صور مأساوية رافقت أزمة الحرائق التي عاشتها الجزائر لتتضرّر فيها 18 ولاية وتمسّ مخلفاتها قرابة 26 ولاية أخرى ويذهب ضحيتها 90 قتيلا من بينهم 33 عسكريا على امتدادا أسبوع من موجة حرائق عاتية هزت الجزائر وخلفت خسائر مادية وبشرية فادحة. وجراء هذه الحرائق أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حداد وطني لمدة ثلاثة أيام مع تجميد كل الأنشطة الحكومية وغيرها لتعيش البلاد أياما حزينة على خلفية "المأساة المريعة" التي سببتها الحرائق.
"المشهد فظيع، وما من كلام كافٍ لوصفه.. "لم يسبق أن رأيت شيئا كهذا من قبل" هكذا تحدّث شاهد عيان لأحد المواقع الإعلامية العربية، مضيفا بألم كبير "ما زلت أشم رائحة الأجساد المحترقة.. رائحة لا تحتمل، وهي لا تفارقني". صور الألم والمأساة تداولتها وسائل الإعلام المحلية والإقلمية والعالمية ومواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. ألسنة اللهب تتصاعد من كل مكان بشراسة، الحيوانات متفحمة ومنها من لفظ أنفاسه واقفا ومنها من خرجت أمعاءه و...والألم ورائحة الدخان والموت تفوح في ولايات جزائرية كثيرة. .
وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة بمعدلات قياسية الجفاف،إلى مزيد اندلاع وانتشار النيران على نطاق واسع في الغابات والأحراش الجافة متسببة بذلك في أسوأ تدمير للثروة الغابية الجزائرية. حيث تبلغ مساحة الغابات في الجزائر أكبر دولة في إفريقيا، 4,1 ملايين هكتار. وحسب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن أغلب الحرائق مفتعلة وقد تم توقيف 22 شخصا يشتبه فيهم .
أظهرت التقارير التي أوردتها السلطات المحلية والحماية المدنية ووزارة الدفاع أن حصيلة الضحايا حتى أواخر الأسبوع الماضي بلغت 90 حالة وفاة منذ يوم الاثنين 9 أغسطس/أوت 2021. وذكرت الحماية المدنية الجزائرية أن "42 حريقا مازال جاريا في 15 ولاية"، بما في ذلك 14 في تيزي وزو و7 في بجاية ، في منطقة القبائل، المنطقة الأكثر تضررا. وأفاد المصدر ذاته في تغريدة على تويتر أنه "تمت السيطرة على تسع حرائق في أربع ولايات"، وتم تحديد مائة حريق وسط الأسبوع في جميع أنحاء البلاد. من جهتها أضافت المديرية العامة للحماية المدنية في الجزائر أنها أخمدت 43 حريقاً في 20 ولاية خلال السبت الماضي. وحسب آخر الإحصائيات فقد أتت النيران على قرابة 15 ألف هكتار لكنه لم يتم إلى حدود اليوم تحيين هذه الإحصائيات من السلطات الرسمية.
كما أكدت الحماية المدنية، في بيان لها، أن مروحيات المجموعة الجوية للحماية المدنية والجيش نفذت 235 عملية قصف مائي ناهيك عن 172 عملية قصف بالمياه في تيزي وزو وبجاية وجيجل. وأضاف البيان: "تم تجنيد إمكانيات مادية وبشرية هائلة تتمثل في 7500 عون حماية مدنية، و490 شاحنة إخماد بالإضافة إلى 3 مروحيات من المجموعة الجوية للحماية المدنية و5 مروحيات للجيش الوطني الشعبي وكذا طائرتين كنادير" مخصصتين لإخماد الحرائق. كما يواصل رجال الإطفاء والعسكريون والمتطوعون محاولات المساعدة والمعاضدة في تطويق الحرائق وكبح جماح انتشارها.
ومع هذه الأزمة الغير مسبوقة خاصة مع الإنتشار الواسع للحرائق في ولايات جزائرية عديدة لم تشهدها الجزائر من قبل رغم تجدّد معظلة حرائق الغابات بالبلاد كل سنة، انطلقت الحملات التضامنية المحلية حيث هب الجزائريون من مختلف الولايات للمساعدة إما بالمساهمة في عمليات الإطفاء والإجلاء أو في تقديم المساعدات المادية. كذلك تحركت دول الجوار المغاربية حيث أعلنت الخارجية المغربية في بيان لها استعداداها لمساعدة الجزائر في مكافحتها الحرائق التي تلتهم غاباتها.
بينما أرسلت تونس طائرة لإخماد الحرائق وأعرب الرئيس التونسي قيس سعيّد عن خالص مواساته للشعب الجزائري في هذه المحنة وأكد استعداد تونس الدائم لدعم الشقيقة الجزائر التي لم تتخلف يوما عن معاضدة تونس في مقاومة أزماتها.
من جانبه قدم الرّئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لنظيره الجزائري في اتصال هاتفي تعازيه الخالصة إثر مقتل عدد من المواطنين، جراء الحرائق التي شهدتها الجزائر، مؤكدا "تضامن الشقيقة موريتانيا شعباً وحكومة مع الشعب الجزائري لتجاوز هذا الظرف العصيب" وفق بيان للرئاسة الجزائرية.
أما إقليميا فقد تدخّلت قاذفتان فرنسيتان مائيتان وفرتهما باريس عبر الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى طائرة اتصال بشكل مكثف في منطقة القبائل، كما أرسلت إسبانيا طائرتان تصل طاقة استيعابها إحداهما إلى 3.000 لتر من الماء لتعزيز وسائل مكافحة الحرائق التي تجتاح البلاد. وأعلنت السلطات الجزائرية أن روسيا عرضت وضع أربع طائرات لإخماد الحرائق تحت تصرف الجزائر، ولكن "بسبب عدم وجود تصاريح التحليق من اليونان وقبرص" فقد تأخر وصولها. ذلك إضافة إلى طائرة سويسرية أعلن الرئيس الجزائري عن قرب وصولها من أجل معاضدة الجهود الوطنية لإخماد الحرائق المستعرة منذ أكثر من أسبوع.
من جانبهاوضعت الهيئة الجزائرية لحماية وترقية الطفولة، رقمها الأخضر المجاني 1111 تحت تصرف مواطنِي المناطق المتضرّرة من الحرائق، وذلك لتقديم المتابعة والمرافقة النفسية للأطفال وأُسرهم من طرف أخصائيين نفسانيين من الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، حسب ما أفاد به أمس الأحد بيان لذات الهيئة.
ويهدف هذا الإجراء للتخفيف من آثار الصدمة النفسية التي تركتها الحرائق الأخيرة لدى العائلات والتي مست عددا من الولايات الجزائرية، مخلفة ضحايا وجرحى يضيف المصدر نفسه.
كما قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بزيارة جرحى الحرائق بعدد من المستشفيات المحلية على غرار مستشفى عين النعجة العسكري و المستشفى المدني الدويرة بالجزائر العاصمة، وحيا الرئيس تبون، العساكر بمستشفى عين النعجة، ووصفهم بأبطال الواجب الوطني و بالمجاهدين. وخلال تفقده الجرحى قال الرئيس تبون أنه سيتم معالجة المصابين بالحروق في أي مستشفى آخر يملك الإمكانيات حتى وإن اقتضى الأمر سنرسل المصابين بالحروق للعلاج في الخارج. كما أكد تبون، على أن الحرائق المشتعلة في وقت واحد مفتعلة وستسمعون وترون الحقيقة.
أعلن مسؤول في المديرية العامة للحماية المدنية الجزائرية أواخر الأسبوع الماضي أن معظم حرائق الغابات الكبيرة المنتشرة في شمال الجزائر تحت السيطرة ولم تعد تشكّل خطرا على المواطنين. وتعاني الجزائر كل عام من حرائق الغابات في شمال البلاد. ففي عام 2020 فقط، أتت النيران على 44 ألف هكتار من المساحات الحرجية، ما يجعل منها كارثة سنوية تهدد الثروة الغابية الجزائرية.