ربما يمكن اختصار أزمة ليبيا في عدم وجود تيار وطني يدرك خطورة المرحلة بشكل كاف ويعمل على انقاذ ليبيا من الضياع .

فالمتابع لمسيرة التيار الوطني على مختلف مسمياته يجده مجمع على الهدف إلا أن المصلحة الشخصية حينا والحزبية أحيانا تؤدي إلى ضياع كل الثمار التي يقوم بزراعتها وتنضج لتسقط منه في وحل الأنانية والنفعية .

صراع الإعلام والقنوات

سنعدد في هذا التقرير نماذج تؤيد ما ذهبنا إليه في مقدمة التقرير ، فالتيار الوطني جمع أمره على ضرورة إعادة القنوات الفضائية الرسمية إلى سيطرة الدولة بعد أن استولت عليها المليشيات المنتمية لتنظيم الاخوان المسلمين والمقاتلة والجهادية .

نجح هذا التيار في تحقيق مراده ليبدأ الصراع بينهم على من يدير هذه القنوات ومن يظفر بكعكة الاعلام ومن سيكون صاحب نصيب الأسد في الأموال التي ستخصص لهذه القنوات وما أتبع ذلك من اقصاء ومكائد كانت خلاصتها 9 قنوات فضائية (الوطنية "الجماهيرية سابقا"، الرسمية "الليبية سابقا"، الهداية، الشبابية، الرياضية 1، الرياضية2، التواصل، البديل، الساعة "في مصر") مقفلة لينعزل التيار الوطني والبرلمان على التواصل مع قاعدته الشعبية، كما انه خسر قنواته الخاصة حيث تركت لمصيرها ولم يقدم لها يد العون كما حدث مع قناة العاصمة التي تعرضت للقصف في أكثر من مناسبة والنهب، والدولية ، وشاهدنا بدل التكاثف ظهور قنوات جديدة تنفق عليها الأموال دون أن تتمكن من العمل أو الاقناع كما في حالات قنوات ليبيا الاخبارية، ليبيا الكرامة، الزنتان، ليبيا أولا .

بالمقابل نرى تكاثف خصوم التيار الوطني وتسخير كل الامكانات لنفس المشروع، فعند قفل قناة ليبيا الرسمية ومنع (ناظم الطياري) من تقديم برنامج تحولت قناة التناصح الدعوية المحسوبة على مفتي ليبيا الصادق الغرياني إلى قناة سياسية اخبارية وفتحت أبوابها أمام الطياري، وكذلك فعلت قنوات مصراته وفبراير تي في وليبيا بانورما .

صراع القيادة العسكرية

من الاعلام إلى العمليات العسكرية فقد عجز التيار الوطني عن تشكيل غرفة عمليات عسكرية موحدة أو حتى الاتفاق على اسم لعملية مقاومة عمليات ما يسمى فجر ليبيا، فنجد تارة تحرك باسم الجيش الليبي الذي سرعان ما أعلنت قوة سمت نفسها "الدفاع الوطني" التنصل منها رغم أنهما شيئ واحد، وتارة تتحرك باسم الصواعق والقعقاع، وتارة باسم غرفة رد العدوان على طرابلس، وتارة باسم جيش القبائل الذي تغير أكثر من مرة فحينا جيش القبائل الليبية، وحينا جيش القبائل الليبية الشريفة، وحينا جيش القبائل العربية ، مع أن المقاتلين جميعا من ذات التيار، وإنما تعددت الأسماء لرغبة كل منهم في الاستئثار بالقيادة لتكون النتيجة هزيمتهم جميعا وخروجهم من العاصمة طرابلس .

في الطرف المقابل سخر خصمهم كافة وسائله وامكانياته تحت اسم عملية قسوة لتصبح فجر ليبيا وتختفي القبلية والجهوية والحزبية تحت هذا المسمى مع توحيد القيادة والخطاب الاعلامي الذي كان مشوشا عند التيار الوطني .

صراع البرلمان والحكومة

ظهرت حركة لا للتمديد من رحم تحالف القوى الوطنية وعملت قناة العاصمة على ابرازه ودعمه، وتوحد التيار الوطني في انتخابات البرلمان وما أن فاز بالأغلبية حتى عاد إلى صراعه حول "الكعكة" فبارزت حركة لا للتمديد تحالف القوى الوطنية العداء على خلفية رغبتها الحصول على مقعد في رئاسة البرلمان الذي ذهب إلى مدينة الزاوية والتبو .. كما ناصب عضو عن مدينة الزنتان رغب في الحصول على مقعد في رئاسة البرلمان وهو تحالفي التحالف العداء لأنهم التحالف أعطى صوته للتبو .. وبدأ أعضاء التيار الوطني سواء في التحالف أو العمل الوطني أو من اصطلح عليهم بالليبراليين تبادل الاتهامات والمكائد للاستئثار بالمقاعد الرئاسية والحقائب الوزارية وما محاولة اسقاط الثني من قبل حلفاء الأمس وشركاء المصير عنا ببعيد.

في المقابل كون خصوم التيار الوطني حكومة ووزعوا الأدوار رغم عدم اعتراف العالم بهم إلا أنهم يأملون أن يحصلوا على هذا الاعتراف مراهنين على جينات الخلاف داخل التيار الوطني الذي لا يصمد أمام المصالح وينهش بعضه بعضا وهو أمر مستبعد أن تراه في التيار المقابل له الذي يتكاثف ويظهر أنه صف واحد رغم خلافاتهم العقائدية ...

هل يدرك التيار الموقف حقيقة أزمته ويسارع إلى تلافي أسبابها أم سيستمر في منهجه حتى يصحو وقد فقد الدعم الدولي الذي هو متغير بطبيعته .