في الوقت الذى تبدي فيه جهات محلية ودولية،حماسا لإجراء الانتخابات فى ليبيا قبل نهاية العام،ترمى إلى إنهاء فترة قاتمة من التوترات والصراعات الدامية،يبدو المشهد على الأرض أكثر تعقيدا في ظل إستمرار غياب التوافق بين الأطراف اللليبية وتواصل وجود الميليشيات التي تعمق الأزمات في ليبيا،وهو مايزيد من وتيرة التشكيك في نجاح الاستحقاق الانتخابي في البلاد.
تحضيرات للإنتخابات
وتعرف الساحة السياسية الليبية تطورات مهمة على طريق تنظيم الانتخابات في العاشر من ديسمبر المقبل،وآخرها إعلان وزارة الداخلية بحكومة الوفاق إنشاء مكتب لشؤون الانتخابات، بناء على قرار من الوزير المفوض عبد السلام عاشور.وقالت الوزارة عبر مكتبها الإعلامي إن المكتب سيعد الخطط الأمنية للعملية الانتخابية بالتنسيق مع المفوضية العليا للانتخابات.
وكان رئيس المفوضية العليا للانتخابات،عماد السائح، قد ناشد السلطات المحلية بالإسراع في بدء التحضيرات للاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية التي حددت الأطراف الليبية موعد العاشر من ديسمبر المقبل خلال اجتماعهم في باريس.
وأضافت الوزارة أن المكتب سيشرف على البرامج التدريبية التي تخص الاستحقاق الانتخابي، كما سينسق مع بقية إدارات الداخلية حول عملية التأمين.
وكان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،قد قرر الأحد الماضي، تخصيص 66.12 مليون دينار لصالح المفوضية العليا للانتخابات.ونص القرار على تخصيص المبلغ حتى تشرع المفوضية العليا للانتخابات في التجهيز للانتخابات البرلمانية والرئاسية، مشيرا إلى أن المبلغ المخصص سيتم خصمه من بند المتفرقات وفقا للتشريعات النافذة.
مشكلة الدستور
ومن المرتقب أن تجرى انتخابات تشريعية ورئاسية بحلول 10 ديسمبر المقبل، على أن يسبقها وضع الأسس الدستورية للانتخابات واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية.لكن يبدو أن هذه النقطة مازالت تمثل إشكال كبيرا يزيد من تصاعد الأصوات المشككة في إمكانية تنظيم انتخابات قبل نهاية العام الجاري.
ففي تونس، اتهم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج،الأربعاء، مجلس النواب بعرقلة مستمرة ومتزايدة لإيجاد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.وبحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي، فإن السراج جدد التأكيد خلال اجتماعه، مع سفراء أميركا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والمبعوث الأممي وممثلة الاتحاد الأوروبي، على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن وفي أقرب وقت ممكن.لكنه أكد على أهمية "إيجاد قاعدة دستورية صحيحة وسريعا والتفكير من الآن في حلول خارج الصندوق لإنهاء العرقلة المستمرة والمتزايدة من قبل مجلس النواب".
وكان رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الليبية، عماد السايح،أكد أن مسألة الاستفتاء على الدستور ستكون عائقًا أمام إجراء الانتخابات بسبب ضيق الوقت.وأضاف السايح، في تصريح لمحطة النبع التلفزيونية، ونقلته وكالة نوفا الإيطالية،الأربعاء، أنه "لكي تنجح العملية الانتخابية، فإن هناك حاجة لاتفاق سياسي"، مشيرًا إلى أن المفوضية ستعقد اجتماعًا الأسبوع المقبل لتقديم المعلومات الضرورية بهذا الشأن إلى حكومة الوفاق.
وحث المبعوث الدولي إلى ليبيا، أمام مجلس الأمن،الاثنين الماضي، البرلمان على إجراء تصويت على الدستور، مشيرًا إلى أن رئيس البرلمان عقيلة صالح وعد بإتمام التصويت بخصوص قانون الاستفتاء وقانون الانتخاب قبل الموعد المحدد.
وقرر مجلس النواب الليبي، في جلستين عقدتا يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، إحالة مشروع قانون الاستفتاء على الدستور إلى اللجنة التشريعية التي ستقوم بدراسة القانون وإضافة وتغيير بعض مواده. ووفقًا للناطق باسم البرلمان عبد الله بليحق، فإن "النواب قرروا أن يكون مشروع قانون الاستفتاء جاهزًا للتصويت عليه بشكل نهائي نهاية الشهر الجاري".
وعرض مشروع قانون الاستفتاء على الدستور على المجلس منذ تموز/يوليو الماضي، لكن خلافات بشأنه بين النواب وصلت إلى القضاء أجلت إقراره.ويرى مراقبون أن التصويت على قانون الاستفتاء على مشروع الدستور،يعتبر خطوة حاسمة على طريق تنظيم الانتخابات في العاشر من ديسمبر المقبل.
شروط المفوضية
وفي وقت سابق،أشار رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا،عماد السايح، إلى غياب الأمن، باعتباره أحد الشرطين الرئيسيين لإتمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي تخطط بعثة الأمم المتحدة لإجرائها قبل نهاية العام الجاري في ليبيا.
وقال السائح إن "الشرط المتعلق بقانون الانتخاب، مسؤولية السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب. أما الشرط الآخر فهو تأمين العملية الانتخابية، وهو من مسؤولية الحكومة.
يذكر أن مقر مفوضية الانتخابات في حي "غوط الشعال" وسط غرب العاصمة الليبية، تعرض لتفجير انتحاري في شهر مايو الماضي، أسفر عن مقتل 15 شخصًا بينهم تسعة من موظفي المفوضية، وتبناه تنظيم داعش الإرهابي لاحقًا.وزاد الهجوم حينها من تصاعد الشكوك في إمكانية تنظيم انتخابات في ليبيا هذا العام.
ونقلت وكالة "شينخوا" الصينية،عن السايح تصريحات أشار فيها إلى أربعة شروط لإجراء الانتخابات في ليبيا، أبرزها الاتفاق السياسي حول ضرورة إجراء انتخابات في البلاد، وهو ما صدر عن لقاء باريس الذي جمع أطرافا ليبية معنية خلال شهر مايو (أيار) الماضي.
ورأى السائح أن قرار حكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج في العاصمة الليبية طرابلس مؤخرا، بتخصيص مبلغ 66.12 مليون دينار ليبي لصالح المفوضية العليا للانتخابات للتحضير لتنفيذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، بمثابة "خطوة جادة نحو تنفيذ الانتخابات المقررة، وتتيح للمفوضية البدء في التحضير لها".
ميليشيات العاصمة
على صعيد آخر تعيش العاصمة الليبية على وقع توترات تنذر بتجدد الصراع في المدينة،حيث تحدثت تقاريرإعلامية عن قيام بعض الميليشيات المسلحة، التي تتنازع على السلطة والنفوذ، بحشد عناصرها وآلياتها العسكرية في بعض مناطق المدينة، عقب اندلاع اشتباكات مفاجئة بالقرب من خزانات شركة "لبريقة" في طريق المطار بالعاصمة طرابلس.
وكان شاهد عيان قد أفاد لوكالة "سبوتنيك" بسماع إطلاق نار كثيف داخل مستودعات خزانات النفط بشركة "البريقة" الواقعة على طريق المطار في العاصمة الليبية طرابلس غربي البلاد.وأشار الشاهد إلى أن هناك تواجد لمجموعة مسلحة تابعة لـ"غنيوه الككلي" تحشد قواتها قرب طريق المطار في طرابلس.
وفي المقابل،قللت قوة الردع الخاصة، التابعة لحكومة السراج،من أهمية هذه الاشتباكات، وقالت في بيان لها،إن إشكالاً بسيطاً حدث مع منتسبي الكتيبة "301 مشاة"، التابعة لوزارة الدفاع، مشيرةً إلى أن "الأمر انتهى، ولا توجد أضرار من الجهتين"، قبل أن تدعو "ألسنة الفتنة لكي تخرس لأنه لن يكون هناك أي خلاف مع الإخوة".
يأتي ذلك،فيما أعلن عضو المجلس الرئاسي الليبي فتحي المجبري،الأربعاء، استقالته رسميا من حكومة الوفاق،مؤكدا في ندوة نقلتها محطات تلفزيونية محليّة، أن استقالته تأتي بعد أن باتت المليشيات تسيطر على المشهد الأمني والعسكري في طرابلس"، مبيناً أنّ هذه المجموعات "قضت على أيّ أمل لحماية حكومة الوفاق".وأوضح أنّ "قرارات المجلس الرئاسي والسراج أصبحت متأثرة ومرتبطة بهذه الجماعات المسلّحة"، مؤكداً تعرّضه إلى تهديدات بالقتل، عندما وقع تكليفه بتنفيذ ملف الإصلاح الاقتصادي، "لأن مصالحها باتت مهددة".
ودعا المجبري الممثلين عن المنطقة الشرقية بالانسحاب من حكومة السراج ومغادرة طرابلس، لأنها "لم تعد ساحة للعمل السياسي"، كما طالب كل نواب البرلمان الداعمين للمجلس الرئاسي بسحب دعمهم، مؤكدا أن هذا المجلس هو "مجرّد مسرحية هزيلة يقودها أشخاص يدعون امتلاكهم للسلطة، في حين أنّهم أدوات لدى المجموعات المسلّحة في طرابلس".
وقال المجبري إن "المسؤولين أصبحوا في خطر دائم بوجود الميليشيات في طرابلس بعد أن فرضت قراراتها بقوة السلاح"، مستحضرا في هذا الإطار، عملية الاختطاف التي تعرض لها نهاية الشهر الماضي، داخل منزله في طرابلس.
وكان المجبري قد صرح نهاية الشهر الماضي بأنه تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، أسفرت عن إصابة اثنين من حراسه، بعدما هاجم مسلحون مقر إقامته في العاصمة طرابلس، قبل أن يتمكن من الهروب إلى العاصمة التونسية.
إسقاط الرئاسي
ورحّب نائب رئيس المجلس الرئاسي المنسحب سابقاً، علي القطراني، بانسحاب فتحي المجبري، وتعليقه جلسات المجلس الرئاسي، مضيفاً أن "الرئاسي" لم يعد ممثلاً سياسياً لليبيا، وأنه لا يمتلك شرعية ولا قاعدة دستورية، وتم فرضه من قبل المجتمع الدولي للسيطرة على موارد ليبيا.
وتابع "بعد انسحاب فتحي المجبري، واستقالة موسى الكوني، وتعليق عمر الأسود حضوره، لا بد أن نوجه رسالة إلى الداخل الليبي، نحن حين نطالب بحقوق برقة، فهي مثال لكل مدن ليبيا، ونحن نعرف أن هناك مناطق مهمشة في غرب ليبيا، وكل مناطق الجنوب، فنحن لا نفرط في وحدة ليبيا". وأردف "نعلن انسحاب برقة من المجلس الرئاسي، وندعو الأخوة المفوضين بالوزارات إلى الانسحاب من حكومة الـ "لا وفاق"، والخروج من طرابلس، احتراماً لدماء شهداء برقة، ولأعضاء المجلس الرئاسي المقاطعين.
من جانبه،طالب عضو مجلس النواب، عيسى العريبى، بتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية بتمثيل حقيقي لكل الأقاليم، وبعاصمة خالية من الميليشيات، وتوزيع عادل للوزارات والهيئات والشركات ولثروة ليبيا، التي تستحوذ عليها الميليشيات، واصفاً عدم التحقيق في محاولة اغتيال المجبري بأنه إهانة لإقليم برقة، مؤكداً أن طرابلس محكومة من قبل ست ميليشيات مسلحة، تتقاسم الأموال مع مستشاري السراج، بحسب قوله.
وفي تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية،أكد عضو مجلس النواب علي السعيدي أن استقالة عضو المجلس الرئاسي فتحي المجبري إجراء في محله بعد كشف حقيقة المجلس الرئاسي.وبين السعيدي،أن المجلس لم يكن يعمل لخدمة ليبيا بالكامل وإنما للمساحة التي يسيطر عليها والتي لا تتجاوز 2 كيلو متر مربع مطالبا نواب الجنوب لان يحذوا حذو المجبري لإنقاذ ليبيا معتبرا أن إسقاط المجلس الرئاسي هو إنقاذ للوطن.
وتصاعدت في الآونة الأخيرة الإتهامات لحكومة الوفاق بالعجز أمام تغول الميليشيات التي يصفها المتابعون للشأن الليبي بأنها المتحكم الرئيسي في مقاليد الحكم في العاصمة وبأن حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي مجرد واجهة لتلك الميليشيات،التي تمثل عقبة أمام المسار السياسي وتشكيل حكومة في البلاد.