في الوقت الذى تسعى فيه أطراف ليبية ودولية عديدة لإيجاد حل للأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها البلاد منذ اندلاع الأزمة فيها في العام 2011، تتزايد حدة الإنتقادات لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، التي تتخبّط في صراعات سياسية متلاحقة في مشهد يعكس تصدعا داخليا كبيرا بات يهدد وجودها.
ويواجه السراج، في الآونة الأخيرة، هجمات وانتقادات حادة، آخرها ما ساقته المنظمة الليبية لحقوق الإنسان، التي استنكرت ما وصفته بـ"انفراد رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، بكل المناصب السيادية بالدولة الليبية والتي منها رئيس مجلس الأمناء بالمؤسسة الليبية للاستثمار
وقالت المنظمة في بيان لها، إنها تضع كل الليبيين أمام أكبر صور الفساد الإداري والمالي، وتحالف قوى السلطة والمال لإنتاج أبشع أنواع الفساد في أعلى كيانات الدولة المتمثل في قرار السراج، بتعيين كل من مصطفى المانع عضوا بالمؤسسة الليبية للاستثمار، ويوسف المبروك نائباً لرئيس مجلس الإدارة بمؤسسة الاستثمار، مذكرة بأن كل التعيينات التي أجراها السراج، مبنية عن صلة القرابة أو زمالة الدراسة، أو المحاصصة، بعيدا عن أي معيار للكفاءات والمهنية والخبرة
وأثار قرار رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، بتعيين القياديين في جماعة الإخوان المسلمين، مصطفى المانع، عضوًا بمجلس إدارة مؤسسة الاستثمار (الصندوق السيادي لثروة ليبيا)، ويوسف المبروك، نائبًا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة، بصلاحيات مدير عام جدلا واسعا في ليبيا. حيث نددت به أطراف ليبية كثيرة حتي من حلفاء السراج
حيث قالت "قوة حماية طرابلس"، التي تتكون من أهم الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية وضواحيها، والتي تتبع داخلية الوفاق في بيان، إنها تتابع استمرار العبث الممنهج بأموال ومقدرات الشعب الليبي، عبر القرارات الصادرة عن رئيس المجلس الرئاسي منفرداً، مشيرة إلى أن رئيس المجلس، فايز السراج، يحاول تمكين جماعة مؤدلجة ينبذها الليبيون بقوة في مفاصل الدولة
ووصفت القوة، تعيين السراج لعضو تنظيم الإخوان، مصطفى المانع، عضواً في مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار، بالعبث المالي والإداري، مؤكدة أن ذلك يعد استخفافاً بعشرات الأحكام الصادرة من قبل القضاء الليبي، وعلى النائب العام والجهات المختصة، اتخاذ إجراءات رادعة بالخصوص، مجددة عدم انصياعها لقرارات الرئاسي، ما لم تكن صادرة بالإجماع
ويأتي هذا التعيين ضمن ما أعتبر تمكين السراج لجماعة الإخوان في مفاصل الدولة الليبية ، عبر تعيينهم في المناصب العليا. فالجهاز المالي الليبي، يعاني من وقوعه تحت سيطرة أفراد من جماعة الإخوان. ويعتبر المصرف المركزي بطرابلس، على رأس هذه المؤسسات الخاضعة للإخوان، إذ ينتمي كل أعضاء ما يعرف بالهيئة المركزية للرقابة الشرعية بالمصرف للجماعة، فيما يترأس اللجنة المعنية بمراجعة العمليات المصرفية والتأكد من مطابقتها للشريعة، حمزة أبوفارس، الذي أٌدرج على قوائم الإرهاب الموضوعة بمعرفة دول الرباعي العربي ، على خلفية علاقته بقطر والتنظيمات الإرهابية
وتصاعدت الاتهامات ضد رئيس المجلس الرئاسي بالانفراد بالقرارت والتي جاءت من داخل المجلس ذاته. ففي يناير الماضي، أصدر ثلاثة من أعضاء من المجلس الرئاسى الليبى وهم أحمد معيتيق وفتحى المجبرى وعبد السلام كاجمان بياناً، موجهاً للسراج اتهموه فيه بقيادة البلاد نحو مجهول قد يقودها لصدام مسلح من جديد
وأكد الأعضاء بالمجلس الرئاسى الليبى، على أن الأهداف التي من أجلها انبثقت حكومة الوفاق، لم تتحقق بسبب سياسات السراج غير المدروسة وتصرفاته غير المسؤولة واستئثاره وانفراده بالقرارات المهمة والمصيرية متجاهلاً فكرة الشراكة والوفاق نفسها وفي تغييب تام لكافة الأطراف الليبية الرسمي منها والفعلي وعلى رأسهم أعضاء المجلس الرئاسى الليبى نواباً ووزراء دولة
وأكد البيان، على أن ذلك الأمر أحال المجلس الرئاسى برمته إلى طرف صراع وأخرجه من كونه أداة للحل، معتبرين أن استمرار السراج بذات النهج وبنفس السياسة القائمة على الإقصاء للشركاء الوطنيين بالمجلس الرئاسي واعتماده بصورة مطلقة على التحالفات العابرة للحدود والاعترافات الدولية المرحلية سيؤدي للانهيار التام ليس فقط للمجلس الرئاسي وحكومته بل للبلاد كاملة ووحدتها واستقرارها وقرارها الوطني ومصالحها العليا
وليست هذه المرة الأولى التي يشهد فيها المجلس الرئاسي هذا التوتر، فقد تعددت حالات الانشقاق ومقاطعة جلسات المجلس خلال الفترة الماضية، فيما يرى مراقبون أن ذلك يعكس تصدعا بات يهدد وجوده. حيث بدأت الخلافات على مستوى تشكيلة المجلس الرئاسي تظهر، عندما أعلن نائب رئيسه، علي القطراني، مقاطعة جلسات المجلس، وتبعه في نفس القرار عضو المجلس عمر الأسود، ثم جاءت استقالة، موسى الكوني، لتوسع الشرخ داخل المجلس الرئاسي وتظهر عمق الأزمة الداخلية التي يعيشها
وفي 20 كانون الثاني/يناير، اتهم 35 برلمانيا في شرق ليبيا، في بيان لهم، فايز السراج بالاستيلاء على السلطة، وكونه الوحيد الذي يتخذ القرارات، ويتبع سياسة تعمق الانقسامات، في حين ينتهك مبادئ الاتفاق السياسي الليبي، على أساس التوافق وتوزيع المال والسلطة
وإتهم البيان البرلماني، أيضا غسان سلامة، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، بتجاهل تصرفات فايز السراج، وعدم الرد على البيان الصادر عن أعضاء مجلس الرئاسة. وقال البيان إن موقف سلامة لا يشجع الليبيين على المشاركة في المؤتمر الوطني الشامل الذي تعكف الأمم المتحدة على الاعداد له
وتشير التطورات الى سيطرة "الاخوان" على حكومة الوفاق الليبية، وهو ما كشفته تحركات الأخير ضد العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في الجنوب بهدف تحريره من التنظيمات الارهابية والعصابات الأجنبية تنتشر في المنطقة وتمثل خطرا كبيرا يتهدد كامل البلاد
وسارع السراج الى محاولة عرقلة تقدم الجيش الليبي وبلغ التوتر بين الطرفين أوجه مطلع الشهر الحالي، عندما اصطدمت قواتهما قرب حقل الشرارة النفطي، الذي سيطر عليه الجيش بعد مفاوضات مع الجهات الأمنية المشرفة عليه. وعقب ذلك أقال فايز السراج، رئيس أركان جيشه العميد عبدالرحمن الطويل، في أعقاب تصريحات أطلقها الطويل أشاد فيها بجهود الجيش الليبي في الجنوب في موقف اعتبره البعض مؤشرا على تقارب بين الطرفين وهو ما يرفضه السراج
وبدا انصياع السراج واضحا لضغوط الاخوان حين عين، علي كنة، آمراً لمنطقة سبها العسكرية، وهو ما أكده اعتراف خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، بدعوة المجلس الرئاسي، بضرورة تكليف آمر للمنطقة العسكرية في الجنوب، وتقديم الدعم له؛ من أجل ضمان القيام بواجباته. وهي خطوة رأى مراقبون أنّها تهدف لاستمالة أنصار النظام السابق وضباطه لدعم قوات حكومة الوفاق ضدّ قوات الجيش الليبي، وخلط الأوراق في جنوب البلاد
ووصف المشري وهو من أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين، قوات الجيش الوطني في الجنوب بأنها "غير شرعية"، واتهمها بأنها تسعى لفرض واقع جديد في المنطقة. مؤكدا أن مجلسه لا يعترف إلا بقائد أعلى واحد للجيش الليبي، وهو فايز السراج، باعتباره رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وفقا لاتفاق الصخيرات المبرم في المغرب برعاية أممية نهاية عام 2015
ويشير الكثير من المتابعين للشأن الليبي أن التخبط الذي يعيشه تيار الاسلام السياسي مأتاه الانتصارات المتتالية للجيش الليبي في الجنوب وتزايد التأييد الداخلي لتحركاته، وهو ما يثير المخاوف لدى الاخوان وحلفائهم من توجه الجيش نحو العاصمة الليبية طرابلس والذي سيكون بمثابة نهاية للمليشيات التي تعتمد على استمرار الفوضى لنهب ثروات البلاد