حالة الارتباك التي تشهدها حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، والتي تم التوافق عليها في 17 ديسمبر الماضي، برئاسة المبعوث الأممي مارتن كوبلر، باتت تفرز توقعات بأن هذه الحكومة ستنتهي قبل البدء، وذلك مع العراقيل التي تقابلها، وبالأخص بعد فشل رئيسها فايز سراج في إعلان التشكيل النهائي لحكومته.

وفي ظل تنامي تنظيم "داعش" في ليبيا، بات الوضع في غاية الخطورة،حيث أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر عن مخاوفه إزاء إمكانية تشكيل تحالف بين تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وإرهابيين آخرين في شمال إفريقيا يكون مركزه ليبيا.

وقال كوبلر في تصريحات صحفية الأحد 17 يناير 2016 إن داعش يهدف إلى البحث عن تحالف مع تنظيمات متشددة مثل بوكو حرام في نيجيريا، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك للحيلولة دون حدوث مثل هذه التحالفات.وكان كوبلر قد حذر في تصريحات سابقة من أن كل يوم يمر من دون المصادقة على الاتفاق السياسي الليبي يصب في مصلحة تنظيم داعش الذي يسعى إلى الاستيلاء على الموارد النفطية في ليبيا.ولا تزال البلاد تعيش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني وصراع على السلطة منذ سقوط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي.

العديد من الدول كانت أبدت تخوفها من تعاظم نفوذ تنظيم داعش في ليبيا وتمكنه من السيطرة على مدينة سرت وبعض المناطق المحاذية لها، ممّا يزيد من احتمال تحوّل ليبيا إلى منطقة تدريب للجماعات الجهادية بدلًا من العراق وسوريا، وهو ما يحصل بالفعل بالنظر إلى وجود العديد من معسكرات التدريب التي يشرف عليها قادة أنصار الشريعة ومقاتلون في صفوف داعش، وفتحت هذه المخاوف من تغلغل داعش في ليبيا وتمكنه من استقطاب آلاف المقاتلين من جنسيات مختلفة الباب أمام احتمال تنفيذ تدخل عسكري في ليبيا.ويرى مراقبون أن تجنيد العناصر المسلحة في ليبيا بدأ يتنامى بشكل مخيف، بالأخص عقب إيقاف 3 فتيات جزائريات كُن سيلتحقن بالتنظيم في ليبيا.وكان  الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مايكل موريل،رأى أن مجموعات تنظيم "داعش" يمكن أن تستخدم أسلوب "الحرب الخاطفة" في ليبيا، كما فعلت في العراق عام 2014.

ونشر المكتب الإعلامي لتنظيم الدولة "ولاية برقة" عبر الإنترنت السبت16 يناير 2016، شريط فيديو حمل عنوان "بنغازي معاني الثبات"، يظهر عناصر التنظيم وهم يخوضون معارك ضد قوات الجيش الليبي في ثاني أكبر المدن في البلاد، بالإضافة إلى عمليات قتل قوات الجيش والتمثيل بجثثهم عبر قطع رءوسهم.كما نشر التنظيم، عملية مقتل القائد البارز في القوات الخاصة بالجيش الليبي "سالم النايلي" والملقب بعفاريت، وكيف تعرض لكمين من قبل عناصر داعش، ومهاجمة سيارته المصفحة بوابل من الرصاص والقذائف في محور حي الليثي الشهير ببنغازي.وأكد أحد قادة التنظيم ويدعى أبو عمر المهاجر، على أن دولة الخلافة باقية، وأن النصر سيتحقق في نشرها في شتى أصقاع الأرض، على حد وصفه.

يشار إلى أن تنظيم داعش الإرهابي يبسط نفوذه على عدد من مناطق الشرق والوسط وأقدم خلال الأيام الأخيرة على فتح جبهته الأولى شرقا في الهلال النفطي، والثانية غربا في زليتن ويهدف من وراء ذلك الى إرسال رسالة لخصومه بأنه يمتلك اليد الطولى ولديه من القدرات والإمكانيات بالضرب في أي مكان يختاره.ويتوقع متابعون أن الخطر الحقيقي بدأ يكبر اليوم في ليبيا،وهو خطر يهدد العمق الإفريقي، والشواطئ الأوروبية.ويُعتبَر تمدد التنظيم في المناطق الساحلية لليبيا، وتهديده المثلث النفطي، تحدياً كبيراً لاوروبا ومصالحها الحيوية. وهو ما يفسر حرص الاتحاد الاوروبي على الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تمنع الانقسام السياسي بين الحكومتين المتنازعتين في طرابلس وطبرق.

ويرى متابعون للشأن الليبي أن الوضع سيزداد تعقيدًا في ليبيا والمنطقة، لا سيما وأنه تزامن مع تنامي تهديدات تنظيم داعش الذي كان استبق بدء السراج في مشاوراته لتشكيل حكومته بشن هجوم على منطقة الهلال النفطي.ومن ناحيتها صعدت حكومة طرابلس الليبية برئاسة خليفة الغويل التي تخضع للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته عبرت حكومة طرابلس عن معارضتها للقرارات التي يتخذها السراج، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على إعلان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية المُنبثق عن اتفاقية الصخيرات، عن قراره الأول المتعلق بتشكيل لجنة أمنية لتنفيذ الترتيبات المنصوص عليها في اتفاقية الصخيرات؛ ما عزز المخاوف من عودة الأوضاع في ليبيا إلى المربع الأول من الفوضى.ووزعت بيانًا للتعبير عن رفضها للحكومة الجديدة وحذرت فيه كافة أفراد القوات المسلحة المنتمين لها من ما وصفته بالإصغاء لإملاءات المجلس غير الشرعي، وذلك في إشارة إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة السراج.

ويخشى أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج الذين كثفوا من اجتماعاتهم في تونس، من تداعيات هذا الموقف ، وما رافقه من تهديدات جعلت ليبيا في حالة خطيرة قد تُفسد أجواء التفاؤل بقرب الإعلان عن تشكيلة حكومة الوفاق الوطني.وبما أن ليبيا تُعتبَر البوابة الاستراتيجية لاوروبا وبما أن تمزقها الجغرافي سيؤثر في الأمن الاوروبي وحوض الأبيض المتوسط، لذلك اتفق الرئيسان الاميركي باراك اوباما والفرنسي فرانسوا هولاند على شن حرب جوية ضد مراكز "داعش".وترى حكومة فرنسا أن طموح التنظيم لحكم ليبيا من سرت يؤهله مستقبلاً للاستيلاء على آبار النفط، وعلى تقييد حركة الملاحة في البحر الأبيض المتوسط.

الأمور تتأزم يوما يلو الأخر في ظل تعنت كل طرف على حساب مصلحة وأمن واستقرار البلاد، كما أن ضعف الدولة في ظل الفوضى التي تعيشها أسهم في ظهور مجموعات إرهابية صنعت من الساحل الأفريقي معقلًا منيعًا لها، في ظل إمكانية تمدّد داعش إلى القارة الأفريقية، وهو ما يمثل خطرًا على الأمن القومي لدول المنطقة.