إنه "سجن داخل سجن"، واحد من أكثر السجون رعبا في مصر كلها. يُعرف باسم "العقرب" وقد كان في البداية جناحا من سجن طره سيئ السمعة وظل اسمه مرادفا لـ"الحراسة المشددة ". وهو في الواقع اسم على مسمى، زنازين غير صحية، حيث العزلة والحبس الانفرادي والتعذيب أمور عادية وروتينية. أساليب كانت معروفة على عهد مبارك، تعود الآن للواجهة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي من قبل الجيش في 3 يوليوز واعتقال الآلاف من الإخوان المسلمين - العديد منهم يقبع اليوم في هذا السجن الرهيب .

" العقرب هو المكان الذي ينعدم فيه القانون، حيث تعمل وزارة الداخلية بكل حرية وفي مأمن عن أية محاسبة. كل العاملين هناك ينتمون إلى الشرطة، حراسا كانوا، أم طباخين أم أطباء. هناك، تنتهك باستمرار حقوق الإنسان ولا تراعى الاتفاقيات الدولية. حتى مدير السجن، الذي من المفترض أنه يتلقى شكاوى المتضررين، يشارك هو الآخر في تعذيب السجناء"، وفق المحامي رضا مرعي، عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

الشهادات النادرة للسجناء السابقين الذين مروا بهذا السجن كافية لتعطينا صورة قاتمة عن درجات القمع المرتكب هناك. منها شهادة محمد البلتاجي، البرلماني السابق وأحد قيادات الإخوان، والتي تحاول زوجته سناء سردها. تحكي أنها ظلت، ذات يوم، واقفة لأربع ساعات أمام البوابة الحديدية الضخمة لسجن طره، والرمال تتكدس بين قدميها على أمل أن تحظى بزيارة زوجها. وبعد كل هذا الانتظار، ينتهي الأمر، كما في غالب الأحيان، بعدم إمكانية الزيارة. يقع السجن في ضواحي القاهرة، على مشارف الصحراء، تحيط به بوابات مصفحة من الداخل  والخارج.

استنطاقات خمس مرات في اليوم

من الصعب تصور سجن "العقرب" من خارج الأسوار. جاء على الموقع الإلكتروني لمركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، وهو منظمة محلية غير حكومية، أنه يقع في الجزء السفلي من سجن طره، على بعد كيلومترين من البوابة الرسمية. يتكون من 320 زنزانة معزولة ومحاط بسور يبلغ ارتفاعه 7 أمتار.

بحجاب أسود ونظرة يعلوها التعب، تبدو سناء البلتاجي وعليها دبوس يحمل وجه امرأة شابة، هي  ابنتها أسماء، التي قتلت برصاصتين - في الصدر والظهر - أثناء تفكيك اعتصام 14 أغسطس ، المؤيد لمرسي في ساحة رابعة العدوية. "زوجي معزول عن العالم بشكل تام، ممنوع من القراءة، بل حتى من حيازة ورقة وقلم. قبل أيام، رفضوا السماح لي بتسليمه صورة لابنتنا. ما الذي يمكن أن تشكله هذه الصورة من خطر؟"، تقول سناء بنبرة متمردة.

بعد بضعة أيام ، أعطتنا موعدا على سكايب – في وقت عصيب مليء بالاضطرابات، حيث مجرد إجراء مقابلة مع عضو من جماعة الإخوان قد يؤدي بصاحبه إلى السجن. "اعتقل البلتاجي، تقول لنا سناء، في 29 غشت ليواجه حوالي ثلاثين تهمة، بما فيها القتل والتحريض على القتل. خلال الستين يوما الأولى من الاعتقال، كان محبوسا في زنزانة انفرادية تحمل اسم ليمان طره . كان يخضع للاستنطاق خمس مرات في اليوم، من دون علم مسبق، وأحيانا في عز الليل. بقية الوقت يظل قابعا في زنزانة ضيقة بلا فراش ولا تهوية. بعد ذلك جرت محاكمته. وعقابا له على التنديد بـ"الانقلاب" أمام أنظار المحكمة، فقد تم ترحيله إلى سجن العقرب."

في البداية، عرفت ظروف احتجازه تحسنا ملحوظا. إذ كان يُسمح له بالتجول في الردهة والاختلاط بباقي السجناء كل يوم لمدة ساعة. ولكن منذ ديسمبر، تم نقله إلى زنزانة أخرى أكثر حراسة في "العقرب": عازلة للصوت تماما، معزولة عن باقي الزنازين بباب حديدي سميك. "لا أحد يستطيع أن يراه أو يسمعه. يظل طوال اليوم في زنزانة من 1.5 متر على مترين، بمعزل تام عن العالم الخارجي. حتى النافذة التي يتم من خلالها تقديم وجبات الطعام أُحكم إغلاقها. وعندما يرغب في تنفس هواء نقي، كان عليه أن يلتصق بالأرض ليتحسسه من شق باب الزنزانة. احتجاجا على هذا الوضع، قام بإضراب عن الطعام. وهو ما لم يغير في الأمر شيء"، تواصل سناء البلتاجي، استنادا إلى ما باح به زوجها، من وراء زجاج قاعة الاستقبال، خلال مقابلتها له في زيارة نادرة. وفي ما يرقى إلى التعذيب النفسي، فقد اعتقل ابنه أنس مؤخرا وأودع في سجن زعبل بداعي "التعاون" مع قناة الجزيرة، المتهمة بدعمها لجماعة الإخوان المسلمين .

وقد زكى سجناء آخرون رواية محمد البلتاجي. من بينهم محمد فهمي الصحفي المصري- الكندي في القناة القطرية. الذي اعتقل في 29 ديسمبر، وأودع في سجن "العقرب" خلال الشهر الأول من إيقافه، وكان قد وصف زنزانته، في رسالة إلى عائلته نشرت على الفيسبوك، بالمكان المليء بالحشرات، شديد البرودة، حيث لا يرى ضوء الشمس".

لا فرق بين السجناء

في الخامس من مارس، وخلال جلسة استماع له، اتُهم فيها بالضلوع في قضية قناة الجزيرة،  ندد الطالب صهيب سعد علانية بـ "التعذيب الجسدي والنفسي" الذي تعرض له. وفقا للمحامي رضا مرعى، "أوضاع السجناء في العقرب ليست سوى عينة من العنف الشديد الذي يمارس في مراكز سجنية أخرى"  .ولكنه يشير مدققا: "هذه المراكز هي بمثابة رموز للدولة البوليسية الموروثة عن نظام مبارك والتي لم تعرف أي تغيير بعد ثورة 2011".

فتح العقرب أبوابه سنة 1993، في خضم الهجمات الانتحارية، لاستقبال الإرهابيين وأخطر المجرمين في بداية الأمر. كل عنبر فيه يتكون من عشر زنازين تأخذ شكل الحرف H وهو الرسم الذي وضعه، بحسب موقع جماعة الإخوان المسلمين، الضباط المصريون الذين تدربوا على يد خبراء مكتب التحقيقات الفدرالي بالولايات المتحدة الأمريكية. وفقا للحقوقي محمد زارع، وهو من الشخصيات التي عرفت المكان قبل ثلاث سنوات، فهذا السجن مؤمن بشكل كبير وقد تصل طاقته الاستيعابية إلى 1500 معتقل. في عهد مرسي، أُفرج عن عدد كبير من الإسلاميين المعتقلين، بما في ذلك محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة. كما عرفت ظروف الاحتجاز بعض الليونة مثل السماح للمعتقلين بولوج قاعة الالعاب الرياضية ومنحهم الحق في الزيارات العائلية. ولكن منذ الاطاحة بالرئيس الإسلامي السابق ومطاردة الاخوان المسلمين بعد تصنيفهم كإرهابيين، "إنها العودة إلى نقطة الصفر"، يضيف محمد زارع. بل أن الأسوأ قادم. "انعدام الاستقرار السياسي والشعور بالرغبة في الانتقام من الاسلاميين والثوار، من شأنه أن يفتح الباب لكل أنواع الممارسات القمعية التي لن تستثني من المعتقلين أحدا. وهذا أمر يبعث على القلق".