يزداد المشهد الليبي تعقيدًا من يوم إلى آخر في ظل تواصل حالة الفوضي والصراعات التي كرستها الإنقسامات والخلافات المستمرة بين الفرقاء السياسيين رغم المفاوضات المتكررة،والاجتماعات المتعددة والمبادرات المختلفة، الرامية جميعها إلى إخراج ليبيا من مستنقع العنف وإرساء سلطة موحدة.

وفي نهاية أيار/مايو الماضي، إجتمع أطراف النزاع الرئيسيون الأربعة في باريس  بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتعهدوا تنظيم انتخابات عامة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر. لكن إجراء هذا الإستحقاق في موعده،بات محل جدل متواصل بين من يصر على إتمامه،ومن يرى ضرورة تأجيله بسبب الفوضى التي تعاني منها البلاد، وتحديدًا العاصمة طرابلس.


** إصرار على الإنتخابات

الى ذلك، أكد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فايز السراج،السبت 29 سبتمبر/أيلول 2018، أن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية هو الطريق الأمثل لإنهاء المراحل الانتقالية وتحقيق الاستقرار في ليبيا في البلاد.

وقال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبي، في بيان صحافي،إن "رئيس المجلس فائز السراج اجتمع السبت،بمقر المجلس بمدينة طرابلس، مع رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات السيد عماد السائح"، موضحا أن الجانبان "بحثا الملف الانتخابي ومدى جاهزية المفوضية لتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية المقبلة فور استيفاء الشروط الدستورية والقانونية، والأمور الفنية ذات العلاقة التي تحتاج إلى استكمال".

وأوضح البيان أن:"رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عبر عن حرصه الشديد على دعم المفوضية لتؤدي عملها بكفاءة ومهنية"، مؤكدا على أن "الانتخابات هي الطريق الأمثل لإنهاء المراحل الانتقالية وتحقيق الاستقرار".

يشار إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تسلمت في 17 يوليو الماضي، مقرها الجديد في منطقة سيدي المصري بطريق الهضبة الشرقية، بالعاصمة طرابلس، من مصلحة أملاك الدولة، بعد الأضرار التي طالت المقر السابق جراء الهجوم الإرهابي في مايو الماضي،والذي أسفر عن عشرات القتلى والجرحى وخسائر بالمبني.

وبدورها، دعت "قوة حماية طرابلس" إلى عقد ما سمته "المؤتمر الوطني الجامع"، كما هو متفق عليه مع البعثة الأممية بليبيا في أسرع وقت، واعتبرت أن ذلك يستهدف "فتح آفاق جديدة في المشهد الليبي، وتجنب الفتن والحروب"، مشددةً على أنه "لا حل إلا في اللقاء، والحوار أمام كل الأطياف عن طريق هذا الملتقى حتى يشهد الشعب الليبي ما ينشده من انتعاش اقتصادي، وتحسن في الوضع الأمني، وانطلاقة جديدة لليبيا نحو بناء الدولة". كما أوضحت "قوة حماية طرابلس" أن "الاشتباكات التي شهدتها العاصمة مؤخراً هي حرب ممنهجة، تقودها أطماع لتكتلات بتوجّهات مختلفة، جمعها هدف عرقلة بناء الدولة".


** تشكيك أممي

ويواجه إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، عدة عقبات، بسبب الفوضى التي تعاني منها البلاد، وتحديدًا العاصمة طرابلس.وهو ما دفع مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة،إلى التأكيد على أنه من الصعب الالتزام بالموعد المحدد في الجدول الزمني الذي أقر في باريس للانتخابات في ليبيا في العاشر من ديسمبر، بسبب أعمال العنف والتأخر في العملية الانتخابية.

وقال سلامة في مقابلة مع "فرانس برس"، مساء السبت 29 سبتمبر/أيلول،"ما زال هناك عمل هائل يجب القيام به. قد لا نتمكن من الالتزام بموعد العاشر من كانون الأول/ديسمبر"، معتبرا أن أي اقتراع لا يمكن أن يجرى قبل "ثلاثة أو أربعة أشهر".

وقال سلامة إن أعمال العنف وأزمة سياسية واقتصادية مستمرة تجعل برنامج باريس للانتخابات "صعبا وكذلك لأسباب أخرى".مشيرا إلى إن "الاستفتاء يمكن أن يجرى قبل نهاية العام" والانتخابات يمكن أن تنظم خلال "ثلاثة أو أربعة أشهر" إذا سمحت الظروف الأمنية بذلك.

وسبق أن أعرب مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، عن تأييده لإجراء الانتخابات في ليبيا، لكنه شدد على ضرورة أن "يسمح الوضع القانوني والأمني بذلك" وفق ما نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر حسابها على موقع "تويتر"،في أغسطس الماضي.

وتحدث سلامة على ثلاثة ضمانات لإجراء تلك الانتحابات تتمثل في "الحاجة إلى قانون تستند إليه"، بالإضافة إلى "وضع أمني يناسبها بحيث لا يتم التدخل في شؤونها"، وثالثًا "تحتاج قبول نتائجها التي تسبق عملية إجرائها".

وجاءت تصريحات سلامة،لتزيح تصريحات سابقة أطلقها في نوفمبر الماضي في تدوينة نشرتها صفحة البعثة الأممية عبر "فيسبوك"، حين جزم بالقول "نحن ذاهبون نحو الانتخابات في 2018، حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن السلطة التنفيذية، ستجرى الانتخابات في العام 2018.

ويرى مراقبون،أن البعثة الأممية باتت مترددة من الذهاب لخيار الإنتخابات في ظل الأوضاع الأمنية المتردية وخاصة في العاصمة الليبية،التي شهدت مؤخرا إشتباكات وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات بين الميليشيات المسلحة التي تتصارع على النفوذ في المدينة.وقد أسفرت الإشتباكات عن خسائربشرية ومادية كبيرة وطرحت تساؤلات كثيرة حول إمكانية تحقيق الأمن في المدينة في ظل تغول المييشيات وعجز الحكومة.

عجز دفع وزير الخارجية الليبي، محمد سيالة،للإعلان عن أن ليبيا تريد أن تتحول المهمة السياسية التي تؤديها الأمم المتحدة في بلاده إلى "مهمة لدعم الأمن"،وهو ما فسره مراقبون بأنه لب بنشر قوات أممية لحفظ السلام.

وأكد سيالة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "الأولوية يجب أن تُعطى للأمن والاستقرار"، مشدداً على أن "هذه الحاجة يجب أن تنال دعم الأمم المتحدة".وأضاف: "ندعو إلى أن تتحول بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وهي مهمة سياسية خاصة، إلى مهمة لدعم أمن ليبيا واستقرارها".

كما رحب الوزير بـ"جهود بعثة الأمم المتحدة بقيادة مبعوث المنظمة الدولية غسان سلامة، والتي أتاحت التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار" في الآونة الأخيرة لوضع حد لشهر من المعارك الدموية في جنوب طرابلس.وقال سيالة: "ندعو الأطراف المعنيين إلى احترام" هذا الاتفاق، مشدداً على أن "المؤسسات والسلطات القضائية الوطنية والدولية ستُلاحق مرتكبي تلك الهجمات المأساوية".

وشهدت العاصمة الليبية طرابلس اشتباكات هي الأعنف منذ نحو 7 سنوات بين عدد من المليشيات التابعة لحكومة الوفاق، في 26 أغسطس/آب الماضي.وتوصلت الأطراف المتصارعة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 4 سبتمبر/أيلول الجاري، برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وتم تثبيت الاتفاق في 9 من الشهر ذاته.

وسرعان ما تبدد الاتفاق، بنشوب اشتباكات بين المليشيات أدت إلى سقوط قذائف على مطار معيتيقة في 12 سبتمبر/أيلول الجاري، ثم هدأت الأوضاع نسبيا، لتتجدد الاشتباكات في العاصمة منتصف الشهر.وبلغ عدد الضحايا خلال الاشتباكات 115 قتيلا و383 جريحا، حسب ما ذكرت إدارة شؤون الجرحى التابعة للمستشفى الميداني في طرابلس.


** مجلس رئاسي جديد

ومع تصاعد الأزمة في البلاد، وخاصة في ظل الفوضى التي عصفت بالعاصمة طرابلس والتي رافقتها إنتقادات لحكومة الوفاق حول عجزها عن تجاوز الأزمات،تحدثت مصادر عن وجود توجّه في البرلمان نحو تشكيل مجلس رئاسي يتكون من رئيس ونائبين، إضافة إلى حكومة ليبية موحدة.

وكشف عضو البرلمان الليبي، صالح أفحيمة، في تصريح لـ"العربية.نت"، أن الفرقاء في ليبيا يتجهون إلى التوافق على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي برئيس ونائبين يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة، بدل 9 أعضاء حالياً.وأوضح أفحيمة أن "لجنة الحوار بمجلس النواب توصلت هذا الأسبوع إلى اتفاق مع أعضاء لجنة الحوار الممثّلة لمجلس الدولة، بشأن مواعيد اختيار المجلس الرئاسي الجديد والتي اشترط البرلمان أن تكون قبل منتصف أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بواسطة الآلية المتفق عليها وهي تقاسم المناصب حسب الأقاليم.

وأضاف أفحيمة أنه بالتوازي مع عملية تشكيل المجلس الرئاسي الجديد، "سيتم إجراء استفتاء على مشروع الدستور، وذلك من أجل التهيئة لتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية"، التي استبعد إجراؤها قبل نهاية العام الحالي.

ونقلت "إرم نيوز"،عن عضو مجلس النواب حمد البنداق،تأكيده أنّ "محادثات مكثفة تجري حاليًا بين ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بحضور المبعوث الدولي الى ليبيا غسان سلامة"، مشيرًا إلى أنّ "تلك المحادثات تحرز تقدمًا".وأشار البنداق إلى أنّه "تم الاتفاق على تعديل المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج الذي سيترأس الحكومة الموحدة أيضًا"، مضيفًا أنّ "مجلس النواب سيمنح الثقة لهذه الحكومة."

وكان مجلس النواب الليبي، عقد جلسة يوم الثلاثاء الماضي،"ناقشت توحيد وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد".وخلصت الجلسة إلى تخويل رئيس لجنة الحوار عبدالسلام نصية، للتواصل مع مجلس الدولة للاتفاق حول آلية اختيار مجلس رئاسي جديد مكون من رئيس ونائبين على أن يتم ذلك خلال أسبوعين من تاريخ عقد الجلسة.

ومنذ اندلاع الاشتباكات المسلحة بين ميليشيات طرابلس،وجهت الإنتقادات لحكومة الوفاق الوطنى الليبية برئاسة فائز السراج،بسبب ضعفها وعدم قدرتها على السيطرة على طرابلس.ويرى مراقبون  أن السراج  فشل فى إيجاد حل للأزمات الأمنية والاقتصادية والمعيشية التى تعانى من مدن الغرب الليبى.كما أن ترسخ الانقسام السياسى بين الأطراف الليبية المختلفة،وفشل السراج فى إدارة المرحلة،بت يدعو إلى ضرورة إختيار حكومة وحدة جديدة.