ما خلفية الحرب الكلامية التي اندلعت في الأسبوع الأخير، قبل انتخابات الرئاسة الجزائرية المقررة يوم الخميس المقبل، بين أقوى مرشحين، هما الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس حكومته الأسبق علي بن فليس؟

بداية، من المعلوم أن كلا المرشحين ينتميان إلى الحزب الحاكم في الجزائر، جبهة التحرير الوطني، حيث يرأس بوتفليقة الحزب (الأفلان) شرفياً حتى اليوم، بينما تولى بن فليس منصب أمين عام الحزب حتى عام 2003، لكنه بقي مناضلاً في صفوف الحزب، الذي يعيش حالة انكسار منذ 10 سنوات بسبب الخلاف العنيف بين بوتفليقة وبن فليس.

ويرى المراقبون أن صراع الثنائي بوتفليقة وبن فليس له رهانات داخلية وليست خارجية، باعتبار أن الرجلين يضمنان مصالح وعلاقات شركاء الجزائر الأجانب، خصوصاً باريس وواشنطن، سواء ما تعلق بعقود النفط أو ملف محاربة الإرهاب الدولي.

فقد عمل بوتفليقة وبن فليس لمدة ثلاث سنوات (2000- 2003) معاً وبتنسيق كبير لمعالجة الأزمة الأمنية ولتسديد الديون الخارجية، وكان بن فليس رجل بوتفليقة في الجهاز الحكومي، ومكّن هذا التعاون الثنائي من إنزال ما لا يقل عن 7000 مسلح ينتمون لما كان يسمى "الجيش الإسلامي للإنقاذ".

وتكفلت حكومة بن فليس في وقت لاحق وخلال تلك الفترة، بتدبير "مخارج" قانونية واجتماعية لهؤلاء المسلحين، من خلال منحهم مساكن ومحلات ومساعدات مادية لإدماجهم في المجتمع ومنعهم من العودة إلى الجبال.

بداية الخلاف.. طموح بن فليس

لكن سرعان ما ظهر الخلاف بين الرجلين، في آخر سنة 2003 قبيل انتخابات الولاية الثانية لبوتفليقة، عندما أعلن بن فليس عن نيته في الترشح للرئاسة.

وقيل وقتها إن علي بن فليس هو خيار بعض جنرالات الجيش، وعلى رأسهم قائد الأركان الراحل محمد العماري. وتردد أن الجيش اختلف مع الرئيس بوتفليقة في كيفية إدارة ملف المصالحة الوطنية، فقرر إبعاده من خلال دعم بن فليس، ليكون رئيساً للبلاد.

لكن قوة الرئيس بوتفليقة وإمساكه بملف المصالحة، وتلويحه بمحاكمة بعض قيادات الجيش أمام المحاكم الدولية، جعل الأمور تحسم لصالحه في هذا الصراع، الذي انتهى بـ"إحالة" الفريق العماري إلى التقاعد، وتعويضه بالفريق قايد صالح رئيس الأركان الحالي ونائب وزير الدفاع.

وبعد الخسارة الكبيرة التي مُني بها علي بن فليس في انتخابات 2004، رجع إلى بيته وانطوى لمدة 10 سنوات، لكنه كان على تواصل مع مسؤولي البلاد، ومع عدد من قيادات جبهة التحرير الوطني، التي كانت تنتظره عام 2009، ليترشح مجدداً، لكن بوتفليقة كان أسرع، عندما قرر تعديل الدستور في نوفمبر 2008، وإسقاط مادة تحديد العهدات الرئاسية باثنتين فقط، ليمنح نفسه ولاية ثالثة.

مرض بوتفليقة وانتعاش حظوظ بن فليس

ويقول المختصون في الشأن الجزائري إن مرض الرئيس بوتفليقة الأول في 2005 ومعاودة المرض بصورة أقوى في 2013، عملت بشكل حاسم على عودة الأمل لدى علي بن فليس كي يخلف الرئيس بوتفليقة.

كما يقول البعض إن محاولة بوتفليقة "توريث" الحكم لشقيقه السعيد بوتفليقة، قبيل ثورات الربيع العربي (2011)، جعلت جناحاً في المؤسسة العسكرية، يغضب من بوتفليقة، ويعمل على تعويضه ببن فليس.

وقد ظل بن فليس صامتاً احتراماً لعلاقاته مع "الدولة العميقة" في الجزائر، وانتظاراً لفرصة رحيل بوتفليقة المريض، وخلال الأشهر التي غاب فيها بوتفليقة في مستشفى فال دوغراس العسكري بفرنسا (2013)، تردد في الجزائر أن الجيش جهز بن فليس لخلافة بوتفليقة، رغم وجود منافس قوي اسمه أحمد أويحيى.

ويفضل كثيرون القول إن بن فليس أقوى حظاً من أويحيى لخلافة بوتفليقة، لعدة أسباب، أبرزها أنه ابن حزب جبهة التحرير الوطني وينحدر من منطقة تعتبر تقليدياً مصدر الحكم في الجزائر، وهي شرق الجزائر، كما أن بن فليس رجل قانون ويحظى بقبول شعبي أكثر من أويحيى.

ملف شكيب خليل.. وخوف بوتفليقة

غير أن الحملة الإعلامية التي طالت بعض رجال بوتفليقة، وعلى رأسهم وزير النفط شكيب خليل بتهمة فساد وتلقي رشاوى في شركة سونطراك البترولية، ولّدت الانطباع لدى جناح الرئيس بوتفليقة، أن انسحابه من الحكم، سيعجل بـ"الانتقام" منه ومن رجاله.

وهذا ربما ما يفسّر "انقلاب" بوتفليقة وتراجعه عن تسليم الحكم، مثلما وعد في خطاب ولاية سطيف الشهير عام 2012، الذي قال فيه إن "جيله انتهى وسيسلم المشعل لجيل الاستقلال".

فبعد هذا الخطاب فتح بوتفليقة ورشة سياسية لتعديل الدستور، وكان ينتظر أن يجري تعديلات تنتهي بتسليم السلطة لواحد من جيل الاستقلال، أو على الأقل لواحد من الجيل الذي لم يشارك في ثورة التحرير، وبن فليس أحد هؤلاء.

لكن كل شيء تأجل فجأة عقب عودة الرئيس بوتفليقة المريض من باريس، وشروعه في تعديل الحكومة وإحداث تغييرات في الجيش، وفهم وقتها أن بوتفليقة جاء ليصحح بعض الأمور التي حدثت في غيابه، ومعناه وقف "محاولة استخلافه سواء ببن فليس أو أحمد أويحيى".

ويكون الرأي العام الدولي قد انتبه للحرب الإعلامية التي قادها أمين عام الحزب الحاكم عمار سعداني، المقرب من بوتفليقة، ضد مدير المخابرات الجزائرية، الجنرال محمد مدين، المعروف باسم توفيق.

قبل أن يتدخل بوتفليقة، ويعلن بقاء مدير المخابرات في منصبه، ويدعو سعداني للتوقف عن مهاجمة مؤسسة الجيش والمخابرات. وفهم البعض هذه التصريحات على أنها دليل توافق جديد بين قادة الجيش لمرور بوتفليقة لولاية رابعة.

هنا، قد يسأل البعض: لماذا ترشح بن فليس مادام بوتفليقة سيفوز بمباركة الجيش؟ الجواب عند مراقبين يقولون: إن بن فليس تلقى ضمانات بعدم التدخل في "صياغة" نتائج الانتخابات، كما أنه مازال يعوّل على ورقة مرض بوتفليقة، ليكون في منصب القيادة إذا حدث مكروه للرئيس.

وهناك من راح يفسر انتقادات بوتفليقة عبر التلفزيون الحكومي، لخصمه بن فليس، بالقول إن بوتفليقة شعر بأن بن فليس نجح في استغلال غيابه لكسب شعبية خلال الحملة الانتخابية.

ومن المهم الإشارة إلى أن الظروف السياسية التي تمر بها الجزائر عام 2014، تعتبر - حسب المراقبين - أخف وطأة مقارنة بظروف الأزمة السياسية التي تلت أحداث أكتوبر 1988، لعدة أسباب منها مثلاً أن القدرة المالية للجزائر حالياً تسمح بالاستجابة للمطالب الاجتماعية ومنع تحولها إلى مطالب سياسية، فضلاً عن تخوف مكبوت لدى الجزائريين من العودة إلى سنوات الحرب الأهلية.