ووجهت زيارة غير معلنة إداها زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي راشد  الى تركيا تضمنت إجتماعا « مغلقا» مع رئيسها رجب الطيب أردوغان بعاصفة غضب وإنتقادات بين النخب التونسية الرافضة لمحاولات الزج ببلادها في سياسات المحاور الإقليمية عبر التبعية  للمحور التركي القطري الإخواني
وكان الغنوشي إتجه الى  أسطمبول في طائرة خاصة  يوم السبت 11 يناير 2019 أي بعد ساعات من رفض البرلمان منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي التي كانت النهضة وراء تشكيلها ، حيث عقد إجتماعا مغلقا مع أردوغان.
تناولت مستجدات الأوضاع في المنطقة ، وفق حركة النهضة ، الى جانب تهنئة الرئيس التركي بالسيارة الجديدة التي أعلن عن تصنيعها في بلاده
وجاءت الزيارة بعد أربعة أيام من إجتماع مجلس الأمن القومي في تونس الذي حضره الغنوشي بوصفه رئيسا للبرلمان ،وهو ما زاد من حالة الإحتقان في الأوساط السياسية في البلاد وخاصة تلك التي لا تثق في التوجه الوطني لجماعة الإخوان ، وترى في حركة النهضة أحدى الأطراف المرتبطة بمشروع التنطيم الدولي للإخوان

وفي هذا السياق ،أعلنت النائبة عبير موسي  زعيمة الحزب الدستوري الحر أنها وضعت على ذمة النواب عريضة تطالب بسحب الثقة من رئيس مجلس البرلمان ، وقالت موسي، موجهة خطابها لرئيس المجلس "ليس من حقك بعد الاطلاع على أسرار الدولة ودواليب عملها وإفشاء أسرارها لجهات أجنبية".
وكتب زعيم حركة مشووع تونس محسن مرزوق تدوينة على صفحته بموقع فايسبوك قال فيها "ذهاب الغنوشي لاسطنبول لمقابلة أردوغان مباشرة بعد سقوط حكومة النهضة في البرلمان كما ذهب في مناسبات مماثلة يؤكد مرة أخرى بما لا مجال للشكّ فيه أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا."

واضاف "وطبعا سيخرج علينا من سيبحث عن عذر أقبح من ذنب هذا الارتهان اللاوطني العلني، فيقول مثلا انه ذهب هناك لبيع صابة زيت هذا الموسم والموسم المقبل أيضا. ولا مانع عند الأتراك شراء بعض زيتنا إذا كانت النتيجة "تزييت" أقفال قرارنا الوطني.ولكن هيهات. فهذا الوطن عصي على الغزاة."
ودعا مرزوق "أعضاء مجلس نواب الشعب الأحرار الى أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن تتحول مؤسسة رئاسة مجلسهم في شخص رئيس المجلس إلى حالة تبعية لدولة أجنبية؟"معتبرا ذلك " سبب إضافي لإحداث تغيير في رئاسة المجلس" ومضيفا انه يمكن "للسيد الغنوشي أن يذهب للقاء زعيمه التركي متى شاء ولكن بصفته الشخصية أما صفة رئيس البرلمان المؤتمن على سيادة الشعب، فهذا غير مقبول ولا يجب أن يتواصل"...
كما أكد النائب عن الكتلة الديمقراطية خالد الكريشي أن زيارة رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي إلى تركيا كانت ضارّة لتونس ومسّت من الدبلوماسية التونسية ‏مشيرا إلى أن تونس ليست ''إيالة'' عثمانية كما كانت ولن تكون بل هي دولة حرّة مستقلّة ذات سيادة وأنه لا مجال لتوظيف هذه الزيارة.

وأضاف الكريشي خلال الجلسة العامة المخصصة لمساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي اليوم الاربعاء أن الغنوشي أخطأ بزيارته تركيا ولقاء أردوغان.
وأوضح النائب عن الكتلة الديمقراطية منجي الرحوي أن زيارة رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي إلى تركيا ولقاء رئيسها رجب طيب أردوغان تأتي في إطار الاصطفاف وراء ذراع الاخوان في ليبيا المتمثلة في السرّاج قائلا إن المقر المركزي لمنظمة الاخوان المسلمين هو تركيا بقيادة أردوغان
وطالب الرحوي في تصريح لاكسبراس أف ام الغنوشي بالاستقالة من رئاسة مجلس النواب على خلفية زيارته غلى تركيا التي اعتبرها خطيرة قائلا إنه لا يمكن التفريق في كل مرة بين صفته الحزبية وصفته البرلمانية.
كما طالب الرحوي بمساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي، أمام مجلس الأمن القومي التونسي،وتحميله كامل المسؤولية اثر لقاءه بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان وزيارة الغنوشي الاخيرة لتركيا.

وقال الرحوي للغنوشي خلال الجلسة العامة "أنت لم تذهب بتفويض من طرف رئيس الجمهورية للقاء أردوغان وانما بصفتك الشخصية للتداول حول ما يحدث في المنطقة من تحديات على غرار الحرب الدائرة في المنطقة".
وشهد البرلمان التونسي يوم 15 يناير 2019 جلسة صاخبة شهدت هجوما حادا على زيارة الغنوشي الى تركيا من قبل عدد من الأحزاب الوسيطة الحداثية ، فيما إتجه نواب حركة النهضة وحلفائها للدفاع عن تلك الزيارة ، وعن العلاقات التي وصفها بالتاريخية والعريقة والوطيدة مع تركيا
وفي ردّه على الانتقادات، اكّد الغنوشي أنّ الصفة الرسميّة لأي مسؤول لا تلغي حياته الخاصّة او الحزبيّة، مؤكدا أنه لم يستخدم الموارد المالية والبشرية للمجلس خلال تنقله الى تركيا.


وانتقد الغنوشى ما وصفه بحالة الفوضى التي سادت سير أعمال الجلسة العامة قائلا "فوضى تمارسها هذه السيدة النائبة المحترمة" في إشارة إلى رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
وقال الغنوشي  إنه يمارس الديبلوماسية الشعبية أحيانا بضفته الحزبية وأحيانا بصفته الديبلوماسية، مشيرا إلى أنه وقبل سفره إلى تركيا أعلم رئيس الجمهورية قيس سعيد بذلك.
وتابع راشد الغنوشي أن رئيس الجمهورية حمّله السلام لرئيس تركيا، مؤكدا أن العلاقات التونسية التركية لم تبدأ مع قيس سعيد بل تعود إلى فترة الثورة.
وتابع الغنوشي  أن حكام تركيا ينتمون لقيم الحرية والديمقراطية، موضحا ان لقاءه بأردوغان كان في إطار الدعوة للسلم وليس التحريض على الحرب.


وفي تصريح للتلفزيون التونسي العمومي قال الغنوشي أنه يفخر بأن لديه علاقات جيدة مع كل الفرقاء الليبيين دون إستثناء ، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن طبيعة علاقاته مع مجلس النواب الليبي والحكومة المنبثقة عنه ومع القيادةالعامة للقوات المسلحة من جهة ، ومع أمراء الحرب وقادة الميلشيات ودعاة الإرهاب والتكفير المقيمين في تركيا مثل الصادق الغرياني وعبد الحكيم بالحاج من جهة أخرى
وبين  رئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفي أن اجابات الغنوشي عن أسئلة النواب خلال جلسة مساءلته لم تكن مقنعة كثيرا.وأضاف  "حيثيات الزيارة وظروفها وتوقيتها كلها أشياء تطرح عديد الاسئلة".


وشدد الناصفي في حوار لبرنامج "هنا شمس" على أنه غير مقتنع بالإجابات التي قدمها الغنوشي ، لافتا الى أن رئيس البرلمان السابق أن محمد الناصر عندما كان رئيسا لحزب نداء تونس لم يقم بأي زيارة خارجية بصفته كرئيس حزب وهو رئيس  للبرلمان .
ويشير المراقبون الى إنه من السذاجة القبول بتفسيرات الغنوشي لزيارته الى تركيا خصوصا وأنها توجت بإجتماع مغلق مع أردوغان كما أذاعته وكالة الأناضول الحكومية القريبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم ،

ويرى المراقبون أن حركة النهضة التونسية هي جزء من التحالف الإقليمي العقائدي والسياسي الذي يضم قطر وتركيا وقوى وتيارات الإسلام السياسي في المنطقة بما فيها جماعة الإخوان في ليبيا وحزب الوطن الجناح السياسي للجماعة الليبية المقاتلة ، وهذا الأمر واضح في توجهاتها وأدبياتها ، وتحول في جانب منه الى علاقات شخصية وطيدة على خلفية القناعات الفكرية الواحدة
ولا تخفي حركة النهضة التونسية دعمها ومساندتها لقوى الإسلام السياسي في ليبيا منذ العام 2011 ، وهي تعتبر الإطاحة بنظام معمر القذافي نصرا للخط الثوري الذي إنطلق مع ما يسمى بالربيع العربي ، وكانت لها علاقات قوية مع منظومة فجر ليبيا  ، بينما ترى أن المشير خليفة حفتر يقود إنقلابا على ثورة فبراير ، وتعتبره جزءا من المحور المعادي الذي يضم مصر والإمارات والسعودية ، وفق رؤيتها ، ووفق تصريحات قادتها ومضامين وسائل إعلامها والصفحات الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي ، وكذلك وفق القناعات التي تم ترسيخها في قواعدها الشعبية
وتنظر الحركة الى أن إنتصار الجيش الوطني الليبي وتحرير طرابلس يعني إنتصارا لمحور ما تصفه بالثورة المضادة ، ومن الطبيعي أن اقف في صف تركيا لمواجهته

وكانت حركة النهضة من أبرز الداعمين للثورات في ليبيا وسوريا وشعرت بالإنتكاسة بسبب ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر ، وبإنتصارات الجيش الوطني في ليبيا ، والإطاحة بنظام عمر البشير في السودان ، وفشل الإخوان في الوصول الى حكم الجزائر وموريتانيا ،
ووفق مصادر مطلعة ، فإن تحديد موعد زيارة الغنوشي لتركيا كان قبل أكثر من أسبوع ، مع الإعلان عن قرب الإنتهاء من تشكيل حكومة الحبيب الجملي وعرضها على البرلمان ، وصادف أن تمت بعد ساعات من الإطاحة بتلك الحكومة ، وهي الحادثة التي منعت الغنوشي من أن يكون الى جانب رئاسته البرلمان ، رئيسا لحكومة الظل في بلاده ، بما يعني إمتلاكه لكل مقاليد السلطة الفعلية ، التي كانت ستسمح له بالتعبير لأدروغان عن إستعداده لتنفيذ ما يراه مفيدا للمحور الإخواني وجناحه الليبي
كما أن زيارة الغنوشي  كانت للتأكيد على دعمه الشخصي والحزبي ومن موقعه البرلماني وكذلك من موقع تأثيره في الحكم ، لسياسات أردوغان  في ليبيا ، بإعتبار أن تحرير طرابلس من قبل الجيش الوطني والقضاء على الميلشيات وإستبعاد تيارات الإسلام السياسي من الحكم في ليبيا يعني ضربة موجعة لإخوان تونس ، وللحزام الإقليمي لمشروعهم ، وكذلك لتطلعاتهم الإقتصادية في الجارة الشرقية ،
وأكدت المصادر أن الغنوشي كان من أبرز المؤيدين داخل منظومة الحكم في تونس  لتحويل بلاده الى جبهة خلفية للحرب ضد الجيش الليبي ومنعه من التقدم نحر تحقيق أهدافه في تحرير بلاده ،

ووفق ذات المصادر فإن الغنوشي مرتبط رسميا بالنظام التركي وحساباته في المنطقة ، ومن الداعمين لتدخل تركيا في ليبيا بقوة ، وهو ما جعل عددا من الفاعلين السياسيين والمحللين والإعلاميين التونسيين يرون أن بلادهم كانت مؤهلة في حال تمرير حكومة الجملي ، وعدم إنتفاضة النخب والرأي العام ، لتمرير السلاح والمرتزقة عبر أراضيها الى الغرب الليبي كما طلب أدروغان وحكومة فايز السراج بذلك ، ولكن يقظة الشعب والقوى المدنية حالت دون ذلك.