في ظل حالة الانقسام السياسي والصراع العسكري واستمرار غياب دولة المؤسسات وجيش موحد، دخلت ليبيا في أتون أزمات متتالية وصاعات متكررة بين الأطراف المتنافسة، أثرت بشكل كبير على الوضع المعيشي في هذا البلد الغني بالثروات.

ومنذ العام 2011، يعاني الليبيون،من الانقطاع المتكرر للكهرباء، إذ تصل إلى دخول مناطق في ظلام دامس لساعات بسبب مشاكل في الشبكة الكهربائية. وتواجه المساعي الحكومية لإيجاد حل لأزمة الكهرباء، طوال السنوات الماضية، مشاكل وعقبات بسبب تواصل حالة التردي الأمني.


** إتفاقات 

وتتواصل المساعي حثيثة في محاولة لحل أزمة الكهرباء المتفاقمة، حيث توصلت السلطات الليبية مؤخرا، إلى اتفاق مع مجموعة "إيني" الايطالية، لدعم مشاريع الكهرباء في البلاد، بحسب بيان المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، نشر عبر موقعه الالكتروني السبت الماضي.

وجاء البيان عقب اجتماع فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، مع وفد لمجموعة إيني، ترأسه الرئيس التنفيذي للمجموعة، كلاوديو ديسكالزي.

وبين المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي أن الجانبان بحثا مشاريع الشركة في ليبيا، وما سبق مناقشته في اجتماعات سابقة حول عقد اتفاقيات للاستثمار النفطي في ليبيا وإمكانية استحداث مشاريع للتنمية المكانية في مناطق عمل الشركة في جنوب البلاد وشمالها.

وأكد كلاوديو أن الشركة توصلت إلى اتفاق مع المؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء الحكوميتين، لدعم مشاريع للطاقة الكهربائية وتحسين كفاءة الشبكة. ولم يكشف كلاوديو عن تفاصيل هذا الاتفاق أو موعد البدء في تنفيذه، لكن الخطوة تدعم خطوات شركة سيمنز الألمانية التي قررت الاستثمار في ليبيا رغم الأوضاع الأمنية المضطربة.

يُشار إلى أن شركة "ايني" الإيطالية قد وافقت على مقترحات السراج خلال اجتماعه،في يوليو الماضي،مع مديرها التنفيذي على تقديم مساعدات فنية عاجلة لدعم مشاريع الطاقة الكهربائية ، مبديةً إستعدادها لانشاء محطات جديدة للمساهمة في حل ازمة الكهرباء في ليبيا.بحسب المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.

وتعد مجموعة "إيني" الإيطالية أحد أكبر الشركاء الأجانب في ليبيا، حيث تدير عددا من حقول النفط والغاز.وتراهن السلطات الليبية على الصفقة مع الشركة الإيطالية العملاقة من أجل البدء في إعادة إحياء شبكات الكهرباء المدمرة وتعزيز موارد البلاد من الطاقة لتغطية الطلب المحلي.

واستعانت الشركة العامة للكهرباء في طرابلس،في وقت سابق، بشركة "سيمنس" الألمانية لإيجاد حل جذري لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي، الذي تعاني منه البلاد منذ سبع سنوات.ووقعت مجموعة سيمنس الألمانية،في ديسمبر 2017،عقدًا لإنشاء محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية في كل من طرابلس ومصراتة.

وقال المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق الوطني إن شركة الكهرباء المحلية وقعت اتفاقاً مع شركة "سيمنس" الألمانية، حيث وقع الاتفاق رئيس شركة كهرباء ليبيا، عبد المجيد حمزة، ومدير شركة "سيمنس" الألمانية جو كايسر.

وتعمل "سيمنس" في ليبيا منذ الخمسينيات، وتقول إن نحو 30% من توليد الكهرباء في البلاد يجري بمعداتها. وتبني المجموعة التي مقرها ميونيخ قدرات كبيرة لتوليد الكهرباء في مصر أيضاً، حيث فازت بعقد قيمته 8 مليارات يورو في 2015 هو الأكبر في تاريخ الشركة.


** دول الجوار

وتعددت الحلول التي اتخذتها حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، بين محاولة إصلاح الشبكة الداخلية للكهرباء، إلى الحصول على مساعدات خارجية.وذكرت تقارير في وقت سابق أن وفدا من الشركة العامة للكهرباء الليبية برئاسة المدير التنفيذي للشركة، علي محمد ساسي، زار الجزائر لمناقشة إمداد الكهرباء من الجزائر.

وقال ساسي خلال مؤتمر صحافي حينها "نواجه عدة مشاكل في إنتاج ونقل الكهرباء في ليبيا ونرغب في الاستفادة من الشبكة الجزائرية لتزويد المدن بالكهرباء". ودخلت معظم مناطق البلاد في ظلام دامس قبل أشهر، في أعقاب انهيار شبكات الربط الكهربائي في ما بينها، وهي مشكلة حذرت منها الشركة العامة للكهرباء مرارا.

وفي يونيو الماضي،كشف وزير الطاقة الجزائري، مصطفى قيتوني، في تصريح إلى الصحفيين خلال زيارة تفقدية بمحافظة البليدة الجزائرية عن استفادة ليبيا كخطوة أولى بحجم 3000 ميغاوات من صادرات الطاقة الكهربائية وتونس بـ300 ميغاوات، موضحًا أن تنفيذ العملية سيكون "فور إنجاز وتدعيم شبكات نقل هذه الطاقة بين الجزائر وليبيا وتونس.

وبحثت اللجنة المشتركة التونسية - الجزائرية للطاقة شهر فبراير الماضي مشروعًا يقضي بتزويد ليبيا بالطاقة الكهربائية عبر الأراضي التونسية، وتم ذلك بناء على استحداث الشركة الليبية للكهرباء ومجمع "سونلغاز" الجزائري شهر نوفمبر 2017 لجنة بين كلا الجانبين من أجل دراسة وتفعيل شراكة تمكن من تصدير الكهرباء من الجزائر إلى بعض مدن غرب وجنوب ليبيا.

وتستورد ليبيا الطاقة من مصر بحدود 75 ميغاواط، ويوجد اتفاق مع تونس للتزود بنحو 100 ميغاواط، إضافة إلى وجود وحدتين من قطر في حدود 60 ميغاوات تم تركيبهما في محطة غرب طرابلس.


** وضع صعب

وتعاني شبكات الكهرباء منذ العام 2011 من نقص حاد في توليد الطاقة، بسب الاضطرابات بين الأطراف المتنازعة داخل المدن،والتي أسفرت عن تدمير العديد من محطات التوليد. وتشير التقديرات إلى أن معدل إنتاج الطاقة الكهربائية في الوقت الحالي بالبلاد لا يزيد عن نحو 3500 ميغاواط، أي أقل من نصف الحاجة الفعلية للبلاد.

ويغطي بين 70 بالمئة و75 بالمئة من الاستهلاك المطلوب، بينما يتراوح العجز بين 500 و1500 ميغاواط. وبلغ أقصى إنتاج للكهرباء في البلاد عام 2012 حينما بلغ نحو 6 آلاف ميغاواط، تستهلك المنطقة الغربية 70 بالمئة منه.

وبسبب تزايد ساعات انقطاع الكهرباء،تأثرت مختلف مناحي الحياة بأزمة الكهرباء،كما واجه أصحاب المتاجر وأنشطة الأعمال الصغيرة في البلاد صعوبات بسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، ما جعلهم يصارعون للاستمرار في ظل اقتصاد يعاني بالفعل من نقص في السيولة وارتفاع معدل التضخم.

وفي يوليو الماضي،شهدت العاصمة طرابلس مظاهرات شعبية متصاعدة احتجاجا على الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي لفترات طويلة، حيث خرجت في أغلب أحياء العاصمة مسيرات غاضبة على تدهور الأوضاع المعيشية وغياب الخدمات الأساسية وتفاقم أزمات السكان، سرعان ما تحولت إلى مطالب لإسقاط الحكومة.

وتعاني شبكة الكهرباء في ليبيا من أعطال متكررة، ما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي جراء استهداف الأبراج والمحطات الكهربائية الرئيسية بقذائف صاروخية ناتجة عن الاشتباكات المسلحة بين فصائل متقاتلة، ما دفع المؤسسة الحكومية للكهرباء للتحذير في أكثر من مناسبة من انهيار وشيك سيصيب الشبكة الكهربائية.

ويمثل انعدام الأمان والحماية لفرق الصيانة، وسرقة بعض المحطات الكهربائية وتعرضها للتخريب، فضلاً عن أزمة الوقود التي تعاني منها ليبيا البلد الغني بالنفط، كلها أسباب تدفع نحو نتيجة واحدة ألا وهي ظلام تام وحالات وفيات تسجلها بعض المستشفيات نتيجة انقطاع الكهرباء،علاوة على تعطل بقية الخدمات في البلاد مما يزيد من تردي الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي.

ويعاني الليبيون بجانب أزمة انقطاع الكهرباء من نقص في السيولة النقدية،وازدحام أمام المصارف التجارية، وارتفاع في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، وارتفاع في سعر صرف الدولار أمام الدينار الليبي.ويشير المتابعون للشأن الليبي،أن نهاية الأزمات التي تعصف بالبلاد تبقى رهينة تحقيق تسوية شاملة وإرساء سلطة موحدة.