توقفت عمليات إنتاج وتصدير النفط في ليبيا في منطقة الهلال النفطي، بعدما أحبط الجيش الوطني الليبي هجوماً لميلشيات مسلحة وعناصر إرهابية، قادها إبراهيم الجضران، القائد السابق لحرس المنشآت النفطية، على الموانئ النفطية بغية السيطرة عليها،في هجوم يتكرر منذ تحرير المنطقة في العام 2016.
وأعلنت القيادة العامة للجيش الليبي،تسليم إدارة المنشآت النفطية إلى الحكومة المؤقتة،مؤكدة أن ذلك يأتي في إطار تجفيف منابع تمويل الإرهابيين وتحقيق العدالة في توزيع الثروة.الأمر الذي أدي إلى تصاعد حدة الصدام بين الأطراف المتنازعة في البلاد وألقى بظلاله على القطاع النفطي الذي شهد خسائر كبيرة نتيجة هذا التوتر القائم.
القوة القاهرة
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط أعلنت في الثاني من يوليو تعليق عمليات إنتاج النفط وتصديره من الشرق الليبي، بعد سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي على منطقة الهلال النفطي وإعلانها وضع المرافئ النفطية تحت إشراف مؤسسة النفط التابعة للحكومة المؤقتة شرق ليبيا.
وتعتبر حالة "القوة القاهرة" تعليقا للعمل بشكل مؤقت، وحماية يوفرها القانون للمؤسسة بمواجهة الالتزامات والمسؤولية القانونية الناجمة عن عدم تلبية العقود النفطية بسبب أحداث خارجة عن سيطرة أطراف التعاقد.
وتسبب ذلك في تكبد ليبيا خسائر طائلة ناتجة عن تراجع الانتاج بمقدار 850 الف برميل يوميا من أصل إنتاج إجمالي يفوق بقليل مليون برميل في اليوم، في حين تشكل صادرات النفط مصدر العائدات شبه الوحيد لهذا البلد.وتأتي هذه الخسائر بعد فترة انتعاش أوصلت الإنتاج إلى مليون برميل يوميا قبل عدة أسابيع.
عودة الانتاج
في تطور جديد، أعاد المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي،إدارة الموانئ النفطية بمنطقة الهلال النفطي إلى حكومة الوفاق الوطني،في العاصمة طرابلس.وبهذا القرار استؤنفت الصادرات النفطية من شرق ليبيا، بعد توقفها لأكثر من أسبوعين، جراء خلاف بين السلطتين السياسيتين المتنافستين على كيفية إدارة هذا القطاع الاستراتيجي.
وقال آمر جهاز حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى والشرقية التابع للجيش الليبى، اللواء ناجى المغربى، فى بيان صحفى،الأربعاء،إلى أن المشير حفتر قد وجه باستئناف التصدير من الموانئ النفطية، مشيرا إلى صدور تعليمات إلى وحدات حماية الأصول النفطية التابعة للجهاز باستئناف عمليات التصدير من الموانئ النفطية.
بدورها أعلنت مؤسسة النفط في طرابلس، رفع حالة القوة القاهرة في موانئ رأس لانوف والسدرة والزويتينة والحريقة،وأكدت في بيان لها أن عمليات الإنتاج والتصدير ستعود إلى المستويات الطبيعية تدريجياً، خلال الساعات القليلة القادمة.وأثنى مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط وأعضاؤها، على قرار القيادة العامة للجيش "بوضع مصلحة الوطن فوق كل شيء"، متوجهاً بالشكر أيضاً إلى المجلس الرئاسي لحكومة السراج ومجلسي النواب والأعلى للدولة، والمجتمع الدولي على جهودهم في حل هذه الأزمة.
وأعلن مسؤول في ميناء الحريقة النفطي بطبرق، عن سماحهم بدخول أول ناقلة لتحميل الخام،الأربعاء 11 يوليو/تموز،وقالت وكالة رويترز نقلا عن مسؤول في الميناء، إن الناقلة التي منعت من دخول الميناء النفطي على مدى أسبوعين ماضيين، دخلت إلى المرفأ لتبدأ تحميل مليون برميل من خام النفط، بالتزامن مع رفع حالة القوة القاهرة عن الميناء.
فيما أكد فرج سعيد،رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، إعادة فتح الموانئ، غير أنه أبلغ وكالة "رويترز" للأنباء بأن رأس لانوف والسدرة اللذين تضررا من جولات قتال متكررة يحتاجان لأعمال صيانة، مبرزاً أن ميناءي الزويتينة والحريقة مفتوحان الآن أمام أي ناقلات لديها عقود.
لجنة تحقيق
وجاء قرار إعادة الموانئ لمؤسسة النفط الوطنية بعد ساعات من دعوة رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، مجلس الأمن الدولي إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في جميع الإيرادات والمصروفات وتعاملات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس والمصرف المركزي في مدينة البيضاء شرقي البلاد.
وأوضح بيان للمكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، أن رئيس المجلس خاطب مجلس الأمن، للمطالبة بشكل عاجل بتشكيل لجنة تحقيق فنية دولية، وبإشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاقتصادية المتخصصة، للقيام بمراجعة كافة الإيرادات والمصروفات للمصرفين المركزي في طرابلس والمركزي الموازي في مدينة البيضاء.
ورحّب الصدّيق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، بطلب السراج وأعلن عبر بيان صدر في وقت متأخر من ليل الثلاثاء عن "استعداده التام للتعاون مع أي لجنة تكلف بالخصوص"، مشيراً إلى مطالبته بذات الأمر منذ العام 2015، للمساهمة في إجلاء أي لبس والتزاماً بمبدأ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة.
وتصاعدت الاتهامات للمصرف المركزي الذي يتولّى إدارة عائدات النفط لصالح حكومة الوفاق الوطني في طرابلس،بالوقوع تحت نفوذ المليشيات المسلحة وتورطه في فساد مالي كبير وإهدار الأموال الليبية.
وبدوره رد المصرف المركزي في البيضاء ببيان أعلن فيه ترحيبه بدعوة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج لتشكيل لجان فنية دولية تحت مظلة الأمم المتحدة لمراجعة الإيرادات ومصروفات المصرف في طرابلس والبيضاء. إلا أنه أشار إلى أن إدارته في الوقت الذي "ترحب بهذه الدعوة ترحيبا كاملا، تلفت إلى أنها لم تستلم أي إيرادات وعوائد نفطية ولم تنفذ أي اعتمادات مستندية.
واشترط المصرف أن تعمل اللجان المشكلة تحت مجلس إدراة موحد للمصرف المركزي برئاسة محمد الشكري، وبمتابعة وإشراف مجلس النواب، وأن تعمل هذه اللجان بمعية شركات محاسبة ومراجعة معترف بها دوليا.كما اشترط المصرف أيضا أن يحُدد عمل اللجان بوقت لتقديم تقريرها النهائي وعرضه عبر وسائل الإعلام لإطلاع الرأي العالم على على النتائج.
وبدوره،دعا مصطفى صنع الله رئيس مجلس إدارة المؤسسة إلى مزيد من الشفافية والتوزيع العادل للإيرادات النفطية في أنحاء البلاد.وقال في تصريحات صحافية "نحن بحاجة ماسة إلى عقد جلسة حوار وطني حول التوزيع العادل للإيرادات النفطية في ليبيا، لأن هذه المسألة تمثّل أحد العوامل الرئيسية للأزمة، والحلّ الوحيد لمعالجتها هو الالتزام بالشفافية.
ودعا صنع الله "مجدّدا كلّ السلطات المسؤولة ووزارة المالية والمصرف المركزي لنشر الميزانيات والنفقات العامة بالتفصيل، حتى يتمكن كل الليبيين من رصد كل دينار يتم إنفاقه من ثروتهم النفطية". وتعهد بالعمل مع من وصفها بـ"الجهات الوطنية المعنية الأخرى لتعزيز الشفافية وحل هذه الأزمة، وذلك خدمة لمصالح جميع المواطنين".
فتح حقلين نفطيين
من جهة أخرى،أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا،الخميس، 12 يوليو / تموز، أنها تعيد فتح حقل الفيل النفطي بعد تسوية خلاف مع الحرس بشأن الأجور والمزايا تسبب في إغلاق الحقل في فبراير شباط.وقالت المؤسسة في بيان "إن من المتوقع وصول إنتاج حقل الفيل إلى 50 ألف برميل يوميا في يومين، وإلى 72 ألف برميل يوميا خلال الثلاثة أيام التي تليهما"، بحسب "رويترز.
وكان حقل الفيل قد أُغلق في الثالث والعشرين من شباط / فبراير بعد انسحاب حرّاسه الذين كانوا يطالبون بتحسين أوضاعهم.وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة في الحقل في الرابع والعشرين من شباط/فبراير.
وأكد المكتب الإعلامي لحرس المنشآت النفطية، في بيان على فيسبوك، أنه "تم الاتفاق على فتح حقل الفيل، وعودة الموظفين تدريجيًا لاستئناف العمل في الحقل، تمهيدًا لإعلان رفع القوة القاهرة التي أعلنتها المؤسسة الوطنية للنفط عقب انسحاب القوة التي تؤمّن الحقل".يشار إلى أن الحقل تديره شركة مليتة للنفط والغاز، وهي مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة إيني الإيطالية.
من جهة أخرى، قال مهندس ومصدر بقطاع النفط الليبي، إن حقل أبو الطفل النفطي، الذي أغلق قبل أسبوعين بسبب مواجهة في مرافئ تصدير بشرق البلاد، قد استأنف عملياته.وأصاف المصدر النفطي في تصريحات إلى "رويترز"، أن استئناف الإنتاج سيتم تدريجيا، مؤكدًا أن إنتاج الحقل بلغ في الآونة الأخيرة ما بين 50 ألفا و60 ألف برميل يوميا، بما يقل قليلا عن طاقته الإنتاجية القصوى البالغة 70 ألف برميل يوميا.
وكان الحقل توقف عن الإنتاج بعد فقدان السعة التخزينية بميناء الزويتينة، نتيجة توقف التصدير وفرض حالة القوة القاهرة على الموانئ.وتوقعت شركة مليتة للنفط والغاز ارتفاع الإنتاج خلال الأسبوع المقبل إلى مستويات أعلى، بالتزامن مع استئناف الشركات النفطية لعمليات الإنتاج.
لدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في أفريقيا وتعتمد على إيراداته في تمويل أكثر من 95 بالمئة من خزانة الدولة،وقد ساهم تعثر القطاع النفطي،نتيجة تجدد الصراعات المسلحة،فى تردى الأوضاع الإقتصادية.ويرى مراقبون أن تحسُّن آفاق الاقتصاد بشكل أساسي مرهون بتحسن الأحوال الأمنية وتوحيد مؤسسات الدولة عبر تحقيق تقدم في اجتياز المأزق السياسي الذي أحدث انقساما في البلاد.