الليبيون هم أول ضحايا حالة الخلل الوظيفي في بلد لم يستقر ولم يتوحد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011. ولكن يمكن أن تتأثر أوروبا أيضا. إذا لم تجد ليبيا وسيلة للخروج من حالة الفوضى الراهنة، فإن أمرين يرجح حدوثهما: سوف ترتفع مجددا تدفقات اللاجئين والمهاجرين هذا الصيف بأعداد كبيرة عبر البحر الأبيض المتوسط (كبديل لطريق بحر ايجه)، و سوف يكون تنظيم داعش قادرا على إقامة موطئ قدم أكبر لنفسه، يحاول انطلاقا منه شن هجمات عبر المنطقة وخارجها. لذلك من الجيد أن يتم الآن إيلاء المزيد من الاهتمام الدولي إلى ليبيا ، التي كان استقرارها موضوع اجتماع دولي عقد هذا الأسبوع في فيينا. ولكن أن يجلب التركيز الجديد استراتيجية صحيحة فتلك مسألة أخرى مختلفة تماما.

بعد أن فشلوا فشلا ذريعا في مساعدة ليبيا في الفترة الانتقالية لمرحلة ما بعد القذافي الذي أطيح به إثر تدخل حلف شمال الأطلسي قبل خمس سنوات، على الأوروبيين وغيرهم من الفاعلين الدوليين القيام بعمل أفضل الآن. الخطة، كما هي حاليا، تقوم على زيادة الدعم الدولي للحكومة المركزية الوليدة الجديدة في ليبيا ، والتي تمكنت في مارس الماضي من تثبيت نفسها في العاصمة طرابلس. ويأمل الغرب أن تحل هذه الإدارة محل الفصائل المتناحرة التي تتنافس على السلطة منذ 2014، ما خلق الفراغ الذي ساعد داعش على الانتشار والازدهار. ويجري النظر في تزويد حكومة الوحدة بالسلاح لمساعدتها على هزيمة المتطرفين، الذين يسيطرون على 250 كلمترا من السواحل حول مدينة سرت. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة تقاومها حاليا مجموعة منافسة مقرها في الشرق.

يتعين على الغرب أن يتعامل بحذر. الليبيون لديهم ذكريات مؤلمة مع الحقبة الاستعمارية التي قامت خلالها القوات الإيطالية فيها بمجازر. هذا هو الإرث الذي يشرح لماذا رفضت السلطات الجديدة في عام 2011، في أعقاب الإطاحة بالقذافي، أي فكرة حماية بقيادة الأمم المتحدة، أو في الواقع لأي نوع من الوجود الدولي القوي. المخططات الغربية في عام 2011 تعثرت ليس فقط لعدم وجود تخطيط لمرحلة ما بعد الصراع - الذي وصفه باراك أوباما بأنه "أسوأ خطأ" في فترة رئاسته - ولكن لمخاوف الليبيبن من الظهور خاضعين لسيطرة خارجية. كل هذا يجعل أي تكهنات حول تدخل جديد محتمل أمرا خطيرا جدا. ويقال إن رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي بصدد حشد الحلفاء الغربيين لـ"مهمة أمنية" أوروبية سيتم نشرها: بلاده ستكون الوجهة الأولى للمهاجرين إذا اكتسب الطريق الليبي أهمية جديدة. وحتى الآن، يقال إن التدخل العسكري الغربي اتخذ طابعا سريا من قوات خاصة فرنسية وبريطانية عاملة على الأرض.

دوامة ليبيا المتدهورة جعلت حياة مواطنيها جحيما. وقد وثقت "هيومن رايتس ووتش" كيف أدخلت داعش قطع الرؤوس والجلد إلى ليبيا. وأصبحت سرت أكبر معقل لداعش خارج العراق وسوريا. ليبيا هي واحدة من أغنى دول أفريقيا التي تمتلك احتياطيات نفطية ضخمة، ومع ذلك فهي في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. الفوضى تنذر بتسارع تدفقات الهجرة وإطلاق العنان للإرهاب في أوروبا. منع ليبيا من الانجراف أبعد من ذلك، يستدعي استراتيجية دولية متأنية ، يجب أن تشمل جهود المصالحة والتنمية، وتعاون الفاعلين الإقليميين. إذا تجاهل الغرب كل شيء ما عدا داعش وخنق طرق الهجرة، فسوف يقع في خطأ جديد - يضاعف الأخطاء الماضية مع الإهمال الحالي. وهو خطأ يمكن بالكاد لأوروبا أن تتحمله.

*افتتاحية الصحيفة