عانى المجتمع الليبي وبعض شرائحه الأكثر فقراً وتهميشاً من   أزمات متعاقبة خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

فمن جهة، كان العامل الاقتصادي متراجعاً منعكسا على واقع الفرد الليبي، وبخاصة بعد مجيء حكومات انتقالية متعاقبة خلّفَت وراءها تراكمات وتناقضات اجتماعية عميقة بسبب السياسات الاقتصادية والقرارات الارتجالية التي انتهجتها بعد العام 2011.

إذ  خسر الشعب الليبي أعواماً من التنمية والنمو الاقتصادي في مستويات التعليم والصحة والعمل، بسبب تعرض القطاعات الإنتاجية للدمار الكبير، وأصيب الاقتصاد بعجز الميزان التجاري، وارتفاع معدل البطالة والدين العام من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الأعمال الإرهابية.

مع وصول الحكومة الليبية الإنتقالية ساد مناخ من التفاؤل بتعافٍ تدريجي للاقتصاد الليبي على وقع الخطوات المُتخذة ضمن المسار السياسي، عبّرت عنها تقارير مؤسسات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي الذي أعلن في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأخير عن توقعاته بتعافي الاقتصاد في ليبيا.

الاقتصاد الليبي لم يكن بعيدًا عن بشائر 2021؛ حيث سجلت ليبيا خلاله نشاطا غير مسبوق وغزت براميلها من الخام معظم بلدان العالم، بعد أن وصلت معدلات الإنتاج لأكثر من مليون و300 ألف برميل يوميا شهرياً.

على الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا مطلع عام 2021 وتوحيد الإنفاق العام، بعد انقسام سياسي دام أكثر من خمس سنوات، إلا أن تحسّن الوضع الاقتصادي ظل حلماً يراود الكثيرين، إذ لا تزال العديد من الصعوبات قابعة.

وشهدت الأسواق قفزات في أسعار السلع الغذائية والأدوية، خاصة المواد المستوردة واسعة الاستهلاك، بنسب تتراوح بين 14% و77%، ما أدى إلى ارتفاع إنفاق الأسر على سلة الغذاء.

وبجانب المضاربات التي تلازم الأسواق وتؤثر على مستويات الأسعار وقدرة المواطنين على الشراء. عدل مصرف ليبيا المركزيّ سعر الصرف مطلع 2021 من 1.4 دينار للدولار الواحد إلى 4.48 دنانير للدولار، بانخفاض بلغت نسبته 70%، في ظل تراجع عائدات الدولة من النفط، الذي يمثل نحو 95% من الإيرادات.

ووفق بيانات رسمية، فإن عدد المحتاجين إلى مساعدات ارتفع بنحو 900 ألف شخص خلال 2021، ليصلوا إلى نحو 1.3 مليون شخص، يمثلون 23% من السكان.

وينتظر الليبيون ظهور الملامح الأولى لميزانية دولتهم للعام 2022، وما قد تثيره من خلافات على غرار سابقتها التي لم تحظَ باعتماد مجلس النواب رغم عرضها عليه في أكثر من خمس مناسبات.

وأكد وزير المالية بحكومة الوحدة الوطنية خالد المبروك، أهمية تضمين الميزانية الجديدة للالتزامات المترتبة على السنوات السابقة، بالإضافة إلى رؤية الحكومة في بعض السياسات المالية المترتبة على الموازنة العامة.

وقالت وزارة المالية، إنّ حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميدالدبيبة أنفقت كامل ميزانية عام 2021 والبالغة أكثر من 86 مليار دينار (حوالي 19 مليار دولار)، فيما بلغ إجمالي إيرادات النفط الفعلية 26 مليار دولار ورد منها 22.9 مليار دولار على حسابات الوزارة.

ووفق البيانات الحكومية، فإنه من المفترض أن تكون نسبة المرتبات 30% من الميزانية، وبرامج التنمية وإعادة الإعمار 70%، وذلك باعتبار أن جميع الليبيين يعتمدون على الرواتب المقدمة من الدولة، وهو ما يؤكد حاجة البلاد إلى إصلاحات حقيقية خلال المرحلة المقبلة، كما شددت على ذلك مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، خلال لقائها مع وزير الاقتصاد والتجارة، محمد الحويج.

إلى ذلك،يرى مراقبون أنه رغم التفاؤل الذي يحف الاقتصاد الليبي خاصة مع عودة ضخ النفط وانتعاشه عالميا، فإن الوضع العام بالبلاد يتأرجح بين الاستقرار والتأزم خاصة بعدما صاحب الترشحات الرئاسية من توترات بلغت حد تأجيل الانتخابات الليبية التي كانت تحمل معها آمالا وتوقعات إيجابية كثيرة.

من ناحيته،يقول للبنك الدولي في تقرير له قبل تأجيل الاستحقاق الانتخابي "إذا حققت العملية السياسية تقدما إيجابيّا وبقي الوضع الأمني مستقرّا، فإن ليبيا ستواصل مسارها نحو التعافي الاقتصادي. وإذا ظل التقارب الحالي على المسار المقرر، وأُجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بنجاح في موعدها بطريقة سلمية، ولم يتوقف إنتاج النفط، فمِن المتوقع أن تسجل ليبيا معدل نمو في إجمالي الناتج المحلي يبلغ أكثر من 70 بالمائة في عام 2021".

ويضيف التقرير ذاته أنه "في أعقاب انكماش اقتصادي هائل في عام 2020، يشهد قطاع الهيدروكربونات الليبي بوجه خاص، وبالتالي الاقتصاد الليبي بوجه عام، انتعاشاً كبيراً" خاصة مع استعادة إنتاج النفط مستوياته المسجلة في عام 2019 (1.2 مليون برميل يوميّاً)، حسب التقرير.