مثل الصراع المتنامي بين الفرقاء وما رافقه من فوضى وغياب سلطة الدولة،البوابة الأسهل لدخول التنظيمات الإرهابية إلى الأراضي الليبية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الذى تعرض لهزائم كبيرة مع سقوط أبرز معاقله في البلاد،ورغم ذلك فإنه مازال يصر على التواجد في هذا البلد الذي يعاني من أزمات سياسية وإقتصادية.
وخلال الأشهر الأخيرة،شهدت ليبيا عملية إعادة انتشار واسعة لتنظيم داعش الإرهابي في جنوب البلاد،سعيا لتكوين كيان إرهابي جديد،خاصة وإنه تمكن من السيطرة على الطريق الرئيسي الذي يربط بين مدينة سرت في الشمال، وسبها في أقصى الجنوب، من خلال التنقل المستمر عبر قوافل السيارات التابعة له، خاصةً في الدروب الصحراوية الواقعة شرق طريق فزان الرابط بين شمال البلاد وجنوبها.
ويشير الخبراء إلى إنتشار عناصر داعش في الصحراء الليبية التى تمثل بيئة مناسبة له فى ظل إتساعها وصعوبة ملاحقة عناصره فيها.وتشكل إعادة إنتاج التنظيم الإرهابي فى الصحراء الليبية خطرا خطراً كبيرا ليس على ليبيا وحدها، بل سيكون تهديداً إقليماً ودولياً.خاصة في ظل وجود حدود طويلة تتشارك فيها ليبيا مع 6 دول أفريقية أغلبها تعاني من مشاكل أمنية.
جيش وقاعدة
وتحذر التقارير بصورة متكررة من نوايا التنظيم التي تستهدف التمركز في الجنوب الليبي،والتي تعد منطقة رخوة للجماعات الأرهابية والمسلحة، وهي تتمير بتضاريسها الصعبة كما أنها انه تشكل منطقة هامة لتهريب السلاح.ولذلك يعتبرالجنوب الليبي وفق العديد من المراقبين، الحلقة الأضعف أمنيا في ليبيا،حيث يمثل بيئة جاذبة لعمل الجماعات المتطرفة والأنشطة غير القانونية.
ومؤخرا،تحدث وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق العميد عبد السلام عاشور،عن خطر المتنامي للتنظيم الإرهابي في الجنوب،وقال الوزير إن "تنظيم داعش باتت له قاعدة في الجنوب الليبي، حيث ينمي قدراته مستغلاً الفراغ الأمني في المنطقة"، مضيفًا أن جميع مشاكل ليبيا الأمنية تأتي من حدودها المنتهكة، خصوصًا الجنوبية.
وأضاف في مقابلة مع وكالة "شينخوا" الصينية للأنباء،الثلاثاء 07 أغسطس 2018، أن الجنوب الليبي "أصبح يعاني كثيرًا والحدود من ناحية الجنوب أصبحت منتهكة".وأوضح:"الجنوب تم استغلاله بشكل سيء جدًا من قبل العصابات الإجرامية التابعة للمعارضة التشادية والسودانية، وغيرها من التشكيلات المعارضة الأفريقية التي كانت تتواجد خارج الحدود الليبية".
وسبق أن أكد الجيش الوطني الليبي، الذي يقود المعركة ضد الجماعات الإرهابية في ليبيا، الخطر المتزايد لتنظيم داعش في الصحراء الليبية، وأكد على لسان المتحدث الرسمي باسمه أحمد المسماري، مطلع مارس الماضي، "عودة هذا التنظيم إلى النشاط مجددا داخل بعض المناطق الصحراوية في الجنوب الليبي وجنوب سرت"، مؤكدا أنه "يتلقى دعما من بعض القوى المجهولة تتمثل خاصة في الوقود والسلاح والغذاء.
وفي مارس الماضي،أكد رئيس التحقيقات بمكتب النائب العام الليبي الصديق الصور، أن متشددي تنظيم داعش كونوا جيشا في الصحراء يتألف من 3 كتائب على الأقل بعد أن فقدوا السيطرة على معقلهم في سرت العام الماضي.وقال الصور أن المحققين علموا أن داعش أسس جيشا في الصحراء بقيادة المتشدد الليبي المهدي سالم دنقو الملقب أبوبركات. ويضم ذلك الجيش ثلاث كتائب تحت قيادة دنقو ولكل منها قائد.
وبدأ "جيش الصحراء" في تعزيز صفوفه بالمقاتلين الأجانب سواء المنخرطون سابقا في التنظيم أو تجنيد عناصر جديدة من دول الجوار خاصة الأفارقة.وكشفت تقارير إعلامية أن أكثر المنافذ الحدودية النشطة هي التي "تربط بين السودان وجنوب ليبيا مرورا بدولة تشاد، لأسباب أمنية تتعلق بضعف الرقابة وإنتشار الفوضى.
مركز لدحر الإرهاب
هذا الخطر الإرهابي دفع الدول المعنية إلى زيادة التنسيق لمواجهته،حيث شهدت بالعاصمة السودانية الخرطوم،الأيام الماضية، الاجتماع الوزاري الثالث لتأمين ومراقبة الحدود المشتركة التي تضم السودان، تشاد والنيجر وليبيا، بمشاركة وزراء الدفاع والداخلية والخارجية ومديري الأجهزة الأمنية.وأسفرت جولة المباحثات عن إنشاء مركز للعمليات في العاصمة التشادية لمحاربة الجماعات الإرهابية ومكافحة التهريب والاتجار بالبشر، واتفاق آخر للتعاون القضائي.
وكانت الدول الأربع قد وقعت في مارس الماضي في العاصمة الرواندية كيغالي على هامش قمة الاتحاد الإفريقي، بروتكولا لتعزيز التعاون الأمني ومراقبة الحدود المشتركة بين الدول الأربع.وعقب ذلك عقد اجتماع آخر في كيغالي بعد أسبوعين من انعقاد القمة، وفي مايو الماضي تم التوقيع على المبادئ العامة لآلية تعزيز أمن الحدود بين الدول الأربع بالعاصمة التشادية.
وتم اختيار السودان لرئاسة الدورة الأولى للتنسيق والمتابعة للشهور الستة القادمة، وتوجيه لجنة التنسيق والمتابعة لتفعيل مركز العمليات في فترة لا تتجاوز الشهرين.وأعلن وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد عقب جلسة المباحثات، أن القوات المسلحة للبلدان الأربعة سوف تقوم بعمليات مشتركة وتبادل للمعلومات من أجل ضبط الحدود.
وقال وزير الداخلية التشادي أحمد محمد باشر إن اختيار تشاد لإنشاء مركز العمليات يهدف إلى السيطرة على الحدود الغربية والجنوبية بين ليبيا والسودان والنيجر حيث تنشط الجماعات الإرهابية هنالك.وأضاف أن "مكافحة الإرهاب تأتي أولا، ثم مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب السلاح ومحاربة الميليشيات المنتشرة بين ليبيا والنيجر والسودان.
من جانبه، أعرب وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة عن أمله في أن تجلب الآلية التي تم الاتفاق عليها الأمن إلى الجنوب الليبي الذي يعاني من تنامي الجماعات الإرهابية.وشدد على أن استتباب الأمن في الجنوب الليبي سوف ينعكس إيجابا على السودان والنيجر وتشاد.
لماذا الجنوب
على مدى سنوات، ظل الجنوب الليبي الصحراوي المهمش خارجاً بشكل كبير عن نطاق سيطرة الحكومات المتناحرة في الدولة،ويستفيد تنظيم داعش من المناطق الصحراوية، ذات التضاريس الصعبة، كما يستغل الهشاشة الحدودية للتمدد نحو دول الجوار خاصة دول الساحل الصحراء التي تمثل له موردا بشريا هاما لتعزيز صفوفه، إضافة إلى أنّه ينخرط في تجارة التهريب التي تعد أهم مصادر تمويله إلى جانب أموال الفدية المتأتية من عمليات الاختطاف.
كل هذه العوامل وسط الفراغ الحالي الموجود في جنوب ليبيا،جعلت من المنطقة مكانا مميزا لإعادة انتشار التنظيم،الذي يسعى لتعويض خسائره في عدة مناطق ليبية وكذلك في العراق وسوريا، عبر إيجاد معقل جديد، يسمح له بوجود حقيقي ومنظم، يتمتع فيه بالحماية الجغرافية، وعدم وجود سيطرة أمنية، وهو ما يتوفر في الجنوب الليبي حاليًّا، لاسيما أن الجنوب يُعَدّ المنطقة الوحيدة حاليًّا المتاحة أمامه لإعادة إحياء وجوده في البلاد من جديد، بعد أن كاد ينتهي وجوده فيها.
وبحسب المراقبين فإن الجنوب الليبي يمثل ملاذا آمنا جديدا للتنظيم حيث يمكنه إعادة تنظيم نفسه بعد خسائره، وهو ما أشارت إليه مجلة "إيكونوميست" البريطانية،في تقرير لها،من إن التنظيم الإرهابى تراجع إلى الصحراء "ليبيا" ليجعل منها أكبر تهديد خارج الشام والعراق، وتمكنّوا رغم الخسائر التى لحقت بهم فى "سرت" من إعادة حشد أنفسهم فى صحراء طرابلس الشاسعة وتلالها.
من جهة أخرى يسعى التنظيم لتوفير مصادر تمويل لعناصره،فحسب تقرير للأمم المتحدة جرى تقديمه لمجلس الأمن الدولي في فبراير 2018، أصبح التنظيم يعاني من نقص حاد في الموارد الاقتصادية؛ ما دفعه للبحث عن مصادر جديدة، وهو ما يمكن أن يجده في الجنوب الليبي، من خلال المشاركة في أعمال التهريب عبر الحدود التي تشتهر بها هذه المنطقة، مثل تهريب السلع والبضائع والأدخنة والمشتقات النفطية والمخدرات، وهو ما يمكن أن يوفر له موارد مالية، تمكنه من الإنفاق على نشاطه الإرهابي، فضلًا عن رغبته في عدم ترك ساحة التهريب لتنظيم القاعدة، ينفرد بها ويجني أموالًا طائلة.
ولا يمثل تنظيم داعش تحديا لليبيا فقط، التي يجتمع عناصره على أرضها فحسب، وإنما كذلك لدول الجوار، التي أعلنت استنفارا عسكريا على خط حدودها مع ليبيا.ويرى مراقبون،أن تنامى هذا الخطر يفرض ضرورة تكاتف الجهود الإقليمية للقضاء على النشاط الداعشي في ليبيا قبل إستفحاله وتمدده وهو ما سيكون له آثار كارثية إقليميا ودوليا.