في غياب سلطة مركزية ذات هيكلية لا تزال ليبيا تتخبط وسط فوضى كبيرة وصراعات متعددة الأطرا،وباتت البلاد ساحة للتنظيمات الإرهابية وبوابة للهجرة غير الشرعية،وتحولت إلى مصدر قلق إقليمي ودولي،يدفع نحو تكثيف المساعي والتحركات في محاولة لبسط الاستقرار في البلد.

وتسعى الدبلوماسية الفرنسية إلى حث أطراف الأزمة الليبية إلى المُضي قدمًا باتجاه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية العام الجاري،وفق ما نص عليه إتفاق باريس فيما تواجه تلك المساعي تحديات عدة على الأرض،في ظل إستمرار حالة الصراع والفوضى وغياب فرص التوافق بين الفرقاء.

إلى ذلك،وصل وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان،الاثنين 23 يوليو 2018، إلى مدينة طرابلس،لعقد سلسلة اجتماعات مع مختلف الفاعلين السياسيين،في إطار محاولة وساطة فرنسية جديدة بين الفرقاء الليبيين للتوصل إلى تفاهم حول إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية العام الحالي.

والتقى لودريان صباحا في طرابلس رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج،حيث عبّر وزير الخارجية الفرنسي عن سعادته بزيارة ليبيا مرة أخرى، وتقديره الكبير لما يبذله السراج من جهود لتحقيق الاستقرار في ليبيا.وقال لودريان، إن جولته إلى ليبيا، التي بدأها بلقاء السراج، تأتي للتأكيد على تفاهمات لقاء باريس، ومن أجل تذليل العقبات أمام المسار الديمقراطي، وإجراء الانتخابات وفقاً لتلك التفاهمات.

ودعا السراج أيضاً إلى "ضرورة التركيز على إنجاح المسار السياسي، والعمل على إنهاء محاولات العرقلة التي تقوم بها بعض الأطراف"، دون تفاصيل إضافية حول الجزئية الأخيرة.وأشاد بعمق العلاقة بين بلاده وفرنسا، وما تبذله باريس "من جهود منذ توقيع الاتفاق السياسي (في 2015)، وحتى الآن لتحقيق الاستقرار في ليبيا".وفق بيان عن المكتب الإعلامي للسراج.

وخلال مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية المفوض بحكومة الوفاق محمد سيالة،جدد وزير الخارجية الفرنسي دعم بلاده لمخرجات مؤتمر باريس، الذي يقضي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.وأكد لودريان دعم فرنسا للاتفاق السياسي في باريس في 29 مايو ، داعياً ليبيا إلى الاعتماد على جيرانها وأصدقائها والمنظمات الإقليمية في سبيل حل مختلف الأزمات التي تواجه البلاد.

وأكد وزير الخارجية الفرنسي دعم بلاده لموارد الشعب الليبي، ، مشيراً إلى أن كل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الخروج من الأزمة السياسية عن طريق إجراء الانتخابات.من جهته ثمن وزير الخارجية المفوض بحكومة الوفاق محمد سيالة الدور الفرنسي الداعم لليبيا.

كان المجلس الأعلى من بين المحطات التي توقف فيها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان،حيث بحثمع رئيس المجلس خالد المشري ونائبيه، آخر التطورات السياسية على الساحة الليبية.ووفق بيان لـ"الأعلى للدولة"، فقد أكد لودريان أن مخرجات اتفاق باريس حضيت بالدعم الدولي، مشددا على أن الحل يجب أن يكون سياسيا من خلال تنفيذ إعلان باريس، والالتزام بالاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية.

ومن طرابلس،إنطلق وزير الخارجية الفرنسي إلى مصراتة وذلك في إطار متابعة اتفاق باريس،بحسب عضو مجلس النواب محمد الرعيض،الذي أكد في تصريح "لليبيا الأحرار"، أن نواب مدينة مصراتة يدعمون إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا بعد إجراء عملية الاستفتاء على الدستور للانتقال للمرحلة الدائمة، إضافة إلى حل المشاكل الاقتصادية، وفق قوله.

من جهته،كشف عضو مجلس النواب المقاطع فتحي باشاغا على أن ممثلي مدينة مصراتة استقبلوا،وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان قادماً من طرابلس، مبيناً بأنهم ناقشوا مع الاخير برنامج الإصلاح الاقتصادي وسبل توحيد المؤسسة العسكرية والاستفتاء على الدستور واجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية

وأكد باشاغا في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع "فيس بوك"،إن زيارة لودريان والوفد المرافق له إلى مصراتة تأتي في إطار الدفع بالجهود السياسية،مشيرا إلى أن الوزير الفرنسي وجه دعوة لممثلي المدينة المنتخبين لزيارة بلاده ، مبيناً بأنهم قبلوا الدعوة على أن يحدد موعدها في وقت لاحق.

ومن مدينة مصراتة إنتقل وزير الخارجية الفرنسي،إلى شرق البلاد،حيث استقبله القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر،بمقر القيادة العامة بمنطقة الرجمة في بنغازي.وقال مكتب إعلام القيادة العامة عبر صفحته على "فيسبوك" إن لقاء المشير حفتر ووزير الخارجية الفرنسي خُصص "لبحث العديد من المستجدات على مختلف الأصعدة المحلية والدولية" دون مزيد من التفاصيل

تعويل على تونس

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان زار تونس،الأحد 22 يوليو 2018، وأكد ضرورة المضي قدماً في العملية السياسية في ليبيا وفقا لمخرجات مؤتمر باريس حول ليبيا الذي عقد في الـ29 من مايو الماضي التي تنص على إجراء انتخابات في ديسمبر/كانون الأول في البلد الغارق في الفوضى. 

وقال لودريان عقب لقائه في تونس الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي "لقد تباحثنا سوياً في الوضع الأمني والسياسي في ليبيا (وضرورة) إنجاز المسار الذي تم إقراره خلال اجتماع باريس".

 وأوضح الوزير الفرنسي أنه سيزور ليبيا قريباً، لدعم تنفيذ خريطة الطريق التي أُقرت في اجتماع باريس في 29 مايو/أيار الماضي.

والأسبوع الماضي،إعتبر وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، الذي التقى القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، أن الاتفاق السياسي الليبي، المبرم في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية عام 2015 "يظل هو الإطار الأنسب من أجل استكمال المرحلة الانتقالية في ليبيا، عبر تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ونقلت وكالة الأنباء التونسية عن الجهيناوي قوله: إن تنظيم الانتخابات الليبية "من شأنه أن يفسح المجال أمام إرساء دولة القانون والمؤسسات الجمهورية، وتركيز الجهود على إعادة الإعمار السريع للبلاد، بما يتماشى والتوصيات الصادرة عن الندوة الدولية حول ليبيا، المنعقدة في شهر مايو/أيار الماضي بباريس تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة".

عراقيل

وقبل تحركات وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة،ربط رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السائح مصير الالتزام بإجراء انتخابات في البلاد هذا العام وفق الموعد المتفق عليه، بقانون الاستفتاء على الدستور والقوانين الانتخابية التي من المفترض أن تصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان). 

وقال السائح،إن إمكانية إجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام يتوقف على نوع العملية الانتخابية.وأضاف: إذا صدر قانون الاستفتاء في 30 من الشهر الحالي فإن الفترة الزمنية التي تتطلبها تنفيذ الاستفتاء ستتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، وهذا يعني أن ما تبقى من العام الحالي لن يتيح المجال للمفوضية لإجراء الانتخابات التالية للاستفتاء على الدستور، التي تتضمن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وانتخاب مجلس الشيوخ".

ذلك الأمر بالضرورة، بحسب السائح، "يقود إلى أن الانتخابات ما بعد الدستور سوف تكون في العام 2019 وليست في العام الجاري، حيث يشير مشروع الدستور إلى أن تنفيذ تلك الانتخابات يجب أن يكون خلال 240 يوم أي في أجل أقصاه 8 أشهر من تاريخ صدور واعتماد تلك التشريعات".

"أما إذا قرر مجلس النواب (البرلمان) الذهاب نحو عمليات انتخابية مباشرة أي رئاسية وبرلمانية وفق الإعلان الدستوري"،فيقول السائح "ستكون وقتها الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ تلك القوانين تتوقف على ما سوف تحتويه من مدد زمنية واسبقية تلك العمليات هل رئاسية ثم برلمانية أو العكس أو العمليتين تنفذان في آن واحد".

وكان السائح،قد أعلن الأسبوع الماضي،تحقّق شرطين رئيسيين من أربعة شروط لإتمام عملية انتخابات رئاسية و برلمانية ناجحة لحل الأزمة السياسية في البلاد وفق ما تم الاتفاق عليه في (إعلان باريس) وخطة الأمم المتحدة.وقال "هناك أربعة شروط لازمة لتنفيذ الانتخابات في ليبيا وقد تحقق منها شرطين أولها الإنفاق السياسي حول ضرورة إجراء انتخابات في البلاد وهو ما صدر عن لقاء باريس الذي جمع أطراف ليبية معنية". الشرط الثاني "تمثل في قرار المجلس الرئاسي بخصوص تمويل ميزانية المفوضية".

أما الشرطين الباقيين اللذين قال رئيس المفوضية إنهما في انتظار التحقيق: فيتعلق الاول بقانون الانتخاب وهو مسؤولية السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب والشرط الآخر هو تأمين العملية الانتخابية "وهو من مسؤولية الحكومة".

رفض إيطالي

وتأتي التحركات الفرنسية، بعد تصاعد وتيرة الحرب الكلامية بين فرنسا وإيطاليا، على خلفية رفض روما المساعي الفرنسية لعقد انتخابات في ديسمبر المقبل، ولإبرام اتفاق هجرة منفرد مع ليبيا لوقف تدفق اللاجئين على السواحل الأوروبية، يضمن وجود عسكري فرنسي في الأراضي الليبية دون مراعاة المصالح الإيطالية.

وأعلن رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبه كونته، الخميس الماضي، عن موقف بلاده من إجراء الانتخابات في ليبيا خلال العام الجاري، معتبرا أن إجراءها في هذا الموعد سيزيد من الفوضى السياسية في البلاد.وقال كونته، في تصريح نقله التلفزيون الحكومي، "أخبرت الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، خلال قمة مجموعة السبع أن هدفنا ليس تنظيم انتخابات بليبيا في ديسمبر المقبل، كما يريد (ماكرون)، ولكن استقرار البلاد".

وهاجم رئيس الوزراء الإيطالي سياسة الرئيس الفرنسي في ليبيا، قائلا "ماكرون، سيكون مخطئا فيما لو اعتقد أن ليبيا تخصه. فليبيا ليست له ولا لنا، بل هي دولة مستقلة لها علاقة مميزة تاريخيا مع إيطاليا أيضا، ولن نتخلى عنها أبدا".واعتبر كونته، تنظيم الانتخابات في ديسمبر المقبل، "قد يصبح ضربة مرتدة، وقد تفضي إلى تعاظم الفوضى".

وفي خطوة أشبه ما تكون ردا على اجتماع باريس، قال كونته: "سأنظم في الخريف المقبل مؤتمرا دوليا حول ليبيا هنا في إيطاليا، وسألتقي خلاله بالجنرال خليفة حفتر".وأضاف "سأدعو إلى هذا المؤتمر جميع الأطراف المعنية في المنطقة، لاسيما الحكومات الأوروبية، وممثلين عن الولايات المتحدة، وحكومات إفريقيا المرتبطة بالبحر المتوسط".

وتصر القوى الدولية وخاصة فرنسا وايطاليا بحسب مسؤوليها على دعم جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد،فيما يرى مراقبون أن اهتمام هذه الدول لا يعدو كونه مخطط لمد النفوذ نحو الداخل الليبي،حيث تبدو باريس مأخوذة في ليبيا بمطامع تاريخية في الجنوب الليبي الذي كان ضمن مستعمراتها في شمال أفريقيا،فيما تسعى ايطاليا للحفاظ على مستعمرتها القديمة ومحاولة السيطرة على تجارة النفط داخل ليبيا بعيدا عن المنافسة.ويؤكد المتابعون للشأن الليبي أن هذا الصراع من شأنه التأثير بشكل سلبي في التسوية السياسية في ليبيا.