رغم الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبية منذ سنوات، إلا أن أزمة المياه تعتبر الهاجس الأكبر الذي يشغل بال الليبيين لا سيما وأن البلاد لا تتميز بأنهار تجري فيها وتوفر مصدرًا سهلا للمياه العذبة، وهو ما استعاضت عنه الدولة الليبية بمشروع النهر الصناعي الذي بدأ في أكتوبر من عام 1984.
ليبيا اليوم هي الدولة العشرين ضمن تصنيف الدول الأكثر تضرراً من نقص المياه التي من المتوقع أن تعاني أفدح إجهاد مائي في العالم.
و تنبع موارد المياه العذبة في ليبيا بشكل رئيسي من المياه الجوفية الموجودة في الأحواض الرسوبية في أربع مناطق هي الكُفرة وسرت ومرزق والحمادة، وقد أوشكت الأحواض الثلاث الأخيرة، الواقعة ضمن طبقة المياه الجوفية في الحجر الرملي النوبي، على النضوب.
 وتشكل طبقات المياه الجوفية هذه جزءاً من شبكة مشروع "النهر الصناعي العظيم" الذي يوفر أكثر من 90% من المياه في ليبيا.
وأدت التطورات الحاصلة منذ سنة 2011 إلى ظهور مشكلات المياه على الساحة السياسية الليبية. فقد برزت على السطح التعقيدات بشأن إمكانية الوصول إلى مصادر المياه. وجعل الصراع المُسلح أزمة المياه أكثر وضوحا، مع ظهور وكالات إنسانية دولية مثل "اليونيسيف" توفر مياه الشرب للمناطق المُتأثرة بالنزاع؛ والوصول إلى أماكن انقطاع التيار الكهربائي وما أعقب ذلك من انقطاع المياه لأسابيع طويلة؛ وصارت المياه هدفا للانقسام والتشرذم السياسى المستمر.
كما أدت حالة انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى بروز مشكلات غير معهودة تتعلق بإدارة المياه. فعلى سبيل المثال،كانت حقول آبار مشروع النهر الصناعي العظيم تخضع دوما لمراقبة المشرفين، وكانت محطات النظام المختلفة تحت حماية عسكرية على مدى الساعة فى جميع المناطق. أما الوضع اليوم فيتسم بالافتقار عموما إلى أدنى انتباه من مسئولي الدولة إضافة إلى تجاهل التحديات التى تواجه مشروع النهر الصناعي العظيم، وحالة عدم الاستقرار فى البنية المؤسسية لقطاع المياه، وهى الأمور التى تتفاقم مع انقطاع التيار الكهربائى والتقلبات الأمنية.
أدت خطورة الوضع فى كثير من أنحاء ليبيا إلى قيام الناس بالحفر بحثا عن المياه الجوفية فى منازلهم، من دون أى إشراف أو ترخيص قانوني ومن دون الوصول إلى طرائق بديلة، كتحلية المياه أو معالجة مياه الصرف الصحي.
في نفس الإطار،يعيش حوالي 80 في المئة من السكان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة على امتداد ساحل البلاد على البحر المتوسط أو بالقرب منه ويعتمدون على المياه العذبة التي تضخ عبر الأنابيب من خزانات جوفية في جنوب البلاد، حيث تقع أيضا الحقول الغنية بالنفط في ليبيا.
ويقول مسؤولون في هيئة المياه ودبلوماسيون إن المياه الجوفية في المناطق الساحلية مالحة وملوثة بمياه الصرف الصحي، وإن نحو 80 في المئة من محطات التحلية تعطلت عن العمل.
ويقول مسؤولون بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة إن الأنابيب تزوّد ليبيا بأكثر من 70 في المئة من احتياجاتها من المياه العذبة، ولا تزال شديدة الأهمية لأن من الصعب إصلاح محطات التحلية كما أنها عرضة للهجوم عليها.
 ويتوقع خبراء أن تواجه ليبيا فقرا مائيا خلال السنوات القادمة،إذ أن المياه التي يعتمد عليها النهر الصناعي ،غير متجددة فضلا عن مشاكل تواجه مصادر المياه الأخرى ،كما أن نسبة الاستهلاك تقدر بنحو مليار متر مكعب ،في القابل فإن التغذية السنوية للمياه الجوفية في حدود 250 مليون متر مكعب فقط ،وهو ما يخلق عجزا حادا في تلبية الطلبات المتصاعدة على المياه ،يقدر بنصف مليار متر مكعب.
رغم  وجود أكبر مشروع صناعي للمياه في العالم وصرف المليارات لتنفيذه وإيصال الماء من أقصى الصحراء في جنوب البلاد إلى مدن الشمال المطلة على البحر المتوسط، تواجه ليبيا خطر نقص المياه بسبب عدم جاهزية البنية التحتية للمؤسسة المختصة بالمياه للأزمة التي تمر بها البلاد وانشغال الحكومات المتعاقبة بالإقتتال من أجل المغانم.
إلى ذلك،يرى مراقبون أنه يبدو جليا أن أزمة المياه التي تعاني منها ليبيا، تماماً كأزمات المياه في مختلف أنحاء العالم، ليست أزمة ندرة بل هي أزمة حوكمة سياسية وسوء إدارة،في حين تعكس المناقشات حول استخدام المياه وندرتها في ليبيا توجهات عالمية أوسع نطاقاً.
 فقد أثرت فكرة وقوع العالم في أزمة مياه تأثيراً شديداً على كيفية تصورنا للمياه. والواقع أن إدارة هذا "الذهب الأزرق"، كما تُطلق عليه الدراسات ووسائل الإعلام، كانت الموضوع الأساسي للعديد من المناقشات حول استخدام المياه، بدءاً من تحويلها إلى سلعة واستغلالها تجارياً عن طريق الخصخصة، ووصولاً إلى ارتباطاتها بالأمن الغذائي في الوقت الراهن وفي المستقبل.