تغرّد أصوات خارج السّرب، تنادي وتغالي، من أجل تدخل عسكري في ليبيا الشقيقة، تشارك فيه الجزائر، لكن هذه الأخيرة، تكريسا لمبادئها وعقيدتها العسكرية والدبلوماسية، ترفض هذا الخيار جملة وتفصيلا.

لقد ربطت بعض التحليلات زيارة قائد أركان الجيش الفرنسي، والزيارة القريبة لوزير دفاع فرنسا، بممارسة باريس لـ"ضغط" على الجزائر، ينتهي باستجابتها للمشاركة في "حرب استنزاف" بليبيا، رغم أن الجزائر عبّرت مرارا وتكرارا عن رفضها للخيار العسكري بليبيا، ودعوتها إلى لغة الحوار والتفاوض والسلم والصلح بين الأشقاء الفرقاء.

المحللون حذّروا من دخول الجزائر إلى المستنقع الليبي، وإن كانوا قد أجمعوا وجزموا بأن الجزائر لن تشارك أبدا في الحرب لوقف هذه الحرب الملعونة التي تستبيح دماء الأبرياء والعزل والمتهارشين على العرش!

لقد أكد خبراء أمنيون وضباط سابقون، بأن دخول ليبيا سوف لن يكون كالخروج منها، ولذلك تحاول فرنسا جرّ الجزائر إلى هذا المستنقع، بعد تجارب مرّة لـ"المعسكر الغربي" وتحديدا الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق والصومال!

لقد حاولت فرنسا جرّ الجزائر أيضا إلى حربها في مالي، قبل نحو السنتين، فكانت الفاتورة بـ"أقل الخسائر"، وها هي فرنسا تسعى الآن إلى جرّ الجزائر إلى حرب متوقعة في الجارة ليبيا، التي يتمنى لها الجزائريون كلّ الخير، فسبحان من علاك سبحان من جلاك أيها السلم تجلى.

لم تكن الجزائر بعيدة عن التطورات والمخاطر التي عرفتها ليبيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وحذّرت من الانزلاق، ودعت إلى خيار الحوار والسلم، ورفضت ترجيح كفة جناح على حساب جناح آخر، طالما أنهم إخوة في الدين والوطن، ورغم الإشاعات والدعايات التي أثارها مشبوهون من هنا وهناك، إلاّ أن الجزائر حافظت على نفس المسافة مع كل الفصائل والأطراف السياسية، مع تأكيدها لاحترام اختيار الشعب الليبي ورفض الخيار المسلح مهما كان مصدره ومبرره.

لم تمرّ "الثورة" في ليبيا، بردا وسلاما على كامل المنطقة، وسرعان ما تطورت بعد تصفية العقيد معمّر القذافي، إلى "حرب مليشيات" ثم "حرب عصابات" وحاليا "حرب شوارع" أو "حرب أهلية" تستهدف العمق الليبي وأمن واستقرار الشعب الشقيق وتستهدف ثروات ومقومات وبنية وسيادة ليبيا.

واقع مرّ ومؤسف ونتائج مأساوية ودرامتيكية، وضحايا وأضاح بالآلاف، وسلاح منتشر في ليبيا وخارجها، ودولة شبه منهارة، وشعب مشتت، ومستقبل مجهول، ورائحة موت في الطرقات، وها هي فرنسا تريد التدخل باسم "إنقاذ" ليبيا، بعدما اجتمع "أصدقاء ليبيا" قبل عدّة أشهر بباريس، من أجل "إعادة إعمار" ليبيا، لكن ليبيا لم تعمّر ولم تتعمّر ولا هم يحزنون!

 

عن الشروق الجزائرية