تغرق ليبيا في الفوضى وتتزايد الدعوات إلى التدخّل الدولي. وقد لعبت فرنسا دورًا محرّكًا في تشكيل التحالف العسكري لحلف شمال الأطلسي بموافقة من الأمم المتّحدة والّذي أسقط نظام معمر القذافي في 2011 عندما اجتاحت حركة “الربيع العربي” المنطقة. وبعد 4 سنوات، طرحت من جديد مسألة التدخل في حين أنّ ليبيا تمثّل خطرًا بأن تصبح ملاذًا للحركات الجهادية على أبواب أوروبا والأزمة تزعزع دول الجوار على خطّ الساحل والصحراء، حسب صحيفة لوموند.

خمس دول من الساحل دعت رسميًا يوم 19 ديسمبر 2014 إلى تدخّل دولي، إذ طلبت التشاد ومالي (الّتي جدّت دعوتها يوم 6 يناير في نيويورك) والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو من مجلس الأمن التابع إلى الأمم المتّحدة والاتّحاد الإفريقي بتشكيل قوّة دولية لـ”تحييد الجماعات المسلّحة”، كما طالب الرئيس التشادي إدريس ديبي في أوائل ديسمبر حلف شمال الأطلسي بـ”إنهاء مهمّته”.

وفي ليبيا، كان البرلمان المنتخب في طبرق في شرق البلاد والهيئة الوحيدة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي أوّل من طلب في أغسطس 2014 بتدخّل عسكري خارجي ضدّ تحالف شرق ليبيا الّذي سيطر آنذاك على العاصمة طرابلس.

وقد استجابت مصر والإمارات العربية المتّحدة إلى هذه الدعوة؛ لرؤيتهما في المعركة ضدّ فجر ليبيا -تحالف يسيطر عليه الإسلاميون- امتدادًا لكفاحهم ضدّ الإسلام السياسي في المنطقة. واتّهمتهما واشنطن بقيادة غارات جوية في طرابلس في أغسطس وفي بنغازي في أكتوبر. كما وقّعت مصر في أكتوبر على اتّفاق أمني ثنائي مع سلطات طبرق ودعمت مع الإمارات العربية المتّحدة تعزيز القدرات العسكرية للجيش الليبي.

وأشار وزير الشؤون الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يوم الثلاثاء 6 يناير أنّ في ليبيا “حكومتين وبرلمانين وفوضى تامّة”، وهذا ما يحظى بالإجماع ولكن في المقابل لا يزال العلاج بعيدًا عن التوافق؛ لأنّ من خلال استدعاء فكرة احترام السيادة الليبية استبعدت سلطات طبرق فكرة التدخل الخارجي، إذ يرى إسكندر العمراني من الـ (International Crisis Group ICG): “البعض يعتقد أنّ هذا الدعم من شأنه أن يخلق المزيد من المشاكل، لاسيّما مع الشعب الليبي الّذي يرى فيه خطر حرب جديدة وكبيرة”. وفي اجتماع طارئ للجامعة العربية يوم 5 يناير، حثّت سلطات طبرق المجتمع الدولي على تزويد الجيش الليبي بالمعدّات العسكرية، مؤكّدة أنّ هذا الدعم سيكفيه لإحراز تقدّم على الميدان.

كما تسعى سلطات طبرق أيضًا إلى الاستفادة من دعم اللاعبين الإقليميين، حيث إنّ وصول الباجي قائد السبسي القريب من محور (الرياض، أبو ظبي، القاهرة) على رأس السلطة في تونس يأتي في صالح طبرق، وقد صرّح رئيس الوزراء التونسي المنتهية ولايته مهدي جمعة لصحيفة لوفيغارو يوم الثلاثاء “نحن ضدّ أي تدخّل خارجي”، ولكنه يعتبر أنّ “هناك حاجة للتحرّك من أجل استهداف الجماعات الإرهابية”.

كما استجابت قطر إلى ضغوطات القوى الخليجية الأخرى الّتي طلبت منها الحدّ من دعم الجماعات الإسلامية، ولئن تعتبر واحدًا من أهمّ الداعمين لتحالف فجر ليبيا بعد تركيا (العضو في حلف شمال الأطلسي) فإنّ الدوحة قد استأنفت مؤخرًا محادثاتها مع القاهرة وطبرق، حسب التقرير.

وتعمل الجزائر المعارضة بشدّة لتدخّل عسكري على نطاق واسع في ليبيا على إيجاد حلّ سياسي يجمع مختلف الفرقاء والميليشيات من المعسكرين باستثناء الجماعات الإرهابية مثل أنصار الشريعة.

ولئن كانت فرنسا إحدى أوّل الدول المحذّرة من خطورة الوضع، فإنها لا تريد لعب دور الجندي في الأزمة المثقلة بانعدام الاستقرار؛ إذ استبعد الرئيس فرنسوا هولاند يوم الاثنين 5 يناير تدخّل فرنسا بمفردها حيث قال أثناء لقائه مع إذاعة فرنسا الدولية: “فرنسا لن تتدخّل في ليبيا؛ لأنّ على المجتمع الدولي تحمّل مسؤوليته”.

وقد أضاف لوران فابيوس يوم الثلاثاء خلال لقائه في باريس مع الصحافة الدبلوماسية “ليس لدينا لا النية والتفويض للتدخّل؛ ففرنسا لا يمكنها وحدها وخارج الشرعية الدولية أنّ تحلّ المشاكل جميعها. يجب أن يتحمّل الجميع مسؤوليته”، مشيرًا إلى دور الدول الأوروبية الأخرى وخاصّة مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، الضمان القانوني الوحيد للعملية العسكرية الدولية.

وتستمرّ القوى الغربية في إعطاء الأولوية للحلّ السياسي للأزمة الدولية وبدون ذلك يمكن للعملية العسكري -حتّى دعم سلطات طبرق بالأسلحة- أن تعززّ بعض الفصائل دون أن تحل الأزمة. وتدخّل الولايات المتّحدة الّتي حشدت قوّاتها من أجل التحالف ضدّ الدولة الإسلامية في العراق وسوريا قليل في هذا الملّف.

ويبدو الآن من غير الممكن الحصول على دعم مجلس الأمن من أجل عملية عسكرية جديدة، بسبب معارضة روسيا خاصة، وفي مارس 2011 امتنعت روسيا عن إعطاء الضوء الأخضر من أجل تشكيل تحالف دولي كلّف بداية بحماية السكّان المدنيين في مدينة بنغازي المهدّدين من قبل قوّات العقيد القذافي، ولكن تمدّد التدخّل العسكري وقاد إلى مقتل القذافي في أكتوبر. واعتبر الروس أنّه قد تمّ تضليلهم وأنّهم غير مستعدين لتأييد عملية جديدة من هذا النوع ينظر إليها على أنّها تعد على سيادة الدول، كما يخشون التدخّل في مناطق نفوذهم بدأ من سوريا حيث منعت موسكو أي محاولة لتدخّل الأمم المتّحدة.

وفي الوقت الراهن، لا تزال الدول الأعضاء تقدّم مسار الوساطة الذي بدأ في سبتمبر 2014 من قبل برناردينو ليون المبعوث الخاص للأمم المتّحدة في ليبيا، لتشكيل حكومة وحدة وطنية ومع ذلك فإن تعنّت السلطات في طبرق وطرابلس وانتشار الأسلحة على الميدان يقوّضان المفاوضات وبعد الحوار التمهيدي الأول، لم ينجح المبعوث الأممي في إقناع المعسكرين بالجلوس على طاولة واحدة وتمّ إقرار جلسة جديدة يوم 5 يناير، ولكن أُجّلت إلى أجل غير مسمّى.

ودون تدخّل يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة استخدام العقوبات ضدّ الجماعات المسلّحة وقد وسّع القرار 2174 المعتمد في 27 أغسطس 2014 العقوبات على الأفراد الّذين يهدّدون السلام والأمن والتحوّل السياسي في ليبيا، وأشار السيد ليون لصحيفة لوموند في أواخر سبتمبر إلى أنّ العقوبات يمكن أن تطبّق ضدّ الميليشيات المسلّحة التابعة لفجر ليبيا، وكذلك ضدّ قوّات الجنرال خليفة حفتر الّذي يقود منذ مايو الهجوم ضدّ القوى الإسلامية.

ولكن، اندماج قوّات الجنرال خليفة حفتر في الخريف في الجيش الليبي جعل مسألة تنفيذ العقوبات حساسة، ولكن حسب الخبير كميل غران مدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس “تحرّك الأمم المتّحدة ليس طوباويًا؛ بسبب حجم المشاكل الّتي أوجدتها الأزمة: تدفّقات الهجرة الّتي وضعت الأوروبيين أمام تحدّ والاستيلاء الممكن للجماعات الإسلامية غلى البلاد -الموضوع الّذي سيسرّ تدخل الفاعلين للدوليين- وزعزعة استقرار الدول المجاورة”.

يرى العمراني أنّه “من غير المرجّح التوصّل إلى حل عسكري للصراع الليبي؛ إذ إن الطرفين دخلا في صراع قد يطول لسنوات ويفاقم الحرب الأهلية ومع خطر هدم الدولة، قد يعزز شرعية الميليشيات على الحكومة المركزية ويزعزع استقرار الدول المجاورة بشكل خطير”.

وقد أدّت المواجهة بين سلطات طبرق وتحالف فجر ليبيا بالفعل في تفتيت البلاد حسب الانقسامات الجغرافية والقبلية والسياسية وتعزّز هذه الانقسامات نموّ الجماعات الجهادية حيث تجذّرت أنصار الشريعة -القريبة من تنظيم القاعدة- والجماعات الّتي انضمّت إلى الدولة الإسلامية في بنغازي وفي درنة.

أصبح الوضع معقدًا، إذ بعد أن استولى على العاصمة طرابلس، تحالف فجر ليبيا المسيطر عليه من قبل القوّات الإسلامية وميليشيات مصراتة مع الفصائل الإسلامية في شرق البلاد، في بنغازي -من بينهم أنصار الشريعة- الّتي تقاتل الجيش الليبي والجنرال حفتر. وفي الجنوب اتّصل التحالف بالطوارق الّذين يواجهون التبو من أجل السيطرة على أوباري والحقل النفطي “الشرارة”. ومن جهتها دعمت سلطات طبرق -المتحالفة مع الجنرال خليفة حفتر والفدراليين المتمركزين في شرق البلاد- ميليشيات الزنتان في الغرب والتبو في الجنوب.

وقاد الكفاح من أجل السيطرة على الموارد إلى المزايدات، حيث تمدّد الصراع في منتصف ديسمبر بعد هجوم فجر ليبيا على “الهلال النفطي” والردّ من الجيش الليبي ضد مدينة مصراتة.

وفي طبرق كما هو الحال في طرابلس، فشل أنصار الحلّ التفاوض في فرض رأيهم على أولئك الذين يغذّون التصعيد العسكري الواثقين في قدرتهم على استعادة السيطرة والتقدّم على الميدان بدعم من حلفائهم الإقليميين. وترفض كلّ حكومة الاعتراف بشرعية الآخر وتشلّ أكثر كل شكل من أشكال التحرّك الدولي. وحسب كلاوديا غازيني من الـ ICG “طالما أنّ الحرب مستمرة لا أحد مستعدّ لتقديم تنازلات”.