في الوقت الذي تفتح فيه ليبيا صفحة جديدة من تاريخها، يبقى مستقبلها غامضا إن لم نقل مظلما، خصوصا في ظل انعدام الأمان والفساد المستشري في البلاد. وفي غياب آفاق مستقبلية واضحة، تُنظم الانتخابات التشريعية للقطع مع مرحلة دامت سنتين منذ التخلص من عهدة نظام القذافي وانتخاب أول مجلس ديمقراطي في ليبيا.

في قلب الفوضى، ليبيا تتجمل للانتخابات

في طرابلس، عليك الانتظار لساعات طوال قبل الحصول على حصتك من البنزين. وقد أغلقت بعض المحطات خدماتها بعد تعرضها للهجوم، بينما المحطات الأخرى المفتوحة تقيم حراسة على مصالحها. فيما ليبيا الغنية بثرواتها النفطية، أصبحت مستوردا لهذه المادة. وقد كلفها ذلك 700 مليون دينار سنة 2010. أما اليوم، فتقدر هذه الفاتورة بـ 3 مليار دولار. مما جعل استهلاك البنزين يتراجع اليوم مقارنة بالأمس القريب. وهذا الوضع إنما يتيح للبعض الاغتناء السريع فيما يجد البعض الآخر الفرصة مواتية لتحويل البضائع إلى وجهة أخرى بدلا من تزويد طرابلس.

في بنغازي، أكبر مدن الشرق، وعدت قوات الجنرال خليفة خفتر وجماعة أنصار الشريعة المسلحة، التي تتحارب منذ 16 ماي، باحترام هدنة جديدة أيام الانتخابات. ولكن، علاوة على كون الأمن لن يعم بشكل كامل ، فإنه من الطبيعي أن لا تعبئ هذه الانتخابات الجماهير الليبية. فالمجلس الذي يُنتخب الأربعاء سيُحل بمجرد ما تتم المصادقة، خلال استفتاء شعبي، على الدستور الجديد، والعملية برمتها لن تستغرق أكثر من سنة. فيما حُدد تاريخ المعركة التشريعية الكبرى العام المقبل (2015).

آنذاك ستتم المواجهة، أمام الناخبين، بين الإسلاميين وخصومهم. هذا وقد تم استبعاد الأحزاب السياسية من المشاركة في انتخابات 25 يونيو لأن الليبيين يتهمونهم بعدم الكفاءة. ولم يُسمح سوى بالترشيحات المستقلة. لكن من الواضح أن هذه الأحزاب تعمل من وراء الكواليس وتُوجه بعض هؤلاء المرشحين. وبمجرد انتخاب المقاعد 168 (المخصصة للرجال) و32 (المخصصة للنساء) المكونة للمجلس (200 عضوا) سيعود الصراع للواجهة.

"الليبراليون" في مواجهة الإسلاميين

منذ سنتين والصراع المحتدم حول السلطة بين "الليبراليين" و"الإسلاميين" يطغى على الساحة السياسية في ليبيا. لقد بدأ، كما حدث في تونس ومصر، مباشرة بعد الثورة. يرى جمعة القماطي أن "الإخوان المسلمين فقدوا اليوم قوتهم أو كادوا، وسوف يكلفهم الرجوع إلى سابق عهدهم عشرين سنة". وجمعة معارض كان لاجئا في بريطانيا وكان حريصا على عدم المشاركة في الانتخابات وهو بصدد إنشاء حزب سياسي("التغيير") لخوض معركة 2015. "على الأحزاب السياسية العودة للساحة لبناء الديمقراطية الليبية"، يقول جمعة. وهو ما لن يعارضه فيه أي زعيم سياسي في ليبيا.

ومع ذلك، فهزيمة الإسلاميين مسألة مستبعدة. إذا عدنا إلى ما وقع العامان الماضيان، نجد أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم السلفيين أبانوا عن إمكانيات تنظيمية وعملية محترمة.

مآل الميليشيات

وكان "الليبراليون" قد فازوا في انتخابات يوليوز 2012. أما "تحالف" محمود جبريل، الذي لم يرشح نفسه لمنصب الوزير الأول، المكون من "ليبراليين" وزعماء القبائل المحلية وأنصار القذافي سابقا بدأ يتهاوى بشكل سريع. وكان تاريخ 5 مايو 2013 بمثابة نقطة تحول هامة بالنسبة لهذا التحالف. منذ ستة أشهر، توقفت أشغال المجلس بسبب ما يعرف بـ "قانون العزل"، ما يعني إبعاد أي شخص، خدم تحت حكم النظام السابق، من الحياة السياسية: خروج محمود جبريل وعاشور شويل، وزير الداخلية على عهد القذافي، ورئيس البرلمان، محمد المقريف. "إسلاميون هم من كانوا يقفون وراء المظاهرات، قبل أن تحاصر مليشياتهم مقرات الوزارات إلى أن استسلم النواب للضغوطات وصوتوا لصالح هذا القانون. الإسلاميون، الذين تعرضوا للاضطهاد في ظل القذافي، كانوا أكبر المستفيدين من هذه العملية التي أقصت خصومهم السياسيين...

"أخيرا اكتشف النواب من أين أتت الريح"، يقول عثمان بنساسي، مسؤول سابق في الإدارة الحكومية. بسيطرتهم على البرلمان، أخرج الإسلاميون حكومة علي زيدان بسهولة واستولت ميليشياتهم على المال والسلاح الذي كان من الأجدى تسخيره لبناء الجيش الليبي الذي لم ير  النور حتى الآن.

"يجب أن نبني جيشا، لكن ليس على طريقة ميليشيات الزنتان، التي استعادت قوات النخبة التي كانت في خدمة القذافي"، يقول عبد الرحمن  الديباني بنبرة فيها الكثير من الاحتجاج، وهو برلماني من حزب الإخوان المسلمين وعضو في لجنة الأمن الوطني في البرلمان الليبي. "الإخوان المسلمون يريدون بناء جيش وطني على طريقتهم"، يقول أحد المراقبين الملمين بالمشهد الليبي