لا يزال وضع حكومة الوفاق هشا،فرغم بعض المكاسب التي حققتها وأهمها نجاحها في تحرير سرت من تنظيم "داعش"،فإن حكومة السراج،مازالت تقف عاجزة عن حل الأزمات التي تشهدها ليبيا وأهمها بسط السيطرة على العاصمة طرابلس التي تعانى من أزمات معيشية طاحنة وخاصة أزمات الكهرباء ونقص السيولة فى ظل هيمنة الميليشيات المسلحة عليها.
وفى مؤشر جديد على تنامي الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع فى العاصمة طرابس،جابت المدينة، مساء الجمعة، مظاهرة كبيرة للتنديد بسياسة حكومة فايز السراج،حيث هتف المتظاهرون "يا سراج يا جبان الشعب الليبي في الميدان" و"تسقط حكومة الفرقاطة" و"يا الله يا الله جيش و شرطة و القضاء".
وانطلقت المظاهرة من حي الأندلس إلى ساحة الشهداء ومن ثم إلى ميدان الجزائر.وأغلق متظاهرون الطريق المؤدي إلى زاوية الدهمانى بالإطارات المشتعلة منادين بإسقاط السراج.كما شملت المظاهرات منطقة طريق السور التي أقفل شبابها الغاضب الطريق أيضًا.
وشهدت طرابلس طيلة الأيام الماضية عدة مظاهرات في عدد من الأحياء اعتراضا على صمت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج على تردي الأوضاع الاجتماعية.
وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي،قد دعوا في وقت سابق، جميع أهالي طرابلس وضواحيها إلى المشاركة في "مظاهرة غضب"،الجمعة، على الأوضاع التي وصفوها بـ"المزرية" في ظل انقطاع الكهرباء، وخلو مصارف العاصمة من السيولة المالية، والغلاء الفاحش في أسعار السلع التموينية والغذائية، إضافة إلى أزمة الوقود ونقص الغاز المنزلي.
وهاجم تجمع منطقة السراج الكبرى،خلال بيان له، حكومة الوفاق الوطنى بسبب تعرض منطقة السراج خاصة ومدينة طرابلس عامة من انقطاع التيار الكهربائى لساعات طويلة.فيما شهدت جامعة طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية تظاهرات طلاب شهادة الثانوية العامة بسبب صعوبة امتحان اللغة الإنجليزية وسط كر وفر وإطلاق نيران فى الحرم الجامعى وإلقاء القبض على عدد من الطلاب المتظاهرين ثم الإفراج عنهم.
وتسبب فشل البلديات فى طرابلس وضواحيها فى توسيع رقعة الاحتجاجات التى تعصف بالعاصمة وخاصة بعد استمرار انقطاع التيار الكهرباء لما يقرب من 20 ساعة يومياً، ولم تقتصر دعوات التظاهر على المواطنين فقط لكن المجلس البلدى لحى الأندلس دعا المواطنين بالخروج فى تظاهرات سلمية للخروج من هذه الأزمة الخانقة.
ودعا المجلس البلدى حى الأندلس فى طرابلس، المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة، لإتمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ليبيا ، وإلى الاستقالة الجماعية للحكومة الحالية التى يقودها فائز السراج، وإقالة لجنة إدارة الشركة العامة للكهرباء ومحاسبتها.
أزمة سياسية
وبالتزام مع ذلك أعلن عضو المجلس الرئاسي الليبي فتحي المجبري،الأربعاء، استقالته رسميا من حكومة الوفاق التي يقودها فايز السراج،مشيرا إلى أنها أصبحت رهينة بيد الميليشيات المسلّحة التي باتت تسيطر على مفاصل صنع القرار فيها.وانتقد المجبري، في ندوة تلفزيونية، الوضع في طرابلس، قائلا: "أعلن انسحابي من المجلس الرئاسي، وطرابلس لا تصلح حاليا للعمل السياسي".
وأوضح المجبري أنّ "قرارات المجلس الرئاسي والسراج أصبحت متأثرة ومرتبطة بهذه الجماعات المسلّحة"، مؤكداً تعرّضه إلى تهديدات بالقتل، عندما وقع تكليفه بتنفيذ ملف الإصلاح الاقتصادي، "لأن مصالحها باتت مهددة".وقال المجبري إن "المسؤولين أصبحوا في خطر دائم بوجود الميليشيات في طرابلس بعد أن فرضت قراراتها بقوة السلاح".
وكانت مجموعة مسلحة هاجمت نهاية الشهر الماضي،مقر النائب فتحي المجبري في العاصمة طرابلس، لكنه غادر منزله قبل الهجوم بساعات والهروب إلى العاصمة التونسية،فيما أصيب أحد حراسه.
إنسحابات أخرى
ويعد المجبري رابع نواب الرئيس الذين يتركون مناصبهم، فقد استقال علي القطراني (شرق) ثم تبعه النائب علي الأسود من الزنتان (غرب) والنائب موسى الكوني (جنوب).كما دعا المجبري الممثلين عن المنطقة الشرقية بالانسحاب من حكومة السراج ومغادرة طرابلس لأنها "لم تعد ساحة للعمل السياسي"، كما طالب كل نواب البرلمان الداعمين للمجلس الرئاسي بسحب دعمهم".
من جانبه، رحّب نائب رئيس المجلس الرئاسي المنسحب سابقاً، علي القطراني، بانسحاب فتحي المجبري، وتعليقه جلسات المجلس الرئاسي، مضيفاً أن "الرئاسي" لم يعد ممثلاً سياسياً لليبيا، وأنه لا يمتلك شرعية ولا قاعدة دستورية، وتم فرضه من قبل المجتمع الدولي للسيطرة على موارد ليبيا.
وطالب القطراني كل الوزراء والشخصيات السياسية الموجودين في حكومة الوفاق بالانحساب أيضاً، قائلاً "نعلن انسحاب برقة من المجلس الرئاسي، وندعو الإخوة المفوضين بالوزارات إلى الانسحاب من حكومة الوفاق، والخروج من طرابلس احتراماً لدماء شهداء برقة، ولأعضاء المجلس الرئاسي المقاطعين".
وفي ذات السياق،طالب عضو مجلس النواب علي السعيدي،في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية، أعضاء فزان في المجلس الرئاسي بالانسحاب من المجلس الذي قال إنه لم يقدم لأهالي المنطقة أي خدمات.مشيرا إلى تدهور الأوضاع المعيشية في الجنوب الليبي،من انقطاع التيار الكهربائي،وإرتفاع سعر الوقود،إضافة إلى خطر العصابات التشادية المسلحة.
حكم الميليشيات
وتعتبر الميليشيات إحدى أبرز المعظلات في المشهد الليبي،حيث يؤكد العديدون الوفاق عجزت منذ وصولها طرابلس عن كبح جماح الجماعات المسلحة بل سعت إلى شرعنتها والعمل معها.وفي هذا السياق،أكد عضو مجلس الدولة عادل كرموس أن طرابلس تحكمها مليشيات محددة ومعروفة، وليس لها "أي ايديولوجيا كما يزعم البعض" وتهدف فقط للحصول على الأموال.
وأضاف كرموس في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أنه منذ أن دخل المجلس الرئاسي لطرابلس ولم يوف المجتمع الدولي بوعده له ولم يقدم الدعم اللازم، فأصبح رهينة للمليشيات المستترة تحت شرعية الداخلية أو الدفاع.وفي تعليقه على استقالة عضو المجلس الرئاسي فتحي المجبري قال كرموس انه كان أحد المتعاملين مع هذه المليشيات وعندما تعارضت المصالح أجبر على الهروب من طرابلس فهو لم يأت بجديد لأنه كان من ضمن المنظومة ويتعامل معها".
وبدوره،أرجع عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي إنسحاب فتحي المجبري من المجلس الرئاسي إلى المعاناة التي تعانيها البلاد والانقسام السياسي وهيمنة بعض القوى على القرار في العاصمة طرابلس.وأكد الدرسي أكد خلال تصريحعلى قناة ليبيا الأحرار،الخميس،على أن طرابلس مرتهنة للمجموعات المسلحة والمليشيات كما أن القرار في العاصمة ليس قرار المجلس الرئاسي بل قرار السراج الذي من المفترض أن يكون رئيس للمجلس ويتشاور مع أعضائه قبل إصدار أي قرار.
وأضاف قائلاً :"السراج أصبح رئيس بحكم الواقع وهو قد ينفعه شخصياً لكن كليبيين وسياسيين نعتقد انه لن ينفع ليبيا حتى على المستوى المتوسط، ما يحدث في طرابلس هو تغول فئة معينة على القرار السياسي لذلك نحن لن نرضى أن تسيطر هذه الشرذمة والعصابة على العاصمة".
أما عضو مجلس النواب، عيسى العريبى،فقد طالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية بتمثيل حقيقي لكل الأقاليم، وبعاصمة خالية من الميليشيات، وتوزيع عادل للوزارات والهيئات والشركات ولثروة ليبيا، التي تستحوذ عليها الميليشيات، واصفاً عدم التحقيق في محاولة اغتيال المجبري بأنه إهانة لإقليم برقة، مؤكداً أن طرابلس محكومة من قبل ست ميليشيات مسلحة، تتقاسم الأموال مع مستشاري السراج، بحسب قوله.
وفي مارس 2016،وبعد أشهر من العمل في تونس،وصلت حكومة الوفاق الوطني،برئاسة فايز السراج،الى العاصمة الليبية وسط تأييد دولى رافقه تفاؤل بأن هذه الحكومة ستكون قادرة على حل أزمات البلاد وإنهاء حالة الانقسام الموجودة.لكنها لم تستطع نيل ثقة مجلس النواب فيما يشير الكثير من المراقبين إلى أنها أصبحت رهينة للميليشيات المسلحة التي تسيطر على المشهد الأمني والعسكري في طرابلس.