في الوقت الذي تتوارد فيه التصريحات بشأن التدخل في ليبيا، أكد مسئولون أمريكيون أن واشنطن وحلفاءها ربما أمامهم أسابيع كثيرة أو حتى أشهر، قبل شن حملة عسكرية جديدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، على الرغم من تزايد القلق من تمدد التنظيم هناك وهجماته على البنية الأساسية النفطية.وحذرت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون في الأسابيع الأخيرة من الأخطار التي يشكلها نمو التنظيم في ليبيا.

وكانت مصادر إعلامية عديدة قد تحدثت في الآونة الأخيرة عن احتمال تدخل عسكري غربي في ليبيا لمواجهة خطر تنظيم داعش الإرهابي.وأوردت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إن فرقًا من قوات خاصة أميركية تستخدم مطارًا عسكريًا بصقلية لتنفيذ مهام استخباراتية سرية، واستطلاع للأوضاع العسكرية داخل ليبيا. وذكرت المجلة الجمعة الماضى أن الفرق الأمريكية تستخدم طائرات ركاب "بيتش كرافت سوبر كينج" من مطار عسكري في جزيرة بانتيليريا بصقلية، لإجراء رحلات جوية يومية إلى قواعد جوية داخل ليبيا وتنحصر مهمة القوات في جمع معلومات استخباراتية لتحديد أهداف محتملة لغارات جوية وعمليات للقوات الخاصة.وأشارت نيوزويك أيضًا إلى اجتماعات بين الفرق الأمريكية وتشكيلات مسلحة محلية بليبيا لتقييم قدراتها العسكرية للانضمام إلى المعركة ضد التنظيم ويؤكد ذلك مخاوف واشنطن وحلفاؤها من توسع تنظيم داعش بليبيا مستغلاً الفراغ السياسي والأمني، إذ ظلت الدولة منقسمة بين مجموعة من التشكيلات المسلحة وبين خطوط قبلية وجهوية.

إرهاب يتصاعد

أصبحت ليبيا فرصة أمام التنظيمات المسلحة باعتبارها منطقة استراتيجية، وبدأت الميليشيات تتوغل وتتنامى في البلاد؛ حيث اتخذت من بعض المناطق معاقل لأسلحتها.وترددت أنباء عن بدء تنظيم "داعش" بنقل مقاتليه وإدارته إلى مدينة سرت الليبية بعد كثافة الضربات الجوية التي يوجهها له التحالف الدولي في العراق وسوريا.وتحدثت مصادر استخباراتية أمريكية، بحسب صحف أمريكية، عن إرسال أمير التنظيم أبوبكر البغدادي قياديًّا بارزًا في التنظيم إلى سرت الليبية لتعزيز وجود التنظيم وإدارته في ليبيا.ووصف مسئولون أمريكيون وأوروبيون وجود تنظيم داعش في ليبيا بأنه مثير للقلق على نحو متزايد، وإن لم يكن بنفس حجم سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا.وتتراوح تقديرات عدد مقاتلي التنظيم بين ثلاثة آلاف وستة آلاف مقاتل. ويبدي المسئولون قلقهم علانية من أن يستغل التنظيم وجوده في ليبيا لتخفيف الضغط.وكان التنظيم هاجم البنية النفطية الأساسية في ليبيا وسيطر على مدينة سرت، مستغلًّا فراغ السلطة؛ حيث تتصارع حكومتان متنافستان.ويرى مراقبون أن نقل "داعش" لأعماله القتالية إلى ليبيا لا تنحصر أسبابه في فقدان عدد كبير من مقاتليه بسوريا والعراق فقط، ولكن أيضاً بهدف تعويض مصادر تمويله التي فقدها جزئياً هي الأخرى.وبحسب تقارير عديدة، أصبح التنظيم يسيطر على ما لا يقل عن 300 كم شرق وغرب سرت، بل سيطر فعليًّا على منطقة بن جواد التي لا يفصلها عن السدرة، أولى مناطق الهلال النفطي، سوى بضعة كيلو مترات.

مساع متواصلة

تسعى دول الغرب لوقف تنامي التنظيم الإرهابي عن طريق التصريحات المتتالية بقرب التدخل العسكري،وكانت فرنسا أعلنت من قبل عن اقتراب التدخل العسكري في ليبيا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في غضون 6 أشهر، في حين أعلنت بريطانيا عن استعدادتها للتدخل في القريب العاجل لوقف تنامي التنظيم.وعبر من جهته الرئيس الأمريكي باراك أوباما من قبل عن استعداد بلاده للتدخل عسكريًّا في ليبيا لوقف مخاطر داعش، ولكنه في ذات الوقت يبدي رغبته في انتظار تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج والتي ترعاها الأمم المتحدة بقيادة مارتن كوبلر.

وقال موقع يورو نيوز، الأوروربي"إن اجتماع وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ أمس الأول الجمعة، بالعاصمة الهولندية أمستردام، عكس مدى تسارع دقات طبول الحرب في ليبيا، حتى لو لم تتشكل حكومة الوفاق الوطني.وفي هذا السياق أكد دبلوماسي تونسي سابق في ليبيا أن موعد أولى عمليات التدخل العسكري الغربي في ليبيا سيكون خلال شهر مارس. وقال السفير السابق صلاح الدين الجمالي، في تصريح للإذاعة التونسية الرسمية، إن الإعداد لضرب تنظيم الدولة يجري على قدم وساق منذ ثلاثة أشهر، حيث أن الوضع في ليبيا خطير جداً، معتبرا أن اجتماع وزراء الدفاع في روما هو "اجتماع لوضع خطة متعلقة بالعمليات العسكرية والتنسيق". وأكد الجمالي أن ما يقوله ليس مجرد توقعات، بل "أمر واقع"، على حد تعبيره.

مخاوف

جّددت الجزائر رفضها أي تحرّك عسكري في ليبيا وأعلنت تمسكها بحل سياسي في هذا البلد. ودعت الجزائر الفرقاء الليبيين لتحمل مسؤوليتهم التاريخية لاستكمال الحل السياسي٬ في إطار المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة٬ من أجل إعادة السلم والأمن والاستقرار بشكل نهائي.من جهته نفى وزير الدفاع التونسي، فرحات الحرشاني، إمكانية استغلال أراضي بلاده للتدخل في ليبيا عسكرياً، قائلا: "المجال الجوي أو البري لتونس، لن يتم استغلالهما، في صورة أي تدخل عسكري في ليبيا". وأضاف الحرشاني، في مؤتمر صحافي، عقده أمس السبت، على الحدود البرية التونسية - الليبية، خلال زيارة ميدانية نظمتها وزارة الدفاع التونسية للإعلاميين أن تونس تقف ضد أي تدخل عسكري في ليبيا، وإن وجد هذا التدخل، يجب أن يمر بشكل شرعي عبر منظمة الأمم المتحدة.

وذكر مصدر عسكري جزائري بأن السلطات الأمنية في الجزائر وتونس قررت إجراء مناورات وتدريبات مشتركة لقواتهما الجوية؛ وذلك بهدف التصدي لتهديدات محتملة لتنظيم داعش المتنامي في ليبيا.وأضاف المصدر بأن هذه التدريبات تأتي في إطار التعاون العسكري والأمني بين البلدين، إضافة لالتزام الدولتين بالمبادرة الدفاعية لدول غرب المتوسط مجموعة 5+5

وذكر مصدر عسكري جزائري بأن السلطات الأمنية في الجزائر وتونس قررت إجراء مناورات وتدريبات مشتركة لقواتهما الجوية؛ وذلك بهدف التصدي لتهديدات محتملة لتنظيم داعش المتنامي في ليبيا.وأضاف المصدر بأن هذه التدريبات تأتي في إطار التعاون العسكري والأمني بين البلدين، إضافة لالتزام الدولتين بالمبادرة الدفاعية لدول غرب المتوسط مجموعة 5+5وكانت تونس، قامت بتركيز منظومة أمنية شاملة على الحدود مع ليبيا، وبدأت بإنشاء منطقة عسكرية عازلة في العام 2013، عبر حفر خندق عازل على مسافة 250 كلم من الحدود البرية التونسية منذ السنة الفارطة.

وفي السياق ذاته أكملت تونس، السبت 6 فبراير/شباط 2016، بناء منظومة حواجز على طول حدودها مع ليبيا وتمتد الحواجز على طول نحو 200 كلم من رأس جدير على ساحل المتوسط حتى الذهيبة إلى الجنوب الغربي من الحدود بين البلدين. وأشار وزير الدفاع التونسي إلى أن عسكريين من ألمانيا والولايات المتحدة سيشرفون بعد أشهر على تدريب الجيش التونسي على إدارة منظومة مراقبة إلكترونية على الحدود مع ليبيا مع تزايد خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" هناك. ولفت إلى أن الحواجز التي تطلق عليها تونس اسم "منظومة الحواجز الحدودية" أثبتت فاعليتها، موضحاً أن السلطات تمكنت مراراً من اعتقال أشخاص حاولوا تهريب أسلحة.

مؤشرات عدة تؤكد أن احتمال التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا لم يعد مستبعداً بذريعة محاربة تمدد تنظيم "داعش" في البلاد، وخصوصاً في ظل تركيز وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، الذين اجتمعوا في العاصمة الهولندية أمستردام على ما يشكله هذا التمدد من تهديد مباشر لدول الاتحاد الأوروبي.  في موازاة ذلك، تتواصل الضغوط الدولية على الليبيين في محاولة لإنقاذ حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، بعدما فشلت تشكيلته الأولى في اختبار نيل الثقة من برلمان طبرق، وهو ما أفضى إلى عودة المشاورات السياسية بين عدد من الأطراف الليبية إلى مدينة الصخيرات المغربية، في مسعى للتفاهم حول الحكومة الجديدة التي تواجَه باعتراضات ليبية عدة، بينما يرى فيها الغرب، وتحديداً الدول المتحمسة للتدخل في ليبيا، أنها خطوة أساسية تمهّد لـمكافحة الإرهاب.

يبقى التدخّل العسكري البري أمراً بالغ الصعوبة ومحور جدل، ولو تحت شعار مكافحة الإرهاب، وفق ما يرى خبراء، في ظل الأزمات التي تعاني منها ليبيا وغياب سلطة شرعية وجيش ليبي موحّد.ويعتبر مراقبون أنه لا يمكن الحديث عن تصوّر لبناء الدولة الليبية قبل إيجاد حل للأزمة في البلاد وعبر العمل ضمن حكومة وحدة وطنية، ووضع إطار زمني لتكوين سلطة ادارية وعسكرية، ومعالجة الوضع الإنساني الصعب في البلد الممزق.