في الوقت الذي تتواصل فيه المساعي الدبلوماسية للخروج بليبيا من وضعها المتردي، تتواصل على الأرض المخاوف من التنظيمات الارهابية والعصابات الإجرامية التي تهدد بتعميق الأزمة التي جعلت المواطن الليبي يعيش حالة اقتصادية وسياسية واجتماعية متردية منذ سبع سنوات. وتعيش ليبيا، في الفترة الأخيرة حالة من الاستنفار الأمني، نتيجة المخاطرالتي مازالت تفرضها العناصر الإرهابية، ناهيك عن الإنتهاكات التي تمارسها العصابات المسلّحة الأجنبية في منطقة الجنوب الليبي، والتي تهدد بخروج المنطقة عن السيطرة تماما. 

محاولة اغتيال

ففي مدينة درنة شرق ليبيا، تحركت الخلايا الإرهابية مجددا في محاولة لاستهداف القيادات الأمنية، حيث تعرض رئيس لجنة قبول الطلبة بمعهد علوم الشرطة في درنة، العقيد "فرج محمد ذاؤود الحاسي"، لمحاولة اغتيال أمام منزله الكائن بحي الزهور في منطقة باب طبرق بمدينة درنة. 

وقال مصدر عسكري مسؤول بدرنة، لبوابة افريقيا الإخبارية، إن الحاسي تعرض لإطلاق وابل من الرصاص عند وقوفه بسيارته أمام منزله عائدا من العمل، مساء الأحد. وأوضح المصدر أن العقيد فرج داوود الحاسي أصيب إصابة طفيفة، ولم تعرف هوية المسلحين الذين أطلقوا الرصاص عليه. 

ونقلت "ارم نيوز"، عن مصدر أمني بمدينة درنة، قوله أنه "تم التعامل مع المهاجم بسرعة من قبل المرافقين للعقيد الحاسي؛ مما اضطر المهاجم للفرار". وأشار إلى أن "التحقيقات والأدلة توصلت لخيط يقود إلى الجاني، بعد العثور في مسرح الجريمة على بعض الأدلة"، رافضًا إعطاء مزيد من التوضيحات لسرية المعلومات حسب وصفه. وتعتبر هذه العملية الأولى من نوعها التي يتعرض لها ضابط أمني كبير في مدينة درنة، التي ظلت لأكثر من 5 سنوات يتبادل السيطرة عليها تنظيم داعش وتنظيم القاعدة "مجلس مجاهدي الثوار"، قبل أن يسيطر عليها الجيش الليبي، منذ حزيران/ يونيو الماضي. 

يذكر أن العقيد الحاسي يتولى رئاسة لجنة القبول للمتطوعين في سلك الشرطة بالمدينة، حيث فتح باب المقابلة للطلبة الجدد لصالح مديرية أمن درنة، في 30 من أيلول/ سبتمبر الماضي. 

ويشتبه أن أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" كان وراء محاولة الاغتيال، خاصة، بعد نجاح عملية افتتاح معهد الشرطة في درنة ، وانضمام عدد كبير من الشباب إلى المعهد مطلع شهر أكتوبر. وكان مقرّ ثانوية الشرطة، الكائن في منطقة "بومسافر" بالمدخل الغربي، مقرا لتجمع الإرهابيين ، إلى حين تحريره من الإرهاب والتطرف من قبل قوات الجيش الليبي، والبدء في إعادة تفعيل دوره من جديد. 

مخطط إرهابي

وفي مدينة هرواه شرق سرت، تمكن الجيش الليبي من تفكيك سيارات مفخخة كانت معدة لاستهدافه بعد اعتراف أحد قادة تنظيم الدولة "داعش" علي مكان وجودها بعد القبض عليه. وفي بيان لها، قالت الكتيبة "128" التابعة للقوات المسلحة الليبية إنها تمكنت، الأحد 21 أكتوبر، "من تفكيك سيارات مفخخة جنوب مدينة هرواه ذلك بناء على اعتراف الداعشي جمعه مسعود بالحسن القرقعي الذي تم القبض عليه من قبل الكتيبة قبل اسبوع. 

وبحسب بيان الكتيبة الذي نشر عبر صفحتها الرسمية علي موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، الاثنين، فإن " الارهابي القرقعي اعترف ان هذه السيارات كانت مجهزات للهجوم والتفجير في نقاط تابعه للجيش الليبي شرق البلاد". ومرفقا بالبيان المقتضب، نشرت الكتيبة التابعة للجيش الليبي صورا تبين عملية تفكيك السيارة نوع جيب في منطقة صحراوية كانت تقل كميات كبيرة من القذائف والصواريخ. 

كما عثرت الكتيبة بناء علي اعترافات القرقعي على مخبئ سري للجماعات الإرهابية جنوب هراوة. وأوضحت شعبة الإعلام الحربي بالقوات المسلحة، أن المخبأ عبارة عن "مغارة جبلية" كان يتحصن بها الإرهابيون للابتعاد عن أنظار القوات الجوية واستطلاع الجيش، إلى جانب استخدامها للمعيشة والمبيت وتجهيز المفخخات، لتكون منطلقًا للعمليات الإرهابية. ونشرت الشعبة مشاهد مصورة أظهرت وجود بقايا من مقتنيات الجماعات الإرهابية داخل المغارة. 

وفي 15 أكتوبر الجاري، أعلنت الكتيبة أنها ألقت القبض علي الارهابي جمعه مسعود بالحسن القرقعي، احد امراء تنظيم داعش من منطقة الجفرة وسط البلاد، والذي شارك في أغلب الهجمات علي البوابات في النوفلية والـ 90 والعقيلة والقنان وأوجله والـ 60 وكان قائد الهجوم على الشركة التركية وخطف وذبح شباب ذاك الوقت وأصبح آمر مجموعة النوفلية بعد مقتل الداعشي علي اقعيم في سرت. 

وجميع تلك البوابات والمواقع الواقعة وسط ليبيا هي تابعة للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر كانت قد تعرضت لهجمات مسلحة واستهداف بواسطة سيارات مفخخة أودت بحياة عسكريين. 

وكان تنظيم "داعش" قد فرض سيطرته على بلدة هراوة في يونيو العام 2015، ورغم طرده منها في العام 2016، فإن عناصر التنظيم مازالت تتحرك في المنطقة. وتكمن أهميه بلدة هراوة في أنها تمكن التنظيم من التقدم شرقا باتجاه منطقة السدرة "الهلال النفطي"، أوغربا باتجاة مدينة مصراتة، لتنفيذ عملياته الإرهابية. 

العصابات الأجنبية

وتأتي هذه التطورات، في وقت تتصاعد فيه الأحداث في الجنوب الليبي، حيث تتواصل المعارك بين قوات الجيش الليبي والعصابات التشادية، بمنطقة أم الأرانب الواقعة جنوب غرب ليبيا. وأعلن مستشفى تراغن جنوب البلاد، عن سقوط 11 قتيلا و15 جريحا، إضافة إلى اختطاف 5 أشخاص منذ بدء الاشتباكات بمنطقة أم الأرانب، وهي أعداد مرشحة للارتفاع في ظل استمرار المعارك. 

وجاءت هذه الإشتباكات إثر تنامي الانتهاكات التي تمارسها العصابات المسلّحة الأجنبية في منطقة الجنوب الليبي، وتلبية لنداءات الاستغاثة التي أطلقها الأهالي، بعد تعرّضهم إلى عمليات خطف وابتزاز. وهوما دفع مجلس النواب الليبي إلى مطالبة القيادة العامة للقوات المسلحة "بتقديم التعزيزات، والدعم اللازم، وبشكل عاجل، لتطهير تراب الجنوب الليبي من دنس هذه العصابات الإجرامية. 

وشهدت عدة مناطق من الجنوب، انتفاضة للأهالي ضد "العصابات" التشادية التي تحترف الخطف والسرقة والحرب، معلنين رفضهم دفع فدية لتحرير المختطفين. ووقفت وحدات صغيرة من الجيش الوطني الليبي إلى جانبهم، وتمكنت بمساعدة رجال القبائل من تحرير عدد من المختطفين، بعدما طاردت العصابات إلى عمق 130 كيلو متر داخل الأراضي التشادية. 

وشكل القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، السبت، غرفة عمليات في الجنوب بهدف تطهيره بالكامل من العصابات الأجنبية التي تمتهن الحرابة والخطف والسرقة، في كل من مدن سبها وبراك الشاطئ وأوباري، وكذلك مرزق والكفرة. 

وأكد الناطق باسم قيادة الجيش، العميد أحمد المسماري، عزم القيادة على إطلاق عملية عسكرية واسعة للقضاء على المجموعات الإجرامية في الجنوب. وأوضح أن حفتر يخطط فعليًّا للقضاء على جماعات المعارضة السودانية والتشادية والعصابات الإجرامية الأخرى، التي باتت تهدد الأمن القومي والاستراتيجي لجنوب ليبيا، الذي يمثل نحو ثلث مساحة الدولة. 

وفي بيان مصوّر، توّعد العقيد خليفة الصغير، آمر الكتيبة 177 مشاة، التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، وهي إحدى القوات المكلّفة بمواجهة الفصائل التشادية في منطقة أم الأرانب، بملاحقة كل العصابات الأجنبية المسلّحة حتى طردها إلى بلدانها الأصلية، مضيفا أنه سيتم خوض المعركة إلى حين تطهير المنطقة الجنوبية بالكامل من الجماعات الإجرامية الوافدة عليها من خارج البلاد.