بحثا عن الرعاية الطبية وهروبا من الحرب، يقصد الليبيون المصحات الخاصة في مدينة صفاقس الساحلية للمرة الثانية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، حاملين معهم روايات حديثة عن العنف الذي يتهدد البلاد.

فمنذ قيام الثورة التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي قبل ثلاث سنوات، فر حوالي 1.8 مليون ليبي - حوالي ثلث سكان ليبيا - إلى تونس. وفي الشهور الأخيرة، تدفقت موجة جديدة من اللاجئين على إثر القتال الذي اجتاح العاصمة الليبية طرابلس، هروبا من القصف العشوائي وإطلاق النار، علاوة على النقص في السيولة وانقطاع الكهرباء والوقود.

"لقد غرقت البلاد" يقول جمعة عبد الله، 68 عاما، وهو عامل في ضواحي طرابلس، انتقل للعاصمة طلبا لعلاج ابنه من آثار طلقات نارية تعرض لها. "لقد ساءت الأمور كثيرا وسيكون من الصعب أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه".

روايات اللاجئين حول القتال المحتدم مؤخرا توضح بجلاء أن العنف في ليبيا لا يزداد إلا سوءا. بينما في الجانب الآخر أدى هذا التدفق إلى انتعاش اقتصادي، لكنه يثير مخاوف من أن الوضع في ليبيا قد يمتد إلى تونس، التي تصارع بدورها .

وقد وصل مئات المقاتلين الجرحى من كلا الجانبين المتناحرين منذ شهر أغسطس الماضي بصحبة أقاربهم الذين اكتظت بهم مواقف السيارات التابعة للمصحات. يظهر أحد المقاتلين في المقعد الخلفي لإحدى السيارات التي نقلته، على عكازين نتيجة تعرض ساقه للإصابة. كما يأتي أيضا للعلاج مدنيون حوصروا في عمليات تبادل إطلاق النار أو أصيبوا خلال قصف عشوائي.

لكن معظم الجرحى ينتمون لوحدات الجيش في طرابلس ولميليشيات من منطقة الزنتان، غرب ليبيا، كانوا يقومون بحراسة منشآت حساسة كالمطار ومستودع الوقود وكلاهما تعرض للتدمير.

وقد هوجمت هذه المنشآت من قبل الميليشيات المتناحرة في مدينة مصراتة وحلفائها الإسلاميين هناك. ومع تصاعد القتال، اضطرت ميليشيات الزنتان إلى التراجع عن مواقعها لتصبح العاصمة تحت سيطرة مقاتلي مصراتة.

"كنت أحرس خزانات الوقود وأصبت مرتين على مستوى البطن كما أصبت بشظايا الرصاص في الظهر" يحكي منير أحمد، البالغ 34 عاما.

أما أحمد، وهو جندي تلقى تدريبه في جيش العقيد القذافي منذ سن 16 عاما، فقد انضم إلى الثورة في وقت مبكر من سقوط العقيد. وأصبحت الكتيبة التي ينتمي إليها جزءا من جيش وطني جديد. كان ضمن فريق مكون من 10 جنود مكلفين بحراسة صهاريج ضخمة لتخزين النفط في طرابلس عندما هاجمت الميليشيات المكان.

"قصفوا العربات عندما كنا فارين على متنها لتشتعل فيها النيران"، يضيف أحمد. "قتل جميع الركاب باستثناء واحد نجا من الهجوم"، لكن بساق مبتورة.

وقال إن مقاتلي هذه الميليشيات الإسلامية المعارضة، الذين يظهرون بملابس سوداء، يتهموننا بالكفر رغم أنهم مسلمون مثلنا. وأضاف "نريد الاستقرار"، "لكن هؤلاء الملثمين يقولون: 'الله ربنا' ويخاطبوننا، أنتم 'لا رب لكم'".

يصف المدنيون المصابون الصراع الدائر بكونه صراعا واضحا على السلطة بين الميليشيات المتناحرة.

"بعد ثلاث سنوات من تحرير ليبيا، تسعى المليشيات في الزنتان ومصراتة إلى الانفراد بالسلطة"، يقول محمد مفتاح السيد فيراس (33 عاما) والذي أصيب بعيار ناري في ساقيه عندما كان متجها بسيارته إلى منزله عائدا من مزرعة بالقرب من المطار.

وأضاف، "لقد دمروا المطار الذي يعتبر ملكا للجميع". "علما أنه ليس من مستوى عال كما الشأن لمطارات أخرى في دبي ، لكن الشعب هنا حُرم منه وعليه أن يقطع أربع ساعات حتى يصل إلى الحدود".

كما ضرب القصف العديد من منازل المدنيين وأجبر الناس على هجر أحياء بأكملها بجوار من المطار.

في أواخر يوليو، قتل طفل في الثالثة وثلاث نساء، من بينهن امرأة حامل، عندما اصطدم صاروخ طائش بمنزل يبعد حوالي ستة أميال من مطار طرابلس. وقال صاحب المنزل، غيث غنيب (75 عاما) وهو ضابط شرطة سابق إن الصاروخ حطم جدارا وانفجر في باحة المنزل. "لم يكن هناك خطرا في منطقتنا"، يقول الضابط السابق، لكن "هذا الصاروخ كان عشوائيا".

أما ابنته، حنان (32 عاما) التي تعمل مدرسة، فقد أصيبت بحروق بالغة جراء الانفجار أصبحت على إثرها مهددة بالعمى. فيما أصيبت أخت زوجته، ديبا نهاج، بشظايا على مستوى الصدر. كانت المرأتان في إحدى غرف المستشفى حيث لازالت الضمادات تغلف أطرافهما ورأسهما بعد مضي شهر من العلاج. "الواقع يصنع الشجاعة"، تقول السيدة غنيب.

"نتمنى أن يحل السلام"، تضيف. "نتمنى أن يعود الطلاب إلى مدارسهم ويعود الناس إلى منازلهم في أقرب وقت ممكن وأن تصبح الأمور مستقرة وهادئة".

لكن والدها الذي قال إن عدد الأسر التي فرت من هذا الوضع تقارب 100 أسرة فإنه لا يعتقد أن الصراع سينتهي قريبا. "هناك فوضى والناس يقاتلون من أجل السلطة".

بعض اللاجئين يأمل أن يحمل البرلمان الليبي المنتخب حديثا حلا لهذه الأزمة. فيما آخرون ينتظرون تدخلا دوليا، كما حدث سنة 2011.

"نحن أصدقاء، إننا نعرف أنه ما دامت الأمور لم تهدأ، فلن يكون لدينا استقرار هنا"، يقول رضا القلال، وهو مسؤول إداري تونسي في مصحة ابن النفيس، أكبر مصحة خاصة في صفاقس. "إن الوضع يستدعي تدخلا غربيا وكل الليبيين ينتظرون هذا التدخل".