خضعت مدينة درنة الليبية، طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد،لسيطرة الجماعات الإرهابية كما عرفت المدينة منذ عام 2012 بعث معسكرات لتدريب مسلّحين محليين وأجانب، انطلق جانب كبير منهم للانضمام إلى جماعات إرهابية في سوريا والعراق، وقام البعض منهم بتنفيذ عمليات إرهابية في مصر وتونس، وقاتل آخرون في صفوف تنظيم أنصار الشريعة ضد الجيش الوطني بنغازي وإجدابيا، ما جعل درنة منطلقاً أساسياً لتهديدات الإرهاب داخل ليبيا وخارجها.
وبعد أكثر من سبع سنوات مرّت على اختطافها من جانب الجماعات الإرهابية، جاء تحرير المينة على يد الجيش الوطني الليبي وهو ما أعتبر خطوة إيجابية في معركة القضاء على الإرهاب في ليبياً. لكن إعادة الحياة في المدينة التي عُرفت بانفتاحها وتنوّعها عبر تاريخها،مازالت تصطدم بمحاولات الجماعات الإرهابية لإعادتها إلى مربع العنف.
اشتباكات متجددة
إلى ذلك،أفادت أنباء بتجدد الاشتباكات العنيفة ،خلال الساعات الأولى من صباح الإثنين 01 أكتوبر 2018، بين قوات الجيش وبقايا الجماعات الإرهابية في محور المدينة القديمة بمدينة درنة. وأشارت مصادر عسكرية، بأن الاشتباكات تأتى إثر تمكن قوات الجيش من إستهداف مواقع للإرهابيين في المحور بواسطة المدفعية الثقيلة لكتيبة 303 المرج التابعة لها.
وقال مصدر مطلع – فضل عدم ذكر اسمه- في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، "لازالت مجموعة من الإرهابيين بمدينة درنة محاصرة بالمدينة القديمة مع استمرار قوات الجيش باستهداف تلك المنطقة بالمدفعية الثقيلة، واشتباكات متقطعة تشهدها تلك المنطقة"، مشيرا إلى أن ما يعيق السيطرة على المدينة القديمة هو ضيق المنطقة وكثرة القناصة من الإرهابيين.
وتشهد مدينة درنة اشتباكات متقطعة بقصد دحر الجيش للجماعات الإرهابية وتطهيرها بشكل كامل من مخلفات الحرب. وتشير تقارير إعلامية، وفقا لمصادر عسكرية ليبية، أن الجيش الليبي يحاصر العناصر المسلحة في مسافة 300 متر فقط، ويتقدم بحذر شديد بسبب انتشار القناصة الذين يعتلون أسطح المباني التي يتحصنون بها، والعبوات الناسفة التي زرعها الإرهابيون لعرقلة تقدم قواتهم.
وتواصل قوات الجيش الليبي استهداف القيادات الإرهابية في المدينة،وكشف الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الوطني، العميد أحمد المسماري،في سبتمبر الماضي، نقلا عن غرفة عمليات عمر المختار،معلومات تفيد بمقتل الإرهابي "زيزو الجيباني صباح" والذي يعتبر أحد قادة العصابات الإرهابية.
وجاء ذلك في بيان مقتضب للعميد المسماري نشره على صفحته الرسمية في موقع فيسبوك، الذي أكد فيه "مقتل الجيباني أحد قادة العصابات الإرهابية في مدينة درنة أثناء مواجهة مع الأجهزة الأمنية في المدينة. وعلى الرغم من أن القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر،كان قد أعلن رسمياً تحرير درنة نهاية يونيو (حزيران) الماضي، فإن قوات الجيش، التي تم الدفع بها نهاية يوليو (تموز) الماضي، لا تزال تتعقب العناصر الإرهابية التي اتخذت من المدينة القديمة أوكاراً لها.
هذا وكان قد أعلن مسؤول المكتب الإعلامي في الكتيبة 276 مشاة، التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية المنذر الخرطوش، في 2 سبتمبر/أيلول الماضي، عن محاصرة قوات الجيش الليبي للجماعات الإرهابية في منطقة المغار والمدينة القديمة بمدينة درنة الليبية شرقي البلاد.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الخرطوش،قوله بأن العميد علي القطعاني، آمر الكتيبة 276 مجوقل، يعتقد أن سبب مقاومة الجماعات الإرهابية في تلك المنطقتين وهي آخر معاقلهم في مدينة درنة يعود لتواجد شخصيات من دول مجاورة من تنظيم الدولة و شخصيات مطلوبة دوليا مثل محمد اليامن والشافعي وأبو سرور داخل المنطقة المتبقية.
عراقيل
ويظل أهالي مدينة درنة الليبية الضحية الأولى لعدم الاستقرار الناجم عن الاشتباكات الدائرة في المدينة بين قوات الجيش الليبي وبقايا الجماعات الإرهابية، حيث يتحصن الإرهابيون في حي المغار وجزء من المدينة القديمة،وهي منطقة تتوسط مدينة درنة وتعتبر شريان الحياة التجارية والعمق التاريخي فيها،وهو ما يمثل عرقلة لمحاولات إحياء المدينة.
وفي تقرير سابق، لبوابة إفريقيا الإخبارية،فإن "هذه المنطقة تحوي في جنباتها الكثير من المحلات التجارية والتي تعد مصدر رزق للكثيرين من سكان درنة فغلاء الاسعار يرهق المواطن وغياب مؤسسات الدولة الحقيقية القادرة على ردع المتجاوزين وتجار الحروب غائبة عن الساحة في مدينة درنة.
ورجح بعض المهتمين بهذا الشأن الى ضرورة ان تنتهي الاشتباكات في وسط المدينة وتتخلص درنة من تنظيم الجماعات الارهابية كي يستقر الوضع الامني والتجاري وتعود الحركة التجارية في اسواق المدينة لوضعها المعتاد.
وأشار التقرير إلى أن "مدينة درنة تشهد نقص في الخدمات من الناحية الانسانية حيث يشتكي الكثير من النازحين من قلة المستلزمات والمواد الاساسية والتي تقدمها منظمات انسانية والتي من المفترض ان تكون متواجدة على الارض في مدينة درنة ولكنها اعتمدت علي منظمات محلية لتزويدها بالبيانات والمعلومات الصحيحة مما اثر علي وصول المساعدات بصورة صحيحة لمستحقيها".
وفيما يتعلق بالوضع الصحي في المدينة "فشأنه شأن أي مدينة ليبية فوزارة الصحة تعتبر غائبة في درنة". وقال التقرير في هذا الصدد أن "مستشفى الهريش متهالك ولا يرتقي لأي خدمات صحية جيدة رغم تواجد بعض الاطباء المتميزين والذين يعملون بأقل الامكانيات او بالأحرى انعدام الامكانيات والمعدات الطبية".
إعادة الحياة
وإزاء هذه الأوضاع الصعبة، اجتمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مع عميد مجلس اعيان وحكماء درنة صالح غيضان، وعميد مجلس اعيان عين مارة، الأحد 30 سبتمبر/أيلول 2018.وبحسب غرفة عمليات عين مارة، في تدوينه لها على موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك"، فإن الاجتماع يأتي لبحث الاوضاع الامنية والخدمية بمدينة درنة وضواحيها.
من جانبه ثمن عقيلة المجهودات المبذولة من قبل المجلس البلدى درنة في القيام بمهامه، مشددا على أنه سيخاطب وزير الداخلية بشأن فرض الأمن داخل المدينة، مؤكدا على أنه سيتم إنهاء جميع الإجراءات التي تخص رصف الشعبية القديمة بعين مارة، متوقعا بدء عمل الشركة بها خلال الشهر الجاري أو نوفمبر المقبل على أقصى تقدير.
يأتي هذا في وقت أكدت فيه وسائل إعلام محلية،أن لجنة حصر الأضرار ستباشر عملها في المدينة يوم الأحد القادم ولأن البدء في استلام الملفات سيتم بمقر الإسكان والمرافق بالساحل الشرقي.وأعلنت لجنة حصر المباني المتضررة من الاشتباكات في مدينة درنة عن المستندات المطلوبة لكل عقار متضرر.
وكانت بلدية درنة،قد أطلقت في سبتمبر الماضي،أعمال لجان حصر الأضرار بالهيئة العامة للإسكان والمرافق للوقوف علي حجم الخسائر الاقتصادية في البناء العمراني والبنية التحتية المتضررة نتيجة الاشتباكات التي شهدتها المدينة.وقال مدير إدارة الدراسات ومنسق لجنة التعويضات بالهيئة العامة للإسكان والمرافق " المبروك الطويلة " إن عمل اللجان المشكلة من مهندسين متخصصين بدأ بحصر وتقييم الأضرار للمناطق العمرانية المتضررة (مباني مواطنين والبنية تحتية).بحسب وكالة الأنباء الليبية.
ويتواصل العمل حثيثا لإعادة مدينة درنة التي كانت مركزاً للأدب والثقافة والفنون والحياة،إلى سابق عهدها.ويأمل سكان المدينة أن تطوى صفحات سنوات الظلام العجاف.وكان المجلس الاستشاري لقبائل الحضر في درنة،أكدوا في بيان لهم مؤخرا،عقب إجتماع مع اللواء سالم الرفادي، رئيس الغرفة الأمنية العليا درنة، رفض المدينة للإرهاب ومساندتهم للجيش الوطني الليبي.
وتعتبر مدينة درنة الواقعة في الشرق الليبي،من أجمل المناطق السياحية في ليبيا بسبب المناظر الخلابة التي تتمتع بها وشلالات المياه التي تزينها، وكانت وجهة مفضلة للسائحين بسبب المراكز الترفيهية والسياحية التي تزخر بها.وقد لقبها أهاليها بـ"درة المتوسط".ويسهم تحرير المدينة،في تجنيب ليبيا المزيد من الهجمات الارهابية،اضافة الى تجنيب دول الجوار وخاصة مصر هجمات ممثالة، لا سيما وأن تلك المدينة تعد ملاذا لخلايا إرهابية عابرة للحدود من مصر وتونس والسودان.