قبل ثلاث سنوات ، في التاسع عشر مارس 2011، عمد الطيران الفرنسي مدعوما بشكل سريع بالطيران الملكي البريطاني ثم بالولايات المتحدة إلى التدخل في ليبيا. وبعدما كانت العملية في الأساس لدعم الثوار الليبيين الذين كانوا يقاتلون على الأرض ، فإنها تمخضت في العام نفسه عن مصرع الديكتاتور معمر القذافي  وانهيار نظامه.

ذكرى حزينة : ليبيا اليوم عند شفير الهاوية وربما على حافة الانفجار.

مزهوة بانتصاراتها ، لم تتمكن المعارضة والتنظيمات الثورية المسلحة قط من التفاهم على إدارة ليبيا، الأرض الواسعة التي عليها ثمانية ملايين نسمة وتمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى فيافي افريقيا جنوب الصحراء. وهكذا لم يتم تشكيل ولا حكومة واحدة متماسكة.

الأسبوع الماضي، فر آخر من تقلد منصب رئيس الوزراء علي زيدان بعدما أقاله البرلمان. ويؤخذ على زيدان عجزه عن السيطرة على المنشآت النفطية خاصة تلك الواقعة في المنطقة الشرقية الواقعة في قبضة المجموعات المسلحة.

إحدى هذه المجموعات تطالب بشبه استقلال للشرق الليبي (برقة). هذه المجموعة وهي المصممة على بيع الذهب الأسود لحسابها الخاص ، نجحت في تأجير ناقلة قبل أن تعترضها البحرية الأميركية يوم الإثنين 17 مارس في عرض مياه قبرص . وممّا يدل على مدى الفوضى في البلاد، انهيار العائدات النفطية وتراجعها من مليون ونصف مليون برميل يوميا عام 2011 إلى أقل من 235 ألف برميل في اليوم حسب المؤسسة النفطية التابعة للدولة.

الاستثمارات في نقطة عطالة والحياة الاقتصادية في حالة جمود. أما الانفلات الأمني فسجل مستويات قياسية في المدن الكبرى. ليس هناك وزير داخلية فيما الميليشيات والعصابات المسلحة تحكم الشارع بمزيج يجمع بين العصابات والإسلاميين.

ومن المفارقات المرة أن العواصم التي قادت الحرب ( لندن وباريس وواشنطن) تنصح رعاياها الآن بعدم السفر إلى ليبيا.

يقول باتريك كوكبورن وهو أحد الصحافيين البريطانيين المعروفين باهتمامهم بملف الشرق الأوسط وشمال افريقيا :" من الملاحظات المثيرة للدهشة حقا اليوم هو الاهتمام الضعيف الذي تثيره ليبيا لدى هذه الدول وهي التي تحمّست  للحرب وحشدت لها عام 2011.

وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش" تحتجز الميليشيات حوالي 8000 شخص في معتقلاتها ، حيث يعتقد أن التعذيب عملة رائجة. وتتواجه هذه الميليشيا عمدا وتأخذ معاركها يوما بعد يوم وتيرة نزاع موجه في المحصلة نحو فصل شرق البلاد عن غربها.

هذه اللوحة القاتمة لراهن ليبيا ليس الهدف منها الحكم على ما بعد التدخل الغربي ولا التقليل أيضا من ديكتاتورية القذافي.

إن عملية 2011 التي دعمتها الجامعة العربية والأمم المتحدة ، ودافعت عنها صحيفة "لوموند" تم اتخاذها في وقت خاص : إذ كان هناك تخوف معقول من وقوع مجزرة على نطاق واسع في مدينة بنغازي . ولكن حقيقة ليبيا اليوم تحمل على التساؤل : هل يمكن أن نتخلى اليوم ولهذا الحد عن محاولة وضع حدّ لحالة كانت من صنعنا عن حق أو غيرحق؟؟

*افتتاحية "لوموند" بتاريخ 20 مارس 2014