تشهد العلاقات المغربية - الجزائرية تدهوراً مزمناً، بسبب تراكم الخلافات التي نشبت نتيجة قضية تقسيم الحدود، واستمرت إلى الآن. ومنذ ذلك الحين أصبح نظاما البلدين على طرفي نقيض، يتنافس كل واحد منهما على الريادة الإقليمية والقارية، إضافة إلى تبادلهما الاتهامات.
وبرزت إلى السطح في الأشهر الأخيرة خلافات حادّة بين الجزائر والمغرب، اتخذت واجهات متعددة من الشد والجذب،وكان آخر تطور في تدهور علاقات البلدين إعلان وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، اغسطس الماضي، قطع بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، "على خلفية أفعاله العدائية المتواصلة ضد الجزائر"، محملاً صناع القرار في المغرب مسؤولية تردي العلاقات بين البلدين، بسبب دعم الرباط منظمتين إرهابيتين ضالعتين بالحرائق الأخيرة، التي اندلعت في الجزائر. وأشار الوزير الجزائري إلى أن قطع العلاقات مع المغرب لا يعني تضرر مواطني البلدين، وستمارس القنصليات دورها المعتاد.
وأعرب رئيس الحكومة المغربي، سعد الدين العثماني، عن تفاجئه من التوجه الجزائري، معبراً عن أسفه الشديد، باعتبار أن تلك الخطوة تأتي بعد الدعوة الثالثة التي وجهها الملك محمد السادس، ومد من خلالها اليد للمصالحة، وبدء الحوار مع الإخوة في الجزائر دون شروط.
في ذات الصدد،نشرت وسائل إعلام موريتانية في شهر نوفمبر خبر مقتل ثلاثة سائقين جزائريين في الصحراء الغربية. نفت موريتانيا وقوع ذلك على أراضيها، لكن الجزائر أكدت الخبر بعد ثلاثة أيام، وتحديدا في قرب منطقة بئر لحلو التي تقع غلى المنطقة العازلة المحاذية للجدار الرملي الذي أقامه المغرب في الثمانينات من القرن المضاي، وينشط عناصر جبهة البوليساريومن حين لآخر في تلك المنطقة على الجانب الشرقي من الجدار.
الجزائر اتهمت المغرب بتنفيذ العملية وتوعدت بالرد، كما ركزت وسائل إعلام جزائرية على فرضية هجوم من طائرة درون، خصوصا أن المغرب استخدم هذا السلاح مؤخرا في المناوشات مع مقاتلي جبهة البوليساريو. لكن المغرب لم يرد في بلاغ أو تصريحات رسمية، وجاء الرد عبر مصادر "مسؤولة" نفت للصحافة الاتهامات الجزائرية وأرجعت ما جرى إلى انفجار ألغام أرضية.
على الرغم من العلاقة التي تتسم بالفتور بين الجزائر و المغرب إلاّ أن حادثة سقوط الطفل المغربي ريان في البئر أذابت الجليد بين البلدين حيث تفاعل الرأي العامل الجزائري الحادثة بكثير من التعاطف والدعاء على أمل إنقاذه وإعادته إلى حضن والديه.
وإلى جانب وسم "أنقذوا ريان" الذي تصدر الترند في الجزائر على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، تناقلت الشبكات، بعض الصور التي تظهر تضامن الجزائريين مع ريان وأسرته.
وغرد نجوم الكرة الجزائرية وعلى رأسهم لاعب فريق "مانشستر سيتي" الإنجليزي رياض محرز، متضامنا مع ريان قائلا: "كن قويا"، مرفقا ذلك بوسم "أنقذوا ريان".
وقال البرلماني الجزائري السابق، نور الدين بلمداح على صفحته بفيسبوك: "عندما تصبح أمنية الجزائريين حاليا خروج الطفل ريان سالما معافى بإذن الله تفهم طيبة وحنية الجزائريين وتعلقهم بجيرانهم وإخوانهم المغاربة".
وعبّر مئات الجزائريين بينهم صحافيون ونشطاء عن تضامنهم مع الطفل ريان وعائلته من خلال تدوينات وتغريدات على المنصات الاجتماعية وخصوصا فيسبوك وتويتر، وجرى مشاركة الأخبار الواردة من المغرب بشأن "طفل البئر"على نطاق واسع.
وقال موقع "الشروق أونلاين"الجزائري إن جزائريين كثر تضامنوا مع الطفل ريان المغربي، بعد أن ذكرتهم الحادثة بالشاب محجوبي الذي توفي قبل سنوات بولاية المسيلة جنوب شرقي البلاد.
وعلّق الصحافي الجزائري إيدير دحماني، عبر صفحته على فيسبوك بالقول: "قلوبنا في المغرب مع الطفل ريان الذي لا يزال عالقا داخل بئر في حين تتواصل عمليات الحفر لإخراجه".
ونشر الناشط هشام ديما، صورة عبر صفحته على فيسبوك تضمنت خريطة الجزائر وعليها اسم ريان في مختلف ولايات البلاد.
وعلق بالقول: "تضامن جزائري كبير مع الطفل المغربي ريان.. مواقع التواصل الاجتماعي كلها تدعو لسلامته.. 44 مليون جزائري يرددون يا رب أخرجه سالما".
وفي ذات السياق، رأى الكاتب والصحفي الجزائري عزيز بوباكير، أن ريان "هزم لوحده دعاة الفتنة والحرب في البلدين"، معتبرا أن ذلك "أهم درس من الحادثة التي شغلت الرأي العام المغاربي والعالمي".
وكتب بوباكير على حسابه بفيسبوك: "انتصرت براءة ريان على قارعي طبول الحرب في زوج بغال..أهم درس"، وزوج بغال هو اسم منطقة المعبر الحدودي البري المغلق منذ سنة 1994، بين الجزائر والمغرب.
وضجت وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب برسائل الشكر والثناء على تضامن الشعب الجزائري مع الطفل ريان في محنته، معبرين عن امتنانهم للشعب الشقيق.
وكتب الناشط المغربي سفيان في حسابه بفيسبوك: "شكرا للشعب الجزائري على التضامن الذي يفرح القلب.. فرغم التحريض والفتن إلا أن الذي يجمعنا أكثر مما يفرقنا.. وإنما هي أخوة في الواقع أكثر من حرب في المواقع".
إلى ذلك يرى مراقبون أن التضامن بين الشعبين استجابة طبيعية للعواطف التي تربط بينهما فكل إنسان له قلب يتحرك وعاطفة تميل إلى المبادئ الأخلاقية لا بد أن تثيره هذه القصة فأي مأساة تصيب واحدا من البلدين لا بد وأن تثير البلد الآخر، حيث تضامن الشعب المغربي مع الجزائريين خلال الحرائق التي ضربت منطقة القبائل بالجزائر، الصيف الماضي، وكيف عرض كثير من المغاربة التنقل للجزائر من أجل المساعدة في إخماد النيران.
جدير بالذكر أنه تم الإعلان عن وفاة الطفل ريان الذي ظل عالقا في بئر مدة خمسة أيام، رغم الجهود المضنية لفرق الإنقاذ.
وأعلن الديوان الملكي المغربي وفاة الطفل ريان الذي ظل عالقا في بئر لأيام في قرية إغران بمدينة شفشاون شمال المغرب. وخيمت أجواء من الحزن والأسى على المواقع الاجتماعية العالمية التي تابعت عمليات الإنقاذ على مدار الساعة.