئاسية والجدل الذي يدور حولهم، مؤكدا أن بلاده تؤيد إجراء الانتخابات دون أي إقصاء. وأضاف  نورلاند: "نحن على علم بجهود التشويه والتضليل لتوظيف الفضاء الإعلامي، لجعل البيئة الانتخابية أكثر صعوبة"، مشيرا إلى أن بلاده ستقوم بدعم الجهود من أجل جلب مراقبين دوليين، ليتسنى لهم مراقبة العملية الانتخابية.

والمؤكد لدى أغلبية الشعب الليبي اليوم، إن إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها يحقق المصلحة الوطنية لأنه يكرس السيادة الوطنية وعدم الرضوخ للضغوط الداخلية أو الخارجية، ويسهم في تعزيز ثقة الشعب باستقلال قراره وإيمانه بالتجربة الديمقراطية التي يخوضها بكل شفافية ونزاهة، وهو ما يساعده على تحقيق قفزات كبيرة في مجال التنمية الشاملة في المرحلة القادمة. وقد كشفت الكثير من استطلاعات الرأي التي أجريت في الأيام الماضية عن رغبة جماهيرية بالمشاركة الواسعة بالانتخابات، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل على تأييد جماهيري كبير لخطوة إجراء الانتخابات في موعدها وعدم انتظار الحلول الخارجية التي لن تأتي، لأن الحل في ليبيا يصنعه الليبيون بإرادة ليبية حرة، وتحت قيادة وطنية ليبية هم من ساهموا باختيارها بحرية ولم تفرض عليهم من الخارج.

خلاصة الكلام: أيام قليلة تفصل الشعب الليبي عن ساعة التحول الكبير في ليبيا، وبالتالي كل مواطن يدرك هذه الحقيقة،  لكنها بحاجة إلى ترجمة ووضع حسابات المعالجة، والرؤى والاستراتيجيات التي تكفل نجاح التنفيذ، وهذه لن تتم إلا باختيار الرئيس الذي يحمل المسؤولية التي يحددها صندوق الاقتراع في الـ24 من شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، واختيار الشعب له، لترجمة خطط التنفيذ التي تكفل حياة أفضل للمواطن، وهذا بدوره لن يتم إلا بأدوات وطنية، وكفاءات تحمل كل دلالات المستقبل الآتي وخطوات الترجمة على أرض الواقع، والتي تبدأ من إعادة إعمار ما خربه الإرهاب طوال السنوات العشر الماضية... رسالة اليوم من الليبيين، أنهم أصحاب القرار فقط، فالعالم تغير، وما على جماعة إخوان ليبيا، سوى توفير الورق والحبر لبياناتهم، التي لا تأثير، ولا وزن لها أمام شعب قرر أن ينتصر، وأمام إرادة لا تكسر، وعلى هذا الأساس يجب على إخوان ليبيا، التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضه الشعب الليبي بتضحياته الهائلة، وبالتالي فإن الاستحقاق الرئاسي والمشاركة فيه لاختيار الرئيس لها معان كثيرة، ومؤشرات بحجم وطن، لكنها تحمل مغزى واحداً لا يختلف عليه اثنان، يحمل في طياته الاختيار الأمثل للرئيس الذي يقود ليبيا نحو الأفضل، والذي تُجمع عليها كافة شرائح المجتمع، وتلتف حولها ليكون الخيار الصحيح في الزمن الصعب، والذي يترجمها إلى أفعال... لهذا كله وأكثر فإن الاستحقاق الرئاسي خيار نحو الأفضل برسائله المختلفة والمتنوعة والتي تحمل طابع الوطنية الخالصة في الاختيار...

*كاتب صحفي من المغرب