تعيش ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي حالة من الفوضى الأمنية والسياسية مع انتشار المسلحين والميليشيات في مختلف المناطق، مهددين بذلك وجود السلطة المركزية.

هذا السياق العام الذي تعيش على وقعه البلاد أثر حتما في وضعية حقوق الإنسان و الحريات العامة.

إذ تحتجز المجموعات المسلحة في جميع أنحاء ليبيا، بما في ذلك المجموعات التابعة للدولة، آلاف الرجال والنساءوالأطفال بشكل تعسفي ومطول ودون مسوغ قانوني، حيث يعرضونهم للتعذيب وغيره من ضروب الإنتهاكات و التجاوزات ضد حقوق اإلنسان. وقلما يُتاح للضحايا سبل الإنصاف القضائية أو التعويضات وقد لا يتوفر لهم ذلك، فيما يفلت أفراد المجموعات المسلحة تماماً من العقاب.

أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها العميق إزاء تزايد حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والخطف والاختطاف والاختفاء في ليبيا والتي تطال مسؤولين وناشطين وصحفيين.

وقالت البعثة في بيان، أول شهر ماي،إن هذه الحالات تنذر بتدهور سيادة القانون في ليبيا، مشددة على أن القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن لكل شخص الحق في الحرية والأمن الشخصي، ولا يجوز إخضاع أي شخص للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي.

وذكّرت البعثة الأممية جميع أطراف الصراع بأهمية الالتزام بحقوق الإنسان وسيادة القانون، داعية جميع السلطات أن تعمل في ظل سيادة القانون وأن تتأكد من أن عمليات الاعتقال والاحتجاز تخضع كلياً للإجراءات القانونية الأصيلة وقواعد الإنصاف الأساسية.

وأشارت إلى أنه ومنذ اندلاع الاشتباكات في تخوم طرابلس، تم تسجيل زيادة حادة في عمليات الاختطاف والاختفاء والاعتقالات التعسفية، حيث وقع أكثر من 7 مسؤولين وموظفين ضحية للاعتقال التعسفي أو الاختطاف في شرق ليبيا وغربها، ولا يزال مصير جميع هؤلاء الضحايا مجهولاً، وقد يكون آخرون قد اختفوا في ظروف مماثلة.

من جانب آخر،أصبح العمل الصحفي في ليبيا منذ العام 2011، أمرا مرعبا لدى الكثير من المنخرطين في مهنة المتاعب، ففي بلد يعاني ويلات النزاع المسلح والتشظي الاجتماعي والانهيار الاقتصادي، تعيش الصحافة في ليبيا أسوء أحوالها نتيجة تزايد حالات الانتهاكات والاعتقالات التعسفية التي تُمارس ضد الصحفيين، خاصة مع انتشار الميليشيات المسلحة التي لا تخضع لأي قوانين أو سلطة وتمارس سياسة تكميم الأفواه ضد كل من يعارض نشاطاتها الإجرامية.

وفي تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود مؤشر حرية الصحافة لعام 2018، وصدر في الـ25 من أبريل/نيسان، والذي يقيس أوضاع الصحافة في 180 بلداً حول العالم، احتلت ليبيا المرتبة 162 على المؤشر محققة تقدماً لمرتبة واحد عن العام 2017، وهي في المرتبة 15 عربيا، والأخيرة بالنسبة لدول إفريقيا الشمالية. وذكرت المنظمة أن العمل الصحافي في ليبيا محفوف بالمخاطر ووصفتها بأنها واحدة من أخطر دول العالم.

وأرجعت منظمة مراسلون بلا حدود الترتيب المتدني لليبيا إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني والصراع المفتوح الذي دفع بالصحفيين إلى الفرار من البلاد خشية العمليات الانتقامية، إضافة إلى أن أطراف الصراع في البلاد تفرض مزيدا من القيود على حرية الصحافة وفق المنظمة. وجهت المنظمة انتقادات للسلطات الليبية، قائلة إنها لم تتخذ خطوات لتوفير الحماية للعاملين في الإعلام، وغالبا يصبح المنفى الاختيار الأفضل للعاملين في هذا الحقل.

ويرى المتابعون للشأن الليبي، إن الصحافة اليوم في ليبيا تمر بأصعب أوقاتها التي لم تعهدها من قبل، حيث إن الجناة الذين يمارسون هذه الانتهاكات التي تصل حدَّ القتل لا يجدون عقابا رادعاً لأفعالهم من قبل السلطة القضائية، مما جعل هذا الأمرَ سهلاً وبسيطاً إلى حد كبير، فيستطيع أي شخصٍ أن يعتدي على صحفي دون أن يلاحق قانونيا.

من ذلك،يرى مراقبون أن أزمة الحريات العامة و تردي وضع حقوق الإنسان هو دليل قاطع لفشل شعارات فبراير حيث أن رأسمال الحراك الرمزي هو تركيز نظام سياسي جديد يرعى هذه القيم إلا أن البلاد تعيش حالة إرتداد جنونية خسر بمقتضاها الليبي مقدراته التي ظن طويلا أنه من تحصيل الحاصل.