طرح انسحاب تركيا من المؤتمر الدولي حول ليبيا المنعقد في مدينة باليرمو الإيطالية، وهجومها على المجتمع الدولي تساؤلات حول أسباب ذلك ،و حقيقة النفوذ التركي في ليبيا ،خاصة و أنها تسعى جاهدة لإعادة التموضع في الساحة الليبية، بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.
مؤتمر «من أجل ليبيا»، تجاهل التواجد التركي، وتمت معاملتهم، وكأنهم غير مرئين، وهو ما دفع نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، لإعلان انسحاب إسطنبول، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي لم يتمكن من التوحد. ومعربا عن خيبة أمله الكبيرة- على حد وصفه.
وقال «أقطاي»، في بيان له عقب انتهاء المؤتمر: «نعلن انسحاب تركيا من المؤتمر بخيبة أمل عميقة.. للأسف لم يتمكن المجتمع الدولي من التوحد هذا الصباح». وأضاف: «الأزمة الليبية لا يمكن حلها طالما استمرت بعض الدول في اختطاف العملية السياسية لمصالحها الخاصة. هؤلاء الذين تسببوا في الأزمة الحالية برمتها لا يمكن أن يساهموا في حلها».
الانسحاب التركي، لم يشكل أزمة للجانب الليبي، خاصة وأنه أصبحا معلوما للجميع دعم الأتراك، الذين ينفذون أجندة إخوانية، هادفة إلى بسط سيطرتهم على المنطقة، وانطلاقة دولة الخلافة الإسلامية، من تركيا، تحت لواء رجب طيب أردوغان، ديكتاتور تركيا، فقد أصدرت الأطراف الليبية، مسودة البيان الختامي لمؤتمر «من أجل ليبيا» المنعقد في مدينة باليرمو الإيطالية- إلا أنها لم تنسى تركيا والرد عليها- مؤكدة ضرورة اعتماد دستور من أجل تحقيق السيادة.
وذكر البيان أن الأطراف الليبية تؤكد احترامها نتائج الانتخابات ومعاقبة من يحاول عرقلة العملية الانتخابية، وضرورة تحمل المؤسسات الشرعية مسؤولياتها من أجل إجراء انتخابات نزيهة وعادلة بأسرع وقت ممكن، مع ضمان توافر جميع الشروط الفنية والتشريعية والسياسية والأمنية، والدعم من المجتمع الدولي. وأعربت الأطراف الليبية عن دعمها للحوار برعاية مصر لبناء مؤسسات عسكرية وأمنية فاعلة تحت الرقابة المدنية وطالبت الإسراع بالعملية.
تركيا في قلب الأزمة الليبية :
منذ سقوط نظام معمر القذافي، تُقدم تركيا دعماً لتيار الإسلام السياسي في ليبيا الممثّل بالأساس في «حزب العدالة والبناء»، الذراع السياسية لتنظيم جماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا،، وظهر ذلك في رفض أردوغان الاعتراف بالبرلمان الليبي الذي تم انتخابه عام 2014، ورفض التئامه في مدينة طبرق. ولذلك يمكن القول إن جهود تركيا للقيام بدور في حل الصراع الليبي تنطوي على أخطار تُفاقم علاقاتها المتأزمة أصلاً مع قوي دولية وإقليمية، عبر زيادة الشكوك في كونها ماضية في أجندة إقليمية موالية للإسلاميين.
لا يمكن إغفال الدور القطري والتركي في إثارة الفوضى والبلبلة في ليبيا، لضمان استمرار حالة عدم الاستقرار ودعم الجماعات الإرهابية، خاصة بعد الخسائر الكبرى التي تلقتها تلك الجماعات خلال العمليات العسكرية التي شنها الجيش الليبي ضد الإرهابيين.
لم يعد خفيا طريقة التمويل القطري التركي للجماعات الإرهابية في ليبيا، ولعل الواقعة الأشهر هو ضبط اليونان في وقت سابق لسفينة تركيا محملة بالأسلحة كانت تتجه إلى ليبيا، من أجل دعم تلك الجماعات الإرهابية، حيث تحرك كل من أنقرة والدوحة هذه الجماعات المتطرفة لخدمة مصالحها.
وعلى الرغم من افتضاح، أمر الجانب التركي، في دعم المليشيات المسلحة، ومحاولة تنفيذ أجندات خارجية، بهدف بسط سيطرتها على المنطقة العربية، إلا أنها تحاول بين الحين والأخر التملص من الاتهمات المنسوبة لهم، والموثقة ومدموغة بحقائق، كانت تركيا القائد خلالها لمثلث الشر: «تركيا، قطر، إيران».
فعلى طريقة العروض المسرحية، تحاول بين الحين والأخر إسطنبول، الخروج من الاتهمات، بشكل دراماتيكي والحصول على «السوكسية المسرحي»، وكأنها بريئة مما ينسب إليها، وكان أخر تلك المحاولات، خلال مؤتمر: «من أجل ليبيا»، الذي أقيم في مدينة «باليرمو» الإيطالية، عن طريقا سيناريو رسم بدقة من قبل الجانب التركي، ولعب دور البطولة خلاله نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي
و كشفت تقارير اخبارية مؤخرا . تورط تركيا في دعم المليشيات المسلحة في ليبيا، عن طريق نشر فيلما وثائقيا يكشف حقائق داعمي الإرهاب في ليبيا، وكيف عملت قطر وتركيا عن طريق أذرعها الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي على نشر الفوضى والخراب في ليبيا.
بالتوازي مع ذلك بدأ دعم الدوحة للمليشيات الليبية عبر التنظيم الإرهابى المسمى بـ«المجلس العسكرى طرابلس»، بالسلاح والعتاد إضافة إلى إرسال «مرتزقة» إلى باب العزيزية، يرافقون زعيم الجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج تحت غطاء طائرات حلف الناتو، حيث قالت الصحيفة إن الدعم القطرى تم من خلال دعم شخصيات من أطياف مختلفة، مثل رجال دين، منهم «صديق قطر» على الصلابي، وعبدالحكيم بلحاج، وعبدالباسط جويلة، وعناصر إرهابية معروفة ورجال أعمال، مشيرة إلى أنه بمقتل الزعيم الليبى معمر القذافى فى أكتوبر 2011، دعمت الدوحة كتيبة راف الله السحاتي التابعة لإسماعيل الصلابى فى بنغازي.
لكن على رغم دعم أنقرة للجماعات المتشددة في مصراتة طوال الأعوام التي خلت، باعتبار أن طريق ترسيخ النفوذ التركي في ليبيا، والمنطقة يمر عبرها. إلا أن هذا لم يكن أكثر من مجرد وهم في ذهن أردوغان. والأرجح أن وهم أردوغان بأن ميليشيات مصراتة الراديكالية يمكن أن تكون نواة أخرى في إحياء ميراث النفوذ العثماني، يكشف الواقع أن الدعم التركي الميلشيات المسلحة الليبية، أسهم في تفجير الخلافات في ليبيا، وكرّس حال الاستقطاب السياسي.
وعلى رغم كثافة الاستثمار الأيديولوجي والسياسي في الميلشيات الراديكالية في مصراتة ومناطق أخرى، ما زالت تركيا تفتقر إلى تفعيل دور يحظي بقبول محلي أو إقليمي، خصوصاً بعد محاولتها أدلجة الصراع الليبي لتأمين نفوذ الإسلاميين.
التورط التركي في دعم الجماعات الراديكالية ليس جديداً، وهو ما كشفت عنه تصريحات المسؤولين الليبيين في أكثر من مناسبة.وكان العميد أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني الليبي،وصف تركيا بـ"أكبر داعم للإرهاب في ليبيا والعالم". واتهم المسماري، في مؤتمر صحافي عقده في يناير الماضي، في مدينة بنغازي، السلطات التركية بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده ودعم الإرهاب، مؤكداً أن الإرهابيين الذين أُصيبوا في معركة بنينا شرق بنغازي، تلقوا العلاج في تركيا.
استطاعت تركيا منذ بدء الصراع في ليبيا تمكين الجماعات المسلحة البقاء في صدارة المشهد الليبي أو على الأقل ضمن مكوناته. وراء ما سبق، فإن أردوغان البراغماتي جداً، ربما سعى إلى استباق الاستحقاقات الداخلية، وتآكل رصيده التقليدي في الوعي الجمعي التركي بزيادة الزخم التركي في الأزمة الليبية.
أي مستقبل للتحرك التركي في ليبيا :
في إطار حالة الزخم الإقليمي والدولي وتعدد المبادرات والوساطات الإقليمية والدولية لدفع الحل السياسي في ليبيا، من المرجح أن تتخذ الحكومة التركية عدة مسارات للتعامل مع الأزمة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في ليبيا على النحو التالي:
1- تكثيف تركيا لتحركاتها تجاه دول الجوار الليبي، خاصة الجزائر وتونس اللتين تقومان بجهود مكثفة لدفع الحل السياسي في ليبيا، حيث تتطابق وجهتا نظرهما بشأن حل الأزمة الليبية مع وجهة النظر التركية، خاصة فيما يتعلق بضرورة إشراك الإسلاميين في الحكم، وهو ما سيمكن أنقرة من خلق جبهة إقليمية في مواجهة الجبهة التي تقودها مصر الرافضة لإشراك تيارات الإسلام السياسي في الحكم، خاصة في ظل المساعي التونسية لعقد قمة رئاسية ثلاثية تضم مصر وتونس والجزائر لبحث حل الأزمة الليبية.
2- محاولة تركيا إيجاد آلية تنسيقية مع روسيا في الأزمة الليبية، تُمكّن الطرفين من الوصول إلى أرضية مشتركة في ليبيا بشأن التنظيمات الإرهابية التي يجب محاربتها وفصلها عن التنظيمات الإسلامية التي يمكن إشراكها في الحكم، وذلك بما يحول دون الانحياز الروسي الكامل للتيارات المدنية في الشرق الليبي والجيش الليبي بقيادة "حفتر"، واستبعاد أو تقليص دور الإسلاميين في الحكم، وهو ما سيشكل في هذه الحالة ضربة للتنظيمات الإسلامية التي تدعمها تركيا في ليبيا، ومن ثم تقليص دور تركيا ونفوذها في ليبيا.
ختامًا، إن تحركات تركيا في ليبيا، وإعادة فتح سفارتها بالعاصمة طرابلس، تستهدف بالأساس تنشيط دورها، والانخراط في التحركات الإقليمية والدولية المكثفة الهادفة لدفع الحل السياسي، بما يحول دون تجاهلها أو استبعادها من المشاركة في رسم مستقبل البلاد، أو تبني حلول لا تتفق بالضرورة مع المصالح التركية هناك، كتقليص نفوذ حلفائها من الإسلاميين في الحكم، وذلك بما يضمن في النهاية نفوذ أنقرة ومصالحها في ليبيا، والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.