يبدو أن منطقة الساحل الأفريقي قد تخلصت شكل كبير من ارتباطها السابق مع فرنسا "المستعمر القديم" ليس بطرد قواعده واضمحلال تأثيره بل وصل الأمر لاستبدال "مخلفاته" العسكرية بأسلحة وتجهيزات ببدائل روسية جديدة، حيث شهدت العاصمة المالية، باماكو، مؤخرًا وصول دفعة جديدة من المعدات العسكرية الروسية الحديثة، ما يُشكل مرحلة متقدمة في الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين مالي وروسيا. ويأتي هذا التعاون المتسارع ضمن جهود تعزيز القدرات الدفاعية للجيش المالي في مواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة.
ويمثل هذا التعاون دعما للقوات الروسية التي تساهم في تصدي الدول الأفريقية للتحديات الأمنية المتصاعدة والتي على رأسها الجماعات المتطرفة، حيث تؤكد تقارير مختلفة وصول أكثر من ألف متخصص روسي إلى مالي، مع توقعات بزيادة هذا العدد خلال الفترة المقبلة.
وتضمنت القافلة العسكرية التي وصلت إلى باماكو معدات عسكرية متقدمة تشمل دبابات من طراز T-72B3، ومركبات قتالية من نوع BMP-3، وناقلات جنود مدرعة BTR-82A، إضافةً إلى مركبات تكتيكية متنوعة مثل Spartak وTigr وLinza. كما تم تسليم معدات هندسية وشاحنات مدرعة من نوع كاماز، مما يعكس استراتيجية شاملة تهدف إلى تحسين القدرات العملياتية للجيش المالي.
ومن المتوقع أن يؤدي وجود روسيا العسكري دورًا مهمًا في مالي، بعد أن أثبت نجاحه سابقًا في دول مثل بوركينا فاسو والنيجر خلال عام 2024. ففي بوركينا فاسو، حققت القوات المحلية انتصارات كبيرة بفضل التدريب الروسي، مما يرفع الآمال لدى الماليين لتحقيق نتائج مماثلة، خاصة في المناطق الشمالية الحساسة ومنطقة الحدود الثلاثية.
ويشمل الدور الأساسي لـلقوات الروسية تدريب الجنود الماليين وتعزيز قدراتهم الاستراتيجية والعملياتية، إضافة إلى تقديم الدعم المباشر في الحرب ضد الجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدًا كبيرًا لاستقرار البلاد. ويؤكد الخبير الأمني سليمان أمزات أن "نشر القوات الروسية في مالي قد يحقق تحسنًا ملموسًا، لا سيما في المناطق الحدودية، حيث يُتوقع أن تسفر العمليات المشتركة عن نتائج إيجابية ضد الجماعات الإرهابية الناشطة هناك."
ولا يقتصر التعاون الروسي مع مالي على المجال العسكري فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريح سابق أن "روسيا ملتزمة بدعم مالي في حربها ضد الإرهاب وتعزيز قدرات قواتها العسكرية". ويعزز هذا الالتزام الآمال المحلية في إحلال الأمن والاستقرار.
وفي ظل استمرار الانتشار التدريجي لقوات "فيلق أفريقيا"، تبقى التطلعات عالية، خاصة مع التوقعات بتحقيق نجاحات مماثلة لتلك التي شهدتها دول أفريقية أخرى. وإذا تحققت الأهداف المرسومة، فقد تصبح هذه الشراكة نموذجًا يُحتذى به في التعاون العسكري بين الدول الأفريقية وروسيا.
ختامًا، يُعد انتشار قوات أفريقيا في مالي تطورًا محوريًا في الجهود المبذولة لمواجهة التحديات الأمنية ومحاربة الإرهاب. وفي حال تحقيق الأهداف المرجوة، فقد تصبح الشراكة بين روسيا ومالي مثالًا يُحتذى به للتعاون العسكري الناجح بين الدول الأفريقية التي تواجه ظروفًا أمنية مشابهة.