حقق الاقتصاد الليبي في عام 2017 معدل نمو غير مسبوق بلغ 26.7%، ولكن في يونيو 2018، بعد الهجوم على حقول النفط والمحطات الرئيسية من الميليشيات المسلحة التي دعمتها حكومة الوفاق، انخفض الإنتاج من نحو مليون برميل يوميًّا إلى400 ألف برميل يوميًّا في شهرَي أكتوبر ونوفمبر، ومع انحسار الاضطرابات زاد إنتاج النفط مرة أخرى إلى نحو900 ألف برميل يوميًّا.
فضلا عن أن الوضع المعيشي للمواطن الليبي يشهد تدهورا مرعبا منذ إندلاع أحداث 2011،من ذلك جاء مسوّغ إطلاق الجيش الليبي لعملية تحرير طرابلس من سطوة الميليشيات مطلع الشهر الماضي.
حيث جاءت التوقعات الاقتصادية للاقتصاد الليبي متوافقة تمامًا مع الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، فمؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية متقلبة؛ إذ تتأثر بشكل كبير ومباشر بإنتاج النفط، وهو أمر ضعيف وغير مستقر بسبب انعدام الأمن والبيئة السياسية غير المستقرة والبنية التحتية الضعيفة والإنفاق المالي الحكومي المقيد.
إذ حذر رئيس "المؤسسة الوطنية للنفط" في ليبيا، مصطفى صنع الله، من أن تجدّد القتال في البلاد "قد يقضي" على إنتاج البلاد من الخام، وفقاً لمقابلة أجراها مع صحيفة "فايننشال تايمز"، فيما اتجهت أسعار الخام نحو الصعود.
وقال صنع الله: "أخشى أن الوضع قد يكون أسوأ بكثير من عام 2011 بسبب حجم القوات المشاركة الآن بالقتال"، متحدثاً إلى "فايننشال تايمز" عبر الهاتف من مكتبه في طرابلس، على بعد بضعة كيلومترات من ساحات القتال.
واعتبر أنه "ما لم تُحَل المشكلة سريعاً، أخشى من أن يؤثر ذلك في عملياتنا، بحيث لن نتمكن قريباً من إنتاج النفط أو الغاز"، مشيراً إلى أن فقدان الإمدادات الليبية من شأنه أن يدفع سعر النفط إلى الصعود في الأسواق العالمية.
وازدادت المخاوف في الفترة الأخيرة من انعكاس حرب طرابلس على الاقتصاد الليبي، الذي يعاني بدوره من ضعف في الإيرادات المالية، إذ سبق وحذر ديوان المحاسبة الليبي من إمكان انزلاق ليبيا نحو عجز مالي، لم يسبق له مثيل في آخر تقرير له أصدره عام 2018.
جدير بالذكر أن طرابلس تعتمد في معظم دخلها على إنتاج النفط والغاز وقروض بدون فوائد من البنوك المحلية إلى المصرف المركزي بالإضافة إلى رسوم نسبتها 183% على تحويلات العملة الأجنبية بالأسعار الرسمية.
وفي ظل تراجع شديد في جباية الضرائب مركزيا، تراكم الدين العام ليصل إلى 68 مليار دينار في الغرب ويشمل ذلك التزامات لم تسددها الدولة مثل التأمينات الاجتماعية.
ووفقًا لبيانات من صندوق النقد الدولي تبلغ نسبة دين الحكومة إلى الناتج المحلي الإجمالي 143%، وهو ما يجعلها إحدى أكثر الحكومات المدينة في العالم وفقا لذلك المقياس.
في نفس الإطار،قال البنك الدولي، في تقريره للتوقعات الاقتصادية للاقتصاد العالمي، في أبريل 2019، إن تحسن آفاق الاقتصاد الليبي يتوقَّف بشكل أساسي على تحقيق تقدم ملموس في اجتياز المأزق السياسي، الذي أحدث انقسامًا في البلاد، وعلى تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد، محذرًا من أنه إذا استمر سباق الصراع والانفلات الأمني بالمعدل الحالي؛ فإن ذلك سيقود في نهاية المطاف إلى الإفلاس، وستواصل احتياطات النقد الأجنبي الاتجاه نحو النضوب.
يخشى مراقبون من طول أمد حالة فوضى أمنية بسبب انشغال الحكومة بالنزاع على السلطة واهتمامها بضمان سير معركة طرابلس، فضلاً عن إهمالها للرقابة المالية على المؤسسات المصرفية.
في تصريح لصحيفة الإندبندنت يرى دكتور العلوم الاقتصادية أسامة رزق أن إمكانية العودة إلى السنوات العجاف التي بدأت منذ عام 2014 وامتدت حتى نهاية عام 2016غير مستبعدة ، حين كانت البداية بحرب مطار طرابلس الدولي، وانتهت بحرقه بالكامل، وخسرت ليبيا وقتها عدداً من طائراتها المدنية، التي أتلفت جراء الاقتتال. فحرب خزانات النفط ثم حرب بنغازي وسقوط مدينة سرت في يد داعش، كلها أحداث عسكرية تسببت في تقهقر الاقتصاد الليبي، بدءاً من إنتاج ليبيا النفطي، وصولاً إلى تدهور قيمة الدينار الليبي.