مازالت الأوضاع الأمنية المتردية تلقي بظلالها على العاصمة الليبية، في ظل الإشتباكات المتكررة بين المليشيات المتعددة، والصراعات التي تهدف لفرض النفوذ، وانتشار العصابات الإجرامية الى تتبنى الإختطاف والقتل، وسط عجز حكومي عن كبح جماح العنف في المدينة الي تعاني منذ سنوات غياب الأمن والإستقرار.
وشهدت المدينة، معارك عنيفة بين المليشيات المسلحة اندلعت في 17 آب/أغسطس، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات معظمهم من المدنيين، ودفعت المئات إلى النزوح الى بلدات مجاورة أو البحث عن مناطق آمنة داخل العاصمة. ورغم التوصل لهدنة بين المتقاتلين فإن سقوط ثلاثة صواريخ على الأقل في محيط مطار معيتيقة، أكد المخاوف بشأن هشاشة الإتفاق.
وفي الوقت الذي تصر فيه المليشات المختلفة على سياسة التصعيد والتهديد بمواصلة الصراع المسلح في العاصمة الليبية وسط تبادل للتهم بخرق الهدنة، بات صبر الأطراف الدولية في النفاد والتي صعدت من وتيرة تهديدها بفرض عقوبات من شأنها تحجيم تغول هذه المليشيات المسلحة وإنهاء عبثها بأمن المدينة وسكانها.
وعيد أوروبي
إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي ، الخميس 13 سبتمبر 2018، عن نيته السير في إجراءات محاسبة كل من يعيق تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار الأخيرة التي وقعتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بين أطراف النزاع المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس.
وجاء ذلك في بيان للاتحاد الأوروبي، نشر عبر الصفحة الرسمية لبعثته في ليبيا على "فيسبوك" على خلفية خرق لوقف إطلاق النار، وعودة المعارك المسلحة للعاصمة الليبية قبل يومين. وقال الاتحاد في البيان: إنه "بالتنسيق مع الأمم المتحدة وشركاء آخرين مستعد للنظر في خيارات محاسبة كل من يعيق تنفيذ الاتفاقيات الأخيرة، أو يهدد العمل الحر للمؤسسات السيادية التي تعمل لصالح جميع الليبيين". كما أبدى في الوقت ذاته استعداده "لمساعدة جميع الليبيين الذين يريدون بناء مؤسسات دولة متينة موحّدة خاضعة للمساءلة".
وقال الاتحاد في البيان: إنه "بالتنسيق مع الأمم المتحدة وشركاء آخرين مستعد للنظر في خيارات محاسبة كل من يعيق تنفيذ الاتفاقيات الأخيرة، أو يهدد العمل الحر للمؤسسات السيادية التي تعمل لصالح جميع الليبيين". كما أبدى في الوقت ذاته استعداده "لمساعدة جميع الليبيين الذين يريدون بناء مؤسسات دولة متينة موحّدة خاضعة للمساءلة".
معتبرا أنه "حان الأوان للتغيير الحقيقي، ولإنهاء افتراس الموارد الليبية ومناخ الخوف، وضمان الخدمات الأساسية والحريات الفردية التي يطمح إليها الشعب الليبي". كما أوضح أن الهجوم الإرهابي الذي وقع على مقر المؤسسة الوطنية للنفط "أبرز الحاجة الملحة لجميع الأطراف الليبية للالتقاء والتغلب على دوامة العنف والمعاناة اليومية.
تهديد أممي
وتأتي هذه التهددات الأوروبية بالتزامن مع أخرى أطلقتها الأمم المتحدة على لسان مبعوثها إلى ليبيا، غسان سلامة، الذي قال في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الليبية، "نحن نعلم من استهدف مطار معيتيقة قبل أربعة أيام والليلة، وهو يعلم أننا نعلم من هو، وأقول له: المرة القادمة سأسميك بالاسم".
وعقد المبعوث الأممي غسان سلامة مع رئيس حكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، الأربعاء، اجتماعاً هو الثاني من نوعه بينهما خلال يومين، خصص لمراجعة الترتيبات الأمنية في طرابلس، وذلك بحضور قادة عسكريين من مناطق مختلفة في غرب ليبيا. ولوّح سلامة بمعاقبة دولية للمتورطين في أعمال خرق الهدنة، وأبلغ المجتمعين بأن "هناك استعداداً لدى المجتمع الدولي للتعامل بحزم مع من يتلاعب أو يخرق وقف إطلاق النار".
بدوره، قال السراج، إن اجتماعه مع سلامة تناولت خطوات تنفيذ الترتيبات الأمنية في العاصمة طرابلس والمدن الليبية الأخرى، وفقاً لما تضمنه الاتفاق السياسي. بالإضافة إلى آلية تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار في ضواحي العاصمة، وضمان أمن المواطنين بمناطق الاشتباكات التي وقعت مؤخراً.
وكانت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ، قد نبهت في بيان لها ، الأطراف الموقعة على الاتفاق، الذي رعته بعد معارك عنيفة في طرابلس، إلى ضرورة الاعتدال في تصريحاتهم وبياناتهم، التي تناقض تماماً تلك الالتزامات، وتضعهم تحت طائلة المسؤولية.
كما ناشدت البعثة الميليشيات المسلحة عدم إصدار بيانات تحريضية أو استفزازية، مشيرة إلى أنه يتم تنفيذ ما اتفق عليه في اجتماعي الزاوية من وقف لإطلاق النار في طرابلس، ومن إجراءات جذرية سيبدأ صدورها اليوم، قبل أن ترحب باحترام جميع الموقعين للاتفاقات المعقودة.
أمريكا على الخط
على صعيدآخر، ألقت الإدارة الأميركية بثقلها السياسي والعسكري خلف حكومة الوفاق الوطني، في مواجهة تغول الملشيات المتناحرة. حيث عقد فائز السراج، الخميس، اجتماعاً مفاجئاً في تونس مع الجنرال توماس والدهاوسير، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، وذلك بحضور دونالد بلوم، القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا.
وخلال اللقاء رحب بلوم بإعلان وقف إطلاق النار، ودعوة جميع الأطراف الالتزام بها، مؤكداً التزام بلاده بدعم حكومة السراج في مواجهة خطر الإرهاب، الذي استهدف أخيراً مقر المؤسسة الوطنية للنفط بالعاصمة. وبحسب بيان لمكتب السراج فقد تناول الاجتماع الجهود المشتركة في مواجهة تنظيمي "داعش" و"القاعدة".
وأشار والدهاوسير إلى متابعة قوات "أفريكوم" لفلول هذه التنظيمات، واستهدافها عسكرياً بالتنسيق مع حكومة الوفاق. ومن جهته، عبَّر السراج عن ترحيبه بالتزام الولايات المتحدة بدعم حكومته، ومساعدتها الفعالة في دحر تنظيمات الإرهاب والتطرُّف في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين".
ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن إسماعيل الشريف، عضو مجلس النواب (البرلمان) الليبي، قوله، أن اجتماع السراج بقائد أفريكوم، في هذا التوقيت، حمل في طياته رسائل واضحة إلى التشكيلات العسكرية المُتناحرة في العاصمة طرابلس. وقال إن أهمية تلك الرسائل تكمن في اقترانها بتصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، التي أكد فيها بلغة دبلوماسية لا تُخفي تهديدا مُبطنا، أنه يعرف الأطراف التي قصفت مطار طرابلس، وأنه سيكشف عنها بالاسم، "ما يعني فرض عقوبات عليها".
وذهب إسماعيل الشريف إلى حد القول إن اجتماع السراج مع قائد أفريكوم يأتي في هذا الإطار، وبالتالي فإن مضمون الرسائل المُنبثقة عنه لا يقتصر على البعد العسكري أو السياسي، بل يشمل مختلف الجوانب. لافتا إلى أن استمرار الاقتتال في طرابلس يؤثر على العملية السياسية برمتها ويشكل تهديدا واضحا للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
وتوقع في المقابل، أن يكون السراج قد طلب من قيادة أفريكوم التدخل عسكريا في طرابلس بما يُعدل موازين القوى لصالحه، لكنه استبعد استجابة الجانب الأميركي لمثل هذا الطلب، لاعتبارات عديدة مُرتبطة بتعقيدات المشهد الميداني، وتشابك الأجندات الإقليمية والدولية.
هذا وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على إبراهيم الجضران الذي وصفته بقائد ميليشيا شن هجمات مسلحة ضد المنشآت في منطقة الهلال النفطي في البلاد. وقالت الوزارة إن إبراهيم الجضران أضر بالسلام والاستقرار في ليبيا، بالإشراف على القوات التي هاجمت منشآت النفط الليبية في منطقة الهلال النفطي التي تعد هدفًا مربحًا للميليشيات المارقة والمجرمين.
وتعيش العاصمة الليبية طرابلس على وقع انفلات أمني منذ العام 2011، في ظل غياب مؤسسات الدولة أو حكومة تقوم بدورها في تأمين المدينة، وهو ما يشكل خطراً على حياة المواطنين الذين يتعرضون لشتى أنواع المخاطر من قتل واختطاف في ظل صراع الميليشيات المسلحة التي تزخر بها العاصمة طرابلس منذ سنوات.