نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا تحليليا للوضع في جمهورية افريقيا الوسطى ، استشرفت فيه آفاق العملية العسكرية الفرنسية "سانغاريس". كما رصدت التناحر بين الميليشيا المسيحية والمسلمة ، وتلكأ الأمم المتحدة في التدخل العسكري والإنساني. وفي ما يلي الترجمة الكاملة للمقال.

تعيش القوات الفرنسية العاملة في إطار عملية "سانغاريس" في جمهورية إفريقيا الوسطى أسوأ أزمة إنسانية وأمنية منذ إعلان استقلال البلاد عام 1960.

فالبلاد تعاني من سلسلة مجازر عمليات ترحيل قسري للسكان وأعمال نهب غير مسبوقة.

وقد طالت جرائم الحرب الجميع..وعملية التطهير العرقي التي تستهدف المسلمين أصبحت ممنهجة.

الحصيلة مرة  بعد ثلاثة أشهر من انتشار وحدة التدخل الفرنسية "سانغاريس" ، والتي رغبت فيها ورحبت بها أغلبية واسعة من سكان افريقيا الوسطى، وحظيت بشرعية دولية قوية.

لكن الطريقة التي تم بها قيادة القوات الأجنبية لم تمكّن سوى من تفادي أن تسوء العاصفة في جمهورية افريقيا الوسطى التي أدماها أصلا عام  من الجرائم التي نفذتها قوات "السيليكا"، وهي حركة تمرد لمسلمين قادمة من شمال البلاد.

وانهمكت القوات الأجنبية في التفرج على حملة متبادلة من المجازر التي ستصنفها يوما العدالة الدولية - إذا ما قررت النظر في ذلك -  "جرائم ضد الإنسانية" .

اليوم يخيم هدوء نسبي فقط بحكم غياب الأعداء أو الأهداف في الأماكن التي استحكم فيها التطهير العرقي . فالحرب لم تنته بعد. كانت المرحلة الأولى هي تجريد متمردي "السيليكا" من السلاح وإبعادهم عن بانغي مع سقوط الرئيس ميشيل جوتوديا في العاشر يناير. لكن تحالف المقاتلين المسلمين المدعومين من مرتزقة تشاديين وسودانيين غادروا العاصمة دون أن تنزع أسلحتهم بشكل حقيقي . فهم لازالوا يسيطرون على أكثر من نصف افريقيا الوسطى . ولقد تحصن مقاتلون من " السيليكا" في الخامس والعشرين يناير في قاعدة في بانغي.

أما المرحلة الثانية فتمثلت في قتال متمردي "انتي بلاكا" وهي ميليشيا مسيحية تسيطر على غرب البلاد  وقد انتقلوا خلال مواجهتهم "السيليكا" إلى حرب بلاهوادة ضد الساكنة المسلمة . وهذه الميليشيا تتناحر الآن حول الأهداف القادمة ، التيار الأكثر تطرفا فيها يريد مواجهة الحكومة والقوات الأجنبية.

وأخيرا، بقيت المرحلة الثالثة وهي متوقعة رغم  أن لا أحد يبدو قادرا على تحديد زمانها - فهي مواجهة القوات الأجنبية التي تعمل ضمن "السيليكا" والتي يبدو من خلال الشهر الأخير أنها توقفت لمحاولة الحفاظ على بعض المناطق وتقسيم البلاد.   

 افريقيا الوسطى مقسمة فعليا الآن بخط تماس بين غرب وشرق. في شرق هذا الخط غير المرئي والذي لا يتحدث عنه أحد رسميا لازالت "السيليكا" تسيطر على أراض تشيع فيها النهب والقتل.  ويشكل المسيحيون في بعض المدن أغلبية كما في بامباري وبانغاسو مثلا أو يمثلون نصف السكان كما في بريا . وهذه المناطق هي أيضا استراتيجية وغنية بالماس واليورانيوم.

حتى الآن تسببت الحرب في نزوح ربع السكان في جمهورية افريقيا الوسطى ، وفق الأمم المتحدة. حوالي 300000 شخص لجأوا إلى الخارج خصوصا تشاد والكاميرون والكونغو الديمقراطية إلى جانب بلدان أخرى تم إجلاؤهم إليها بطائرات.

أغلب المدنيين الذين فروا من منازلهم لا زالوا مع ذلك داخل البلاد في مخيمات للاجئين. ويقدر عدد هؤلاء المرحلين في الداخل بـ 700 ألف على الأقل. وقد يكون ما بين 100 ألف و150 ألف من المسلمين لازالوا محاصرين في القطاع الذي تطوقه "الانتي بالاكا" الميليشا المسيحية في الغرب بانتظار قوافل لترحيلهم. وهم في الغالب محاصرون داخل مساجد أو مباني البلديات. بالمقابل ، يقيم مسيحيون في عدد من مخيمات المرحلين حتى في المناطق التي انسحب منها "السليكا" بسبب غياب الأمن وأعمال النهب . وهم يعدّون بمئات الآلاف في الشرق الذي يعاني من عنف "السيليكا".

 لهذا يقول مراقب أوروبي عارف بخبايا جمهورية افريقيا الوسطى : "عملية "سانغاريس" مشروعة وضرورية ولكن الطريقة التي أديرت بها هي فعلا يوميات من الفشل المر ؟ النجاح الوحيد هو في الواقع رحيل الرئيس جوتوديا وسيليكا بانغي. ولكن الوحدات الفرنسية لم تقم سوى بوساطة رخوة خلال ثلاثة أأأ أشهر بعد أن تركت ميليشيا "الانتي بالاكا" ترتكب مجزرة في الخامس من ديسمبر 2013 في بانغي ولم تتحرك ضدها".

إن القوات الفرنسية خيبت أمل سكان افريقيا الوسطى وخانت ولايتها بسبب عجزها عن قتل أو اعتقال أخطر مجرمي الحرب في جمهورية افريقيا الوسطى.  

هل كان بإمكانها أن تفعل غير ذلك ؟ يقول أحد الضباط الفرنسيين الذين أغضبهم  نكران الحقيقة الرائج هذه الأيام في باريس كما في خطاب المسؤولين الفرنسيين في بانغي أنه فعلا " كانت هناك مشكلة سياسية تتعلق بحجم الكتيبة وقواعد الاشتباك  وبقيادة خجولة. أن يأخذ الأمر بضعة أسابيع لنزع سلاح ميليشيا "السيليكا" المسلمة رغم جرائمها السابقة وتفادي نزاع عنيف جدا فهذا مفهوم ، لكن أن لا نتدخل بصرامة ومباشرة بعد ذلك ضد الميلشيا المسيحية "انتي بالاكا" الذين أصبحوا مجرمي الحرب الأساسيين منذ ثلاثة أشهر فهذا غير مفهوم . إنها فوضى ".

ويواصل هذا الضابط الفرنسي الكبير" رغم عمليات دقيقة ونافعة على الميدان ، أخشى أن نتهم فعلا يوما بعدم مساعدة مدنيين في حالة خطر، وهو بالتحديد الغرض من تدخلنا العسكري"

وترسم المنظمات الإنسانية كمنظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" نفس الصورة السلبية لعملية "سانغاريس" الفرنسية ، رغم أن التدخل العسكري يعتبر قانونيا . فالأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة والتي كانت غير فعالة بشكل مريع خلال فترة الطوارىء الإنسانية بهذا البلد ، بدأت على ما يبدو تفهم متأخرة حجم المأساة. ولذك تحاول المنظمة الأممية تنظيم إحدى أكبر عملياتها العسكرية والإنسانية في هذا البلد الإفريقي .

غير أنه بالنسبة لمسلمي جمهورية افريقيا الوسطى ، ومن دون عودة  لا تبدو محتملة سيكون الأوان قد فات. سيكون التطهير العرقي قد انتصر  على الأقل داخل نصف البلاد.

والسؤالان اللذان سيكونان مهمان خلال الأسابيع والأشهر القادمة هما: كيف السبيل لمساعدة حكومة بانغي على استعادة السيطرة على غرب البلاد من أيدي متمردي "أنتي بالاكا" ؟ ثم كيف يمكن مساعدتها على الحفاظ على وحدة البلاد باسترجاع الشرق الخاضع لسيطرة متمردي "السيليكا" ؟ الشرق الذي بدأ يتقاطر عليه متمردو "انتي بالاكا" والذين قد يرتكبون مجازر مثل تلك ارتكبوها - أو أسوأ -  في غرب البلاد.