يعتبر ملف الهجرة غير الشرعية من أخطر الملفات التي تؤرق الدولة الليبية وذلك نظرًا لموقعها المتميز، كدولة «معبر» فهي تقع في شمال أفريقيا ويحدها البحر المتوسط من الشمال، ومصر شرقا والسودان إلى الجنوب الشرقي وتشاد والنيجر في الجنوب، والجزائر، وتونس إلى الغرب، ولكن خطور الأمر تكمن أن المهاجرين غير الشرعيين حال فشلهم في الوصول إلى أوروبا عن طريق ليبيا، قد تصبح ليبيا ملاذًا لهم عن بلادهم، وهو ما يدق ناقوسًا للخطر إذا استمر الوضع بهذا الشكل دون حلًا جذريًا لتلك الأزمة المتفاقمة.


بين "المنبعو"المقصدليبيا دولة "المعبر"


من جانبهم رجح خبراء الأمن الداخلي الليبي زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعتبرون ليبيا نقطة عبور لهم إلى طول الحدود البحرية التي تبلغ حوالي 1800 كلم والحدود البرية التي تبلغ 6000 كلم، وهو الأمر الذي يتعذر معه وضع حراسة فاعلة على طول هذه الحدود خاصة مع نقص التكنولوجيا العالية والمعدات المناسبة مثل الطائرات المروحية وأجهزة الرادار الساحلية والزوارق السريعة ومناظير الرؤية الليلية.

على الجانب الأخر تقدر السلطات في إيطاليا العدد المؤهل لمثل هذا النوع من الهجرة من ليبيا وحدها بـ1.5 مليون مهاجر، معظمهم من دول الشمال الأفريقي فضلا عن الدول الأفريقية الأخرى لاسيما من الصومال وإريتريا وتشاد وإثيوبيا.

ويأتي معظم هؤلاء خاصة الأفارقة منهم بعد تجميعهم في أماكن التقاء داخل كل دولة على حدة، ثم تقوم عصابات التهريب بنقلهم عبر حافلات كبيرة إلى ليبيا وهناك ينتظرون عدة أسابيع إلى أن تنتهي عصابات التهريب من تسهيل عملية تهريبهم.


السلطات الليبية وطريقة التعامل مع الملف


وتتعامل السلطات في ليبيا مع مسألة الهجرة غير الشرعية بشكل جدي، فبخلاف القرارات التي يتم إصدارها للحد من تلك الظاهرة، إلا أنها تعاونت بشكل فعال مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه لمنع وصول الوافدين، حيث اتبع الاتحاد الأوروبي استراتيجية احتواء بالتعاون مع السلطات الليبية، على الرغم من من أن ليبيا لم توقّع على اتفاقية اللاجئين، كما أنها ليس لديها نظام لجوء فعال.

كما أن عصابات تهريب البشر، تعتبر على رأس أولويات الجهات المعنية للحد من مخاطر الهجرة غير الشرعية.

في سياق متصل كانت حكومة الوفاق الليبية قد رفضت اقتراحا إيطاليا بشأن إقامة مخيمات استقبال اللاجئين على حدود البلاد الجنوبية.

وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، أحمد معيتيق، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني في طرابلس: "نتفق مع أوروبا في ما يتعلق بمسألة الهجرة، لكننا نرفض بشكل قاطع إقامة أي مخيمات للمهاجرين في أراضي ليبيا".

من جانبه، قال «سالفيني» في تغريدة له بعد المحادثات مع المسؤولين الليبيين: "لقد اقترحنا إقامة مراكز استقبال عند الحدود الجنوبية لليبيا، لتفادي تحويل الدولة إلى عنق زجاجة (لتدفق المهاجرينمثل إيطاليا".


ليبيا تحاول معالجة الأزمة سياسيًا


في 23 أغسطس 2016، وقعت ليبيا على مذكرة تفاهم مع العملية البحرية الأوروبية في المتوسط صوفيا لتدريب خفر السواحل وقوات البحرية الليبية في العاصمة الإيطالية روما.

وقع مذكرة التفاهم عن الجانب الليبي عميد بحار عبدالله تومية وقائد عملية «صوفيا» الأدميرال إنريكو كريديندينو، بمقر العملية في العاصمة روما.

فيما سافر رؤساء البلديات سرا إلى روما، فبراير الماضي، حيث التقوا بوزير الداخلية ماركو مينيتي الذي طلب منهم مكافحة تهريب البشر في مقابل تدريبات ومعدات ودعم اقتصادي، حسبما أفادت وكالة رويترز.

ورعت الداخلية الإيطالية في 22 مايو 2018، اجتماعاً ضم ممثلين عن بعض قبائل إقليم فزان، الواقعة جنوبي ليبيا، ومندوب عن حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج، ضمن جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية أيضا، بحسب ما أعلنته الداخلية الإيطالية آنذاك.

وقال التلفزيون الحكومي الإيطالي، في 25 أغسطس الماضي، اجتماع رؤساء بلديات جنوبي ليبيا بمقر الداخلية في روما، ولم يقدم التلفزيون الإيطالي مزيد من التفاصيل عن الاجتماع أو الحضور وعددهم بالضبط.

وفى سبتمبر 2017، أفادت وكالة «أكي» الإيطالية، أن وزارة الداخلية الإيطالية اتفقت مع حكومة الوفاق الوطني بشأن مشروع إيطالي يموله الاتحاد الأوروبي، ويتمثل المشروع في إرسال بعثة إلى الحدود الجنوبية لليبيا بهدف بناء قاعدة لوجستية للأنشطة التنفيذية لحرس الحدود الليبي والسماح بتواجد مناسب لمنظمات الأمم المتحدة في المنطقة.


إيطاليا تكافح الهجرة لحماية نفسها


منذ عام 2014 حتى عام 2016 كان هناك أكثر من 15 ألف حالة وفاة في عرض البحر المتوسط، في حين أنه في 2018، هناك 1100 حتى الآن ،هكذا صرح وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني،في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلّا سيرا»؛ مضيفًا أنه «كلما انخفض عدد الأشخاص الذين ينطلقون على متن قوارب الهجرة، قل عدد المهددين بالموت» على حد زعمه.

وأكد «سالفيني»، سعي حكومة بلاده في العمل على تسريع إعادة المهاجرين غير القانونيين إلى أوطانهم عبر عقد اتفاقيات مع بلدان المنشأ، من بينها نيجيريا والسنغال وغامبيا ومالي وساحل العاج.

وكان حوالي 600 ألف مهاجرًا غير شرعيًا قد وصلوا إلى إيطاليا، فرارًا من الأوضاع الاقتصادية المتردية في بلادهم، عبر البحر من شمال إفريقيا منذ العام 2014، وهو ما جعل ملف المهاجرين إلى رأس قائمة الأولويات، في إيطاليا.

وعلى مدار سنوات، بذلت إيطاليا بدعم من الاتحاد الأوروبي جهودا مضنية للتقليل من أعداد المهاجرين غير الشرعيين، واستنزفت تلك الجهود عشرات المليارات، حتى سجلت انخفاضا إجماليا بنسبة 34.27 % مع نهاية عام 2017، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016، بحسب وزارة الداخلية الإيطالية.

وتفيد تقديرات المنظمة الدولية للهجرة أن 2832 مهاجرا قتلوا العام الماضي أثناء محاولتهم الوصول إلى إيطاليا، قادمين من شمال أفريقيا انخفاضا من 4581 قتلوا في 2016، ووصل نحو 119310 أشخاص إلى إيطاليا في 2017.

وتعتبر إيطاليا إحدى أكثر الدول الأوروبية حضورا في الساحة الليبية، فالجانب الإيطالي يرى في ليبيا منطقة نفوذ له، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

وانزلقت ليبيا إلى الفوضى بعد الإطاحة بمعمر القذافي في 2011 مما مكن عصابات التهريب من تكوين شبكات أرسلت أكثر من 160 ألف مهاجر إلى إيطاليا العام الماضيوهلك أكثر من 4500 في البحر المتوسط.



أوروبا تحاول معالجة الأزمة أمنيًا وعسكريًا


في عام 2015، بدأ الاتحاد الأوروبي في تنفيذ عملية «صوفيا» قبالة السواحل الليبية، وتشارك فيها العديد من البحريات الأوروبية من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بالإضافة إلى إيطاليا.

وأقر الاتحاد الأوروبي، في يونيو 2016، تعزيز العملية البحرية الأوروبية «صوفيا» قبالة ليبيا، حيث أضاف مهمتين إلى العملية تتضمنان تدريب قوتي البحرية وخفر السواحل الليبيتين والمساهمة في تطبيق حظر الأسلحة الأممي قبالة سواحل ليبيا.

وفي سبتمبر 2016، أرسلت إيطاليا مجموعة من العسكريين قالت إنهم سيتولون حماية الكادر الطبي والشبه الطبي الذي سيعمل في المستشفى الميداني بمصراتة لعلاج جرحى عملية البنيان المرصوص.

وفى أغسطس 2017، صادق البرلمان الإيطالي على مشروع قانون بإرسال بواخر إلى المياه الليبية لوقف الهجرة غير القانونية ومنع تهريب البشر في اتجاه أوروبا، في اتفاق بين إيطاليا وحكومة السراج.


منظمة الهجرة الدولية


تقول منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة إن «عدد المهاجرين المتواجدين في مراكز الاحتجاز في ليبيا تضاعف خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ليرتفع عددهم من 5000 مهاجر إلى 9300 مهاجر»، حيث يأتي الإعلان عن هذه الأرقام وسط اتهامات لخفر السواحل الليبي بالتخلي عن مهاجرين وتركهم لمصيرهم وسط البحر.

وتتزامن زيادة أعداد المهاجرين المحتجزين في ليبيا مع انخفاض في أعداد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا، إذ تقول المنظمة الأممية "إن وزارة الداخلية الإيطالية سجلت هذا العام وصول 11400 شخص جاؤوا إليها من ليبيا، وهو رقم أقل بـ 80% مقارنةً مع الأعداد المسجلة خلال نفس الفترة في العام 2017".

وأوضحت منظمة الهجرة أن المهاجرين المحاصرين في ليبيا يقعون فريسة لتجّار البشر والجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية التي قويت شوكتها مع التشديد الذي تفرضه أوروبا على الهجرة عبر البحر المتوسط.

لذا تواجه عمليات اعتراض قوارب التهريب وإعادة المهاجرين إلى ليبيا التي ينفذها خفر السواحل الليبي بدعم من الاتحاد الأوروبي الكثير من الانتقادات من قبل الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان.