مازال الانخراط التركي في الصراع الليبي يلقي بظلاله على المشهد في البلاد، فمنذ أشهر لا يكاد يمر يوم دون تجدد الحديث عن مدى تورط أنقرة في الأزمة المتصاعدة في العاصمة الليبية طرابلس، حيث يواصل نظام أردوغان مساعيه لتأجيج الصراع وتكريس المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في المشهد الليبي، وذلك من خلال الدفع بالمزيد من المرتزقة والمتطرفين لدعم المليشيات المسلحة في طرابلس خدمة لأجنداته المشبوهة.

إلى ذلك، أكد المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، الخميس، أن أنقرة تنقل المرتزقة إلى ليبيا بأموال قطرية، كما تنقل الأسلحة جوا من عدة مطارات، وبحرا لدعم الميليشيات المسلحة، في خرق واضح لمحادثات جنيف ومؤتمر برلين الذي ألزم الدول المشاركة فيه عدم التدخل في الصراع الليبي، وعدم تسليح أي من الاطراف.

كما أكد المسماري  في حوار مع صحيفة "اليوم السابع" المصرية، أن تركيا تمثل خطرا كبيرا على حركة الملاحة في البحر الأحمر وأفريقيا، كاشفا أنها نقلت مقاتلين موالين لها من سوريا عبر أراضيها للقتال في ليبيا بأموال قطرية وليبية. وأوضح أن المقاتلين كانوا يتدربون في غازي عنتاب وأنقرة ثم أرسلوا إلى اسطنبول ثم طرابلس فمصراتة.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، كشف الاثنين، أن دفعة جديدة من الفصائل الموالية لتركيا سيتم نقلها إلى ليبيا من قبل أنقرة خلال الساعات القادمة.

المرصد قال إن 1900 مقاتل وصلوا إلى المعسكرات التركية لتلقي التدريب.وأشار إلى ارتفاع أعداد مقاتلي الفصائل الموالية لتركيا الذين وصلوا إلى العاصمة طرابلس حتى الآن إلى 4750.

ويحاول النظام التركي الدفع بالمزيد من المرتزقة للأراضي الليبي عبر تقديم اغراءات كبيرة،حيث كشفت مصادر مسؤولة لصحيفة "البيان"، عن وعود قدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لمتطرفي إدلب الموجودين في طرابلس، بتعديل وضعهم، ومنحهم جواز سفر تركياً،فيما أشارت مصادر أخرى، إلى أن النظام التركي بادر بنقل أعداد متزايدة من الإرهابيين الموالين له من شمالي سوريا إلى طرابلس.






وأوضحت مصادر عسكرية أن خطة أردوغان المقبلة في ليبيا، بعد الاتفاقية الأمنية،هي جلب أكبر عدد من المرتزقة، حيث يحرص على نشر 16 ألف إرهابي من إدلب في طرابلس خلال الأيام المقبلة، وقد وعد بمنحهم الجنسية التركية، لتفادي أي شبهة إرهاب في المستقبل، بالرغم من أنهم متطرفون، ويشكلون خطراً على جل دول العالم.

وبالاضافة الى المرتزقة والارهابيين يحرص نظام أردوغان على الدفع بعناصر من الجيش التركي الى ليبيا لدعم حكومة الوفاق،حيث أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الليبية، اللواء أحمد المسماري،أن مصراته شهدت يوم الثلاثاء إنزال خبراء وضباط أتراك، دون أن يحصلوا على إذن من أحد أو حتى أن يمروا على أي جهة قبل دخولهم، مشيرا إلى أن أردوغان يقوم بأفعال جنونية في ليبيا بعد خسارته لدولة سوريا.

وياتي استمرار ارسال المرتزقة والجنود بالتزامن مع تحركات تركية ميدانيا لتأجيج الصراع وخرق الهدنة المعلنة في طرابلس منذ يناير الماضي.حيث كشف الجيش الليبي قيام القوات التركية بالتحشيد شرق مصراتة، لافتاً إلى تركيب تقنيات عسكرية من رادارات ومحطات صواريخ للدفاع الجوي، ومدفعية ميدان موجه ومدرعات مختلفة الأنواع.

وأوضح في بيان على صفحته الرسمية على فيسبوك أنه "بعد رصد واستطلاع متواصل قامت به إدارة الاستطلاع وإدارة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الليبي، تأكد وجود تحشيد كبير للعصابات الإرهابية شرق مصراتة، مضيفاً أن الجيش التركي تركب تقنيات عسكرية مثل رادارات ومحطات صواريخ للدفاع الجوي ومدفعية ميدان موجه ومدرعات مختلفة الأنواع، فتم تحويل تلك المعلومات الدقيقة لغرفة العمليات العسكرية المختصة، التي بدورها ضمت هذه الأهداف لبنك الأهداف، ثم أصدرت أمراً بتدميرها.






كما عدد المواقع المستهدفة، ألا وهي: محطة رادار تركية نوع كالكان بالقاعدة الجوية مصراته، مدفعية صاروخية عيار 107 مم في بوابة الستين قرب بوقرين، منظومة صاروخيه دفاع جوي تركية نوع ارليكون بالكلية الجوية في مصراته، ومحطة رادار نوع سكاي قارد.وأكد أن العمليات مستمرة لتدمير باقي الأهداف التي تشكل تهديداً عسكريا لقوات الجيش الليبي شرق مدينة مصراتة.مشيرا الى أن تلك التحركات والتعزيزات وتركيب تلك القدرات العسكرية الضخمة تعد خرقاً للهدنة المعلنة منذ يناير الماضي.

ويشير متابعون للشأن الليبي الى أن التحركات التركية تأتي في أعقاب تصاعد الخسائر التي منيت بها أنقرة في صفوف جنودها والمرتزقة الموالين لها في الاشتباكات الدائرة في العاصمة الليبية.وأكد الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، أن قتلى الأتراك والمرتزقة السوريين في ليبيا يسقطون كل يوم في ليبيا على يد الجيش، مشرا إلى أن الجنود الأتراك في ليبيا يبتعدون عن المواجهة المباشرة مع قوات الجيش ويلجأون للقصف من بعيد.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان،في وقت سابق بمقتل 117 من تلك الفصائل في العمليات العسكرية الناشبة حاليا.وذكر المرصد أن القتلى المذكورين ينتمون إلى فصائل "لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه"، ولقوا حتفهم خلال الاشتباكات على محاور حي صلاح الدين جنوب طرابلس، ومحور الرملة قرب مطار طرابلس، بالإضافة لمحور مشروع الهضبة ومناطق أخرى في ليبيا.






كما تعرضت تركيا لخسائر كبيرة في صفوف جنودها وضباطها،فالأسبوع الماضي قُتل 16 عسكريا تركيا ممن يشاركون بالعمليات في ليبيا، وقبلها في يناير قتل 4 جنود أتراك خلال قصف للجيش الوطني الليبي على ميناء طرابلس. ووفقا لما أعلنه أردوغان الذي اعترف منذ نحو أسبوع بمقتل جنود من قواته دون تحديد عددهم، فإنّ كافة الجنود الأتراك الذين أرسلهم إلى ليبيا قد تمّ قتلهم، فضلا عن العشرات من المرتزقة السوريين الموالين لأنقرة.

وترددت أنباء عن مقتل الجنرال خليل سوسيال عضو هيئة أركان الجيش التركي وقائد القوات التركية في ليبيا، إثر إصابته خلال قصف للجيش الليبي استهدف سفينة تحمل أسلحة تركية بميناء طرابلس.كما كشفت مصادر إعلامية تركية مقتل ضابطي مخابرات أتراك هما الرائد "سنان كافرلر" (27 عاما) والعقيد " أوكان ألتيناي" (49 عاما) وفق الخبر الذي أورده موقع "تي 24".

وحرص النظام التركي على التستر على خسائره في ليبيا،حيث قامت السلطات التركية بحجب موقع إلكتروني؛ هو موقع "أودا.تي.في"، واعتقلت صحافيين يعملان فيه، هما باريش ترك أوغلو وهوليا كيلينتش بسبب تقرير عن تشييع جنازة أحد أفراد جهاز المخابرات التركي الذي توفي في ليبيا.وانتقد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو نشر التقرير. وقال في مقابلة مع قناة محلية إنّ "أسرار الدولة، الأسرار المتعلقة بالأمن القومي، موجودة".

كما قضت محكمة تركية بحبس رئيس تحرير صحيفة "يني أكشام" محمد فرحات شاليك، ومدير الشؤون التحريرية بالصحيفة "أيضن كاسر" على خلفية تناول الصحيفة خبر عودة جثمان ضابط الاستخبارات ودفنه في السر.وأشارت صحيفة "زمان التركية" إلى أن المحكمة التركية أخلت سبيل المتهمين لنشرهما أخبارا بشأن مقتل جنود أتراك في ليبيا، ثم عاودت الشرطة اعتقالهما بعد الطعن الذي تقدمت به النيابة العامة، موضحة أن محكمة الصلح والجزاء في إسطنبول قضت بحبس كليهما على ذمة التحقيقات.

ويرى مراقبون أن محاولة تركيا التكتم على أخبار خسائرها البشرية، خصوصا من الضباط، ورجال الاستخبارات تحديدا، هدفه منع المعارضة التركية من استغلال تلك الخسائر في حملتها ضد الحكومة في ضوء التحضير للانتخابات المقبلة.واتّهم رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتضييق على حرية الرأي عقب اعتقال الصحافيين.






وتقدم تركيا دعما عسكريا لحكومة الوفاق الليبية التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها. والعام الماضي، وقّع الطرفان اتفاقا للتعاون العسكري، وأرسلت تركيا بعدها قوات ومقاتلين مرتزقة من الفصائل السورية المتحالفة معها إلى ليبيا، لمواجهة الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر الذي يشن منذ أبريل الماضي حملة من أجل طرد الميليشيات المتطرفة من العاصمة.

وبدأت تركيا بنشر قوات في ليبيا في يناير الماضي وزعم الرئيس التركي حينها أنّ تركيا أرسلت 35 جنديا فقط إلى ليبيا دعما لحكومة طرابلس، وزعم أنّ جنوده لن يشاركوا في المعارك.لكن واقع الأحداث على الأرض كشف مخططات أردوغان لتحويل ليبيا الى ملاذ جديد للعناصر الارهابية التي تنقلها أنقرة من سوريا الى ليبيا.

ورغم أن مؤتمر برلين الذي عُقد في يناير الماضي، وشاركت فيه تركيا، خلص إلى توقيع بيان يلزم الأطراف والدول المعنية بالأزمة الليبية على عدم التدخل أو تسليح الأطراف المتحاربة،كما شدد مؤتمر جنيف، الذي عقد قبل نحو أسبوعين، على ضرورة وقف التدخلات الخارجية، ووقف إطلاق النار،فان النظام يصر على المضي قدما في نقض تعهداته وتحدي المجتمع الدولي.ويرى مراقبون أن أطماع أردوغان في ليبيا والمنطقة وأحلامه الاستعمارية تقوده للغرق أكثر في المستنقع الليبي وهو ما ستكون عواقبه وخيمة على النظام التركي.