تخضع العاصمة الليبية طرابلس،منذ سنوات لسيطرة الميليشيات،وسط غياب واضح لمعالم الدولة فيها.وعادة ما تتحول إلى ساحة للإشتباكات، بين المجموعات المتصارعة للسيطرة على بعض المواقع الحيوية بالمدينة،ماجعل أغلب سكانها يعيشيون على وقع الخوف الدائم، خوفا من القتل أو الخطف في أحسن الأحوال.

ورغم وصول حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج وبداية عملها، إلا أنها لم تستطع كبح جماح الميليشيات، بل سارعت إلى شرعنة بعضها والإعتماد عليها في تأمين مقراتها وطرد مناوئيها ما جعلها في مرمى الانتقادات في ظل تواصل تغول المليشيات واستمرار مسلسل الانتهاكات.

وخلال الأشهر الأخيرة،إتجهت حكومة الوفاق الليبية نحو تنفيذ ترتيبات أمنية برعاية أممية تقوم على تسلّم المواقع السيادية والمنشآت الحيوية من الميليشيات المسلّحة، وإسناد مهام تأمينها إلى قوات الشرطة والقوى العسكرية النظامية فقط، في خطوة تهدف إلى إنهاء دور الميليشيات المسلحة.

تصعيد

ورغم الإنطلاق في تنفيذ هذه الترتيبات،فإن نفوذ هذه المليشيات مازال حاضرا بقوة في المدينة،وهو ما كشف عنه وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني الليبية، فتحي باشاغا،بقوله أن الميليشيات المسلحة الموجودة في العاصمة طرابلس باتت تهمين أكثر فأكثر على القرار السياسي والاقتصادي، واتهمها بعدم طاعة الدولة أو خضوعها للشرعية.

وقال باشاغا، في تصريحات تلفزيونية على قناة "بي بي سي" البريطانية، الجمعة، إن هذه الميليشيات المسلحة التي لم يحددها بالاسم تتسبب في فوضى أمنية، وتفعل ما تريد في مؤسسات الدولة الليبية، معتبراً أنها تسيطر فعلياً على القرارات الاقتصادية والسياسية.

وأضاف أن هذه الميليشيات "ترفض الامتثال لتعليمات المؤسسات الحكومية كافة، سواء جهازي المخابرات أو المباحث أو وزارة الداخلية، وباتت قوة موازية لديها نفوذ كبير على مدى العامين الماضيين، بالإضافة إلى أنها تسيطر أيضاً على ميزانية هذه الوزارة التي تنتمي إليها اسمياً فقط"، على حد قوله.

وحذرت وزارة الداخلية المفوضة بحكومة الوفاق،من أن أي محاولة للعودة للمربع الأول، والدعوة للتحشيد للمساس بأمن العاصمة هو أمر غير مقبول.وأكدت الوزارة في بيان صادر عنها، أن دعوات تحشيد قوات وأفراد ستواجه بالشكل الملائم لمنع الفوضى والتغول على حياة المواطنين بحسب الوزارة. 

وطمأنت داخلية الوفاق كل سكان العاصمة وضواحيها بأن العمل الأمني والشرطي متواصل؛ وبأن مساره سيكون تصاعديًا كمًا وكيفًا ولن يتوقف، مشيرة إلى أن منتسبي الوزارة يمارسون مهامهم وفقًا للخطط الأمنية المقررة، والتي بدأت نتائجها تظهر في العلن.

  خطة تأمين

وتراوح الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية مكانها بعد أشهر من انطلاق الترتيبات الأمنية،فيما تتواصل الجهود لفرض الأمن.وعقد في مقر وزارة الداخلية بطرابلس الأربعاء، اجتماع أمني موسع، لوضع خطة تأمين العاصمة وضواحيها لبسط الأمن والأمان داخلها.

وأفادت، وزارة الداخلية لحكومة الوفاق، بأنَّ وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا، ترأس الاجتماع، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.فيما نقل موقع "ارم نيوز" عن مصدر عسكري ليبي،أن "الهدف من الاجتماع هو وضع خطة لتأمين العاصمة الليبية وضواحيها، والدفع نحو توحيد مختلف القوات الأمنية تحت راية وزارة الداخلية.

واعتبر المصدر أن "هناك ثغرات أمنية واضحة تساهم في وقوع هجمات، على غرار التفجير الذي ضرب وزارة الخارجية الليبية خلال الأسبوع الماضي".وأوضح أن "كثرة الكتائب العسكرية، والانقسام السياسي، والثغرات الأمنية، تقف وراء الهجوم الأخير الذي استهدف وزارة الخارجية".

يذكر أن العاصمة الليبية طربلس، شهدت الشهر الماضي، هجومًا بسيارات مفخخة استهدف وزارة الخارجية، وأسفر عن سقوط 3 قتلى و21 جريحًا، وتبناه تنظيم داعش.

وحمل وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، الميليشيات مسؤولية هذا قائلًا إن "الترتيبات الأمنية لم يتم تنفيذها على الإطلاق"، واصفًا الوضع الأمني بأنه هش وفوضوي.وأضاف "الكل يملك من الذكاء والقدرة على التمييز من هو الذي يعمل بمهنية ومن هو الفوضوي".

حرب على المليشيات

وتأتي هذه التطورات، في وقت أصدر فيه مكتب النائب العام الليبي مذكرات اعتقال بحق 37 مشتبهاً بهم في هجمات على موانئ نفط رئيسية بشرق البلاد، وقاعدة عسكرية في الجنوب.في خطوة أعتبرت بحسب العديد من المتابعين للشأن الليبي بمثابة إعلان الحرب ضد أمراء الحرب والمليشيات في ليبيا.

ومن بين الليبيين المشتبه بهم عبد الحكيم بلحاج، أمير الجماعة الليبية المقاتلة سابقاً، الذي يترأس حزباً سياسياً ويمتلك شركة طيران ومحطة فضائية.وإبراهيم الجضران الرئيس السابق لجهاز حرس المنشآت النفطية، بالإضافة إلى 4 قيادات آخرين على صلة بتحالف ما يسمى بـ"فجر ليبيا"، الذي يضم فصائل مسلحة متشددة.

وتتهم حكومة الوفاق الليبية بالعجز أمام تغول المليشيات واعتبرت تقارير سابقة أنها "فشلت منذ بدء عملها في بداية 2016، في فرض سلطتها على المجموعات المسلحة التي تفرض قانونها في طرابلس رغم إعلان إصلاحات أمنية برعاية الأمم المتحدة تهدف إلى الحد من تأثير الميليشيات التي تغرس مخالبها في جميع أنحاء العاصمة ومؤسسات الدولة".

وفي يوليو الماضي،أكد بحث لمركز "سمال آرمز سيرفي" للدراسات، أن المليشيات في العاصمة طرابلس تطورت إلى شبكات إجرامية مرتبطة ببعض القادة السياسيين ورجال الأعمال وشاغلي الوظائف الإدارية الرئيسية، مبينا أنها تمثل عقبة أمام المسار السياسي وتشكيل حكومة في البلاد. وأكد مراقبون أن سيطرة المليشيات على العاصمة تسبب في حدوث خلل في عمل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق غير المعتمدة بقيادة فايز السراج، حيث أنها (العاصمة) تحت سيطرة سلاح غير شرعي.

ويرى مراقبون أن حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج تعمل على التخلص من ثقل نفوذ الميليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية وتحييد قياداتها المدعومة من قبل تركيا وقطر من أجل توفير الشروط التي تطلبها جهات إقليمية ودولية ساعية لإنجاح خيار التوافق السياسي بين مختلف فرقاء الأزمة الليبية.