يتضرر الليبيون، الذين يواجهون صعوبات معيشية، من زيادات حادة في أسعار السلع الأساسية فيما تتواصل أزمة السيولة في البنوك،ناهيك عن تدني الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، والانقطاع المتواصل للكهرباء لساعات طويلة،وهو ما يثقل كاهل المواطن الذي باتت الإحتجاجات وسيلة للتعبير عن سخطه من أوضاع البلاد المتأزمة،إضافة إلى تدخل القوى الدولية الذي يزيد من توتر الأوضاع في هذا البلد الممزق منذ سنوات. ومنذ أسابيع بات مشهد الاحتجاجات في عدد من المدن الليبية،عاديا ومتكررا في ظل تردي الأوضاع المعيشية ونقص السيولة النقدية وإنقطاع الكهرباء الذي تزامن مع تسجيل درجات حرارة مرتفعه في البلاد.حيث يحتج المتضاهرون ضد السياسات الحكومية التي عجزت عن حل مشاكل المواطنين.
الإنتخابات وتحسين الخدمات
وشهدت عدة مدن ليبية،من بينها العاصمة طرابلس وصرمان، والزنتان والزاوية،الجمعة الماضي، مظاهرات شعبية احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية، وانقطاع الكهرباء وانعدام الخدمات، وللمطالبة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل نهاية العام الجاري. وأعرب حراك أهالي طرابلس في بيان له عن قلقه من "انتشار الفساد وتفشي الفقر والحاجة"، في ظل تمسك ما سماه بـ"أجسام سياسية منتهية الشرعية بالسلطة إلى ما لا نهاية في ظل بلوغ الأزمات المعيشية ذروتها".
وأعلن الحراك تأييده لإجراء الانتخابات كما تخطط لها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، قبل أن يتهم مجلس النواب، المتواجد في مدينة طبرق بأقصى الشرق، بتعطيل الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد "من أجل البقاء أطول وقت ممكن في السلطة". وطالب المتظاهرون مديرية أمن طرابلس بالعمل على تأمين التظاهرات القادمة دون الانحياز إلى أي جهة ، معلنين رفضهم لأي تدخل خارجي في الشأن الليبي.ومن جهته اعلن حراك لا للتمديد واهالي صرمان فى بيان لهم تأييدهم البيان الصادر فى طرابلس المطالب بإجراء الانتخابات في ديسمبر القادم ورحيل المتشبثين بالسلطة ، منددين بتردي الاوضاع المعيشية وانتشار الفقر في ظل تشبث الاجسام السياسية بالسلطة.
يشار إلى مظاهرات خرجت الأسبوع الماضي في عدة مدن ليبية تطالب بضرورة تحسين الخدمات المعيشية وتفعيل أجهزة الدولة والذهاب الى الانتخابات، كما رفعت شعارات تطالب برحيل المجلس الرئاسي وحكومته.وطالب المحتجّون بتحسين الخدمات المعيشية ورحيل رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج رافعين شعارات مناهضة للمجلس الرئاسي. وتعاني مدن المنطقة الغربية في ليبيا بشكل عام، ومدينة طرابلس بشكل خاص، من أزمة الكهرباء،تنضاف إلى أزمات عدة باتت تثقل كاهل المواطن.وأكد مراقبون أن الاحتجاجات يمكن أن تتحول إلى انتفاضة شعبية ضد الأوضاع المعيشية الصعبة، ورفض وجود الميليشيات المسلحة التي تسيطر على مفاصل الدولة في العاصمة الليبية.
احتجاجات ضد إيطاليا
وتعقيبا على هذه المظاهرات التي نددت أيضا بسياسة إيطاليا في ليبيا، واتهمتها بالانحياز المطلق لحكومة السراج، قلل جوزيبي بيروني، سفير إيطاليا لدى طرابلس، من شأن هذه المظاهرات، التي وصفها بأنها "ليست كبيرة"، وقال في هذا السياق "عندما يكون هناك 20 أو 30 شخصا ضد إيطاليا، فنحن نقبل بها ونحترمها. تصريحات زادت من حدة الإحتقان الشعبي،حيث شهدت العاصمة الليبية طرابلس، مساء الأحد، مسيرة حاشدة احتجاجًا على هذ تصريحات السفير وسط دعوات إلى طرده من البلاد.وشارك في المسيرة التي جابت شوارع طرابلس مئات المحتجين معظمهم من شباب العاصمة طرابلس، وأعضاء حراك صوت الشعب من العاصمة الليبية، الذين عبروا عن رفضهم لتصريحات السفير الإيطالي، منددين بتدخله في الشؤون الليبية الداخلية، حيث رفع المتظاهرون لافتات تعبر عن رفضهم لعودة الاستعمار الإيطالي، وتؤيد إجراء الانتخابات في البلاد. ودعا الحراك السفير الإيطالي إلى سحب تصريحاته والاعتذار عنها فورا باسمه ونيابة عن السفارة الإيطالية وعن وزارة خارجية بلاده، مطالبا حكومة الوفاق ووزارة الخارجية بتحديد موقفهما من هذه التصريحات التي جاءت على شكل تعليمات وأوامر لليبيين من خلال إصدار بيان واضح يضع حدا لتصرفات بيروني المشبوهة في كل البلاد. وأشار إلى أن بيروني خالف بشكل صريح المادة 41 من اتفاقية فيينا التي تلزم السفراء باحترام قوانين ولوائح الدول المعتمدين لديها وواجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، لافتا إلى أن الصمت حيال هذه الانتهاكات يعد موافقة ضمنية عليها.
تدخل وتنديد
وبالتزامن مع ذلك،أثارت تصريحات السفير الإيطالي عاصفة من الغضب، والانتقادات في أوساط السياسيين الليبيين، الذين اعتبروها دليلا على التدخل الأجنبي السافر في شؤون بلادهم، خاصة مع تأكيده رفض بلاده تنظيم الانتخابات خلال العام الجاري، وعدم اعترافها بمخرجات اجتماع باريس أواخر مايو الماضي. وأرجع بيروني رغبة بلاده عقد مؤتمر دولي حول ليبيا الخريف المقبل، إلى الأهمية القصوى التي تمنحها بلاده لليبيا، مدللا على ذلك بزيارة 3 وزراء من حكومة بلاده إلى طرابلس 3 مرات في أقل من شهر واحد.وتابع: "خارطة الطريق التي نطبقها، تلك التي صدق عليها مجلس الأمن في الأمم المتحدة. أما عن خطة مؤتمر باريس فلا نعترف بها، لاسيما وأنها كانت عبارة عن حوار بين 4 أطراف ليبية للوصول إلى خطة، ولم ينتج عنها اتفاق. وشدد بيروني على رفض بلاده القاطع لإجراء الانتخابات في ليبيا ما لم تتوفر ماوصفها بـ "الظروف الملائمة" لإجرائها وكذلك توفر القاعدة الدستورية لها ممثلة في إقرار الدستور بعد الاستفتاء عليه، كما رفض الإصرار على التمسك بموعد الانتخابات وفق المعلن في اتفاق باريس المقرر له ديسمبر المقبل.
واستنكرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة المؤقتة،في بيان،الإثنين، بأشد العبارات التدخل السافر وغير المسؤول للسفير الإيطالي في الشؤون الليبية دون مراعاة لأبسط قواعد وأعراف العلاقات الدبلوماسية بين الدول.وشددت الوزارة على أن مسألة الانتخابات وتحديد مواعيدها شأن داخلي لا يحق لأي جهة خارجية التدخل فيه، مشيرة إلى أن تصرفات السفير الإيطالي وما يقوم به من تحركات ينمان عن العقلية الاستعمارية التي ولت ولن تعود. وبدوره رفض عضو مجلس النواب، علي السعيدي تصريحات بيروني، مؤكدا أنها تدل على رغبة حقيقية نحو استعادة ماض استعماري، خاصة وأن هناك جنودا إيطاليين موجودين في طرابلس ومصراتة بدعم من المجلس الرئاسي، منوها بأنها إهانة للشعب الليبي.فيما اعتبر عضو مجلس النواب سعيد إمغيب،في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، التصريحات انتهاكا صارخا لسيادة الدولة الليبية وتدخلًا في شؤونها الداخلية.
واستنكر وزير العدل السابق، صلاح المرغني، الموقف الإيطالي بشأن الانتخابات في ليبيا، مشددا في تدوينة على صفحته الشخصية على فيسبوك:"الدوتشي الطلياني يمارس حق النقض الفيتو ضد الانتخابات في ليبيا".فيما قال عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي، إن ليبيا أصبحت ساحة للصراعات الإقليمية وإعادة للأطماع الاستعمارية القديمة، لافتا إلى أن إيطاليا تعتقد بأن ليبيا من حصتها في منطقة المتوسط وبالتالي فإن أي دور فرنسي أو إنكليزي يعتبر تدخلا في منطقة نفوذها التقليدية. وتتعقد الأوضاع في ليبيا يوما تلو الآخر،في ظل إستمرار الإنقسامات السياسية وحالة الفوضى المتفشية،والتي تؤدي تفتح الباب لإستنزاف ثروات البلد الغني بالنفط على يد الميليشيات المسلحة وعصابات التهريب،وتزيد من أطماع الدول في نصيب من الثروات المنهوبة وهو ما يؤجج الصراع فيما بينها على ليبيا.وبين هذا وذاك يتواصل تردي الأوضاع الإقتصادية وتدهور المعيشة التي جعلت المواطن لليبي في حلقة مفرغة من المعاناة.