ينتظر الليبيون ما سيصدر عن مؤتمر برلين 2 من توصيات الحسم في إتجاه تنفيذ كافة بنود خارطة الطريق المنبثقة عن الاتفاقين السياسي والعسكري انطلاقا من مخرجات مؤتمر برلين 1 في يناير 2020.

وبينما بحث رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، مع سفير جمهورية ألمانيا لدى ليبيا، أوليفر أوفتنا، الأربعاء ، الاستعدادات لعقد مؤتمر برلين 2 ، نبه المبعوث الأممي يان كوبيتش الى أن المؤتمر الذي ستحتضنه العاصمة الألمانية في الثالث والعشرين من يونيو القادم ، سيعمل على تقييم التقدم المحرز - أو عدمه - فيما يتعلق بالتحضيرات للانتخابات وغير ذلك من القضايا ، داعيا  مجلس النواب إلى أن يضع على جدول أعماله وعلى الفور وأن يوضح - وبعد التشاور مع مجلس الدولة الاستشاري الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات في موعد نهائي صارم في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تقريبا ، أي قبل برلين 2 الذي يرى المراقبون أنه سيتجه الى حسم جميع المسائل المعلقة والنظر في أية عراقيل قد تواجه موعد الأول من  يوليو ، التاريخ المقرر لانطلاق المفوضية العليا للانتخابات في روزنامة الاستحقاق الانتخابي الذي بات هناك إجماع دولي مدعوم بقرار أممي على أن يتم في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.

ويرى المراقبون أن مؤتمر برلين 2 سيكون إعلانا عن مرحلة جديدة للإنتقال السياسي في ليبيا بتوجيه كل التحركات نحو موعد الإنتخابات عبر محطات مهمة لعل من أبرزها إجلاء إجلاء كافة المسلحين الأجانب عن الأراضي الليبية ،وهو ما تعتبره ألمانيا على رأس الأولويات بالنسبة لها ، مثلها مثل الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتفاق الافريقي والجامعة العربية والامم المتحدة التي سترعى المؤتمر على غرار رعايتها لبرلين 1.

كما سيكون على مؤتمر برلين2  دعم القرارات الصادرة عن اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، ونداءات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والدعوات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي لتنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري  ، فيما لا تزال الميلشيات تحول دون فتح الطريق الساحلية في مستوى الخط الرابط بين سرت ومصراتة ، وتصر على أن فرض شروطها التي لا تخلو من الابتزاز المالي والسياسي للسماح بانسياب الحركة بين شرق وغرب البلاد ، وهو ما جعل اللجنة العسكرية تحذر في أواخر أبريل الماضي من أنها ستكشف عن أسماء المعرقلين والأسباب المؤدية لذلك، لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم ، مشيرة الى أنها قامت بالبحث عن الأسباب المعرقلة لفتح الطريق وتواصلت مع السلطة التنفيذية لتذليل الصعوبات، وفي سبيل تسريع الإجراءات لفتح الطريق ، لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، فيما يرى المراقبون أن استمرار الميلشيات في عرقلة فتح الطريق ، يكشف عن ميولات انفصالية لديها ،تتأكد من خلال سعيها للإطاحة برمزية التواصل بين طرفي البلاد كدليل على وحدتها الترابية.

وسيكون من أبرز أولويات مؤتمر برلين القادم التمسك بالرئيس الحالي للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح ، واستثنائه من التعيينات التي حددها بيان أبوزنيقة بين مجلسي النواب والدولة على رأس المؤسسات السيادية ، وهو ما شددته عليه أوائل مايو الجاري، سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا السلطات الليبية ، عندما دعت في بيان مشترك إلى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقرر في 24 ديسمبر لإخراج البلاد من الفوضى الغارقة فيها منذ عشر سنوات ، وحذرت فيه من أن "الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإجراء أي تغييرات من شأنها التعطيل في الهيئات ذات الصلة، والتي لها دور أساسي في التجهيز للانتخابات، خلال الجدول الزمني الذي حدده مجلس الأمن الدولي".في الأثناء ، تتجه البعثة الأممية لليبيا الى تنظيم اجتماع جديد لملتقى الحوار السياسي للانتهاء من إيجاد قاعدة دستورية للانتخابات المقررة للرابع والعشرين من ديسمبر القادم ، بعد الفشل الذي سجله الاجتماع الافتراضي المنعقد يومي الأربعاء والخميس الماضيين.

وطلب المبعوث الأممي يان كوبيتش من أعضاء الملتقى ، ما وصفه بالطب الصريح ، وهو إيضاح القاعدة الدستورية والتشريعات المنظمة للانتخابات خلال أسبوعين أو ثلاثة، محبّذا أن يتم ذلك في الفترة ما بين 15و20 يونيو ، ليقوم بعد ذلك بإيصال المخرجات المتفق عليها الى مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري.

وخاطب كوبيتش المشاركين في الجلسة الختامية لملتقى الحوار ، مساء الخميس ، أنه «وتيسيراً لمداولاتكم وعملية اتخاذ القرار، أنوي تقديم بعض المقترحات على أساس الآليات والترتيبات المجرّبة للعمل والتي استعملت سابقاً خلال جلسات ملتقى الحوار السياسي الليبي » وفق تعبيره ، مؤكدا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سيواصلان دعمهما للملتقى ومؤازرة الشعب الليبي وتيسير العمل الرامي لإجراء الاستحقاق الانتخابي بتاريخ 24 ديسمبر من العام الجاري.

وبرجاء آلا تفهم الإشارة على أنها تقليل من أحد على الإطلاق، قال كوبيتش « كان لدي شعور أحياناً بأننا لسنا في جلسة لملتقى الحوار السياسي الليبي بل بالأحرى في جلسة من جلسات المجلس الأعلى للدولة أو مجلس النواب. ففي بعض الأحيان، وبدلاً من التركيز على كيفية الوصول إلى الهدف الأسمى والمتمثل في تنفيذ خارطة الطريق التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي الليبي، بمعنى خلق الظروف المواتية لإجراء الانتخابات الوطنية في ديسمبر 2021، طرحت العديد من المداخلات قضايا، كما لو كانت تحاول إيجاد حل لجميع المشاكل العالقة المتراكمة خلال العقد الماضي » وفق قوله.

 كما أوضح أنه « وفي ضوء قرار مجلس الأمن 2570 (2021) الذي ينيط مسؤولية توضيح القاعدة الدستورية للانتخابات وسن التشريعات بالسلطات والمؤسسات المختصة في ليبيا مباشرةً » يدعو مجلس النواب، بالتشاور مع مجلس الدولة الاستشاري الى أن يرتقي إلى مستوى مسؤولياته.

وشهد اجتماع ملتقى الحوار السياسي خلافات حادة ، أدت الى فشل أعضائه في التوصل الى توافق حول قاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات من المقترحات المحالة إليهم من قبل اللجنة القانونية ،

وبيّن عضو الفريق القانوني بالبعثة الأممية خالد أحمد، إن 4 نقاط خلافية بين أعضاء ملتقى الحوار ستكون محور النقاش خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة ، مشيرا الى أن مطالبات بعض أعضاء الملتقى بالاستفتاء على مشروع الدستور أولا ، وانتخاب رئيس بصلاحيات غير محددة، من النقاط التي تستأهل الاعتبار، كما أن النقطة الثانية أساسية وهي حول ما إذا سيكون انتخاب الرئيس بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، إضافة الى نقطتين تتعلقان بمسألتي الجنسية وحقوق المكونات الثقافية.

ووفق القيادي الإخوان وعضو ملتقى الحوار منصور الحصادي فإن “هناك خلاف واضح داخل ملتقى الحوار السياسي حول خيار الذهاب للاستفتاء على الدستور أو القاعدة الدستورية، وأيضاً الخلاف حول آلية اختيار رئيس الدولة، بين الاختيار المباشر والاختيار غير المباشر، وهناك نقاط أخرى أقل حدية مثل ازدواج الجنسية”.

وقال الحصادي : “لم نخلص إلى شيء في ملتقى الحوار، فقط تبادل وجهات نظر، وقد أكدنا على حزمة من الإجراءات حتى تجرى الانتخابات في أجواء ديمقراطية آمنة، وحتى يستطيع كل مواطن ليبي أن يعبر عن رأيه بكل حرية، وهناك من يرى أن هناك جزء من الأراضي الليبية غير خاضع لسلطة حكومة الوحدة الوطنية، وهذا تخوف حقيقي يلزم الحكومة ببسط سيطرتها على كل ليبيا، فلا يكون هناك سلاح خارج هذه السلطة، ويجب عودة المهجرين إلى بيوتهم”، على حد تعبيره في إشارة الى المناطق الخاضعة لنفوذ الجيش الوطني والتي تعتبرها قوى الإسلام السياسي خارجة عن نطاق سلطة الحكومة ، في حين يرى الجيش أن المناطق الخاضعة لسيطرة الميلشيات والمرتزقة تعتبر خارج سيادة الدولة.

وفي الأثناء ، قال ما يعرف بـالتكتلات والأحزاب الوطنية الديمقراطية ، والذي يضم 12 حزبا سياسيا ، أنّ هناك فريقاً قد اتّخذ قراراً بحرمان الشّعب اللّيبي من ممارسة حقّه فى اختيار رئيسٍ لدولته من خلال انتخابٍ حرٍّ ومباشر،  في إشارة الى جماعة الإخوان ، وأضاف أنه  يتوجّه لبعثة الأمم المتّحدة راعية الحوار السّياسيّ بضرورة قطع الطريق أمام كلّ محاولة لتعطيل أو عرقلة الاستحقاقات، ويدعوها لاتّخاذ إجراءات عاجلة ضدّ هذه الأطراف، وإيقافها عن إحداث ضررٍ قد يُعيد للمشهد حالةً من العنف يصعب السّيطرة عليه، ويحمّل هذه الأطراف تداعيات عملها ، كما يتقدّم للدّول الصّديقة وعلى وجه التّحديد الأعضاء فى اتفاق برلين، بضرورة الانتباه لخطورة ما يحدث، ويطلبُ دعمها للجهود الهادفة لإخراج البلاد من نفق هذه الأزمة بإنجاز الاستحقاق الانتخابي الرّئاسي المباشر والبرلماني في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.