باتت مواقف وتصريحات زعيمة التيار التروتسكي في الجزائر لويزة حنون، تثير العديد من علامات الاستفهام في هجوماتها المتكررة التي لم يسلم منها أحد سواء في أحزاب المعارضة، أو في الحكومة أو الأطراف في السلطة. ولم يعد من السهل إيجاد تصنيف معين للمرأة إلا في خانة أداء دور خفي لصالح جهة معينة رأسها في السلطة وأطرافها في المعارضة.

وحسب صحيفة العرب، ألقت الضجة الأخيرة التي أثارتها الكتلة البرلمانية لحزب العمال داخل قبة البرلمان، والتصريحات النارية لزعيمته لويزة حنون تجاه عدد من الوزراء، بظلالها على المشهد السياسي في الجزائر، وطرحت تساؤلات حول الدور الذي تلعبه المرأة في الخفاء وتحالفاتها غير المعلنة مع سرايا السلطة، ممّا يكرّس حالة الصراع الشرس فيما بينهما، ويكشف بعضا من ملامحها الخفية للرأي العام.

المرأة التي تولت دور التأهيل السياسي للنظام، ورضيت لنفسها بأداء دور “الأرنب” في انتخابات الرئاسة الأخيرة، اتضحت حينها معالم تحالفها مع السلطة، خاصة بعدما سلت سيفها ضد المرشح علي بن فليس كونه المنافس الأقوى لبوتفليقة في سباق العهدة الرابعة، وروجت لبرنامجه أكثر ما روجت لبرنامج حزبها، وانتقدت خصوم بوتفليقة أكثر ما انتقدت خصومها.

لكن تقلّب مواقفها بين الدفاع عن مواقف ووضع الرئيس بوتفليقة، وانتقاد حكومته ومحيطه في آن واحد، لا سيما بعد هجومها الشرس على أربعة من الوزراء دفعة واحدة، ودعوتها لإقالتهم وإحالتهم على القضاء لمحاسبتهم على ما أسمته بـ”ملفات الفساد”، ومحاولتها في وقت سابق تبرئة الرجل المثير للجدل الشقيق والمستشار في قصر المرادية سعيد بوتفليقة، مما يروج حوله بإدارة شؤون الدولة بالنيابة عن الرئيس الفعلي، يؤكد أن لويزة حنون تدير تحالفات خفية مع أطراف في السلطة، يتم اكتشافها تدريجيا من طرف الرأي العام.

وتكشف مواقف لويزة حنون لأول مرة، أن الانسجام المتداول في محيط الرئيس بوتفليقة هو من قبيل ذر الرماد في العيون، وأن التطاحن قائم بين السرايا النافذة حول من تؤول إليه مأمورية قصر المرادية بعد بوتفليقة، وحتى القرار الصادر منه ليس وليد جهة موحدة، في ظل التضارب المسجل تجاه عدد من الملفات والقضايا، على رأسها مسألة تعديل الدستور والتوجهات الاقتصادية للحكومة.

ويقول مراقبون إن رئيسة حزب العمال، “إن لم تكن تقوم بمهمة ذر الرماد في العيون أو الضغط باتجاه تحصيل مكاسب في الحكومة القادمة، فإنها تشترك في حلف يريد القذف بالواجهة السياسية والرسمية الحالية لأخذ مواقعه ومسح واجهة السلطة من الشوائب التي علقت بها جراء ممارسات الحكومة والأحزاب الموالية والتنظيمات الأهلية”.

وإذا كان الهجوم المتكرر للمرأة على أحزاب المعارضة والشخصيات المستقلة بمختلف أطيافها السياسية والأيديولوجية، مفهوما بتحالفها مع الرئيس بوتفليقة وحاجة السلطة لحزبها من أجل عملية “تجميل” دوري، فإنّ نقل حنون لمعاركها ضد أحزاب الموالاة وبعض وزراء الحكومة ورجال الأعمال، مقابل مساعيها لتبرئة ساحة الرئيس بوتفليقة وشقيقه من الشائعات التي تلاحقه، يعطي الانطباع للمتتبعين بأن المرأة تخفي في أجندتها نوايا وأهدافا سرية.

وكانت لويزة حنون أول من تجرأ منذ أسابيع على دعوة الشقيق والمستشار سعيد بوتفليقة، لتوظيف نفوذه لدى شقيقه ومهمته في قصر الرئاسة، لوقف من أسمتهم بـ”رجال الفساد ووقف تبديد المال العام من طرف الدوائر الحكومية، وفرملة النفوذ المتنامي لرئيس جمعية منتدى رؤساء المؤسسات الاقتصادية رجل الأعمال علي حداد”، وهي الدعوة التي قرأها البعض بتمهيد المرأة للطريق أمام رجل “الظل” للقفز إلى الواجهة، رغم إلحاق تصريحها بنفي فرضية توريث الحكم في الجزائر من بوتفليقة عبدالعزيز إلى بوتفليقة سعيد.

ورغم اعترافها بالمصاعب الصحية لرئيس الجمهورية وتأثيرها على أداء مهامه الدستورية، إلا أنها لا تتأخر في رفضها المطلق لمطالب المعارضة بتفعيل المادة 88 من الدستور لإثبات شغور منصب الرئاسة، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، ولم تتوان في الدفاع الشرس عن العهدة الرابعة لبوتفليقة، لكنها في المقابل تشن بمناسبة وبغيرها على من يوصفون برجالات الرئيس والمقربين منه في الحكومة وفي أحزاب الموالاة، لدرجة أن وصفت الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني بأوصاف شنيعة.

وإن اكتفى خصومها بالردود الدبلوماسية وتلافي الاشتباك معها، كما هو الأمر بالنسبة إلى وزراء الصحة والتجارة والصناعة والنقل، وهم على التوالي عبدالمالك بوضياف وعمارة بن يونس وعبدالسلام بوشوارب وعمار غول، الذين اتهمتهم صراحة بتهيئة قطاعاتهم للانقضاض عليها من طرف رجل الأعمال علي حداد، في إطار ما تسميه بـ”مساعي بيع الدولة للقطاع الخاص الفاسد”، فإن توعّد وزيرة الثقافة نورية لعبيدي بجرجرتها للقضاء بتهمة القذف والشتم والمساس بشخصها، سيضع حنون في موقع حرج لا سيما مع القرائن التي قدمتها الوزيرة لوسائل الإعلام حول براءتها من التهم التي وجهتها لها.

وشكل حزب العمال قوة سياسية في البرلمان خلال الانتخابات التشريعية في 2002 و2007، مع خطابه اليساري ودفاعه المستميت عن الطبقة الكادحة والقطاع الاقتصادي الحكومي، ووقوفه ضد مشاريع الخصخصة، إلا أنه أخذ في التراجع خلال الاستحقاقات الأخيرة (2007 و 2012)، حيث وجهت حنون حينها تهما لأحزاب السلطة بتزوير الانتخابات، لكنها في المقابل دخلت منذ ما بعد العهدة الثالثة لبوتفليقة في تحالف غير معلن مع جهات في السلطة.

ويعد حزب العمال من التشكيلات السياسية القليلة، التي سلمت من الانتفاضات الداخلية التي شقت الكثير من الأحزاب في الجزائر، رغم القبضة الحديدية التي تديره بها رئيسته لويزة حنون، فهي على رأسه منذ تأسيسه في مطلع التسعينات، وتتحكم بشدة في هياكله ودوائره، وتقتطع مبلغا مهما من أجور نوابها في البرلمان لتمويل ميزانية الحزب، دون أن تتلقى أيّ حالة تمرد أو عصيان على غرار ما هو جار في الكثير من الأحزاب.