في مايو/أيار الماضي، استضافت باريس اجتماعاً، جمع لأول مرة رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح. واتفق المسؤولون الليبيون الاربعة يومها على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في العاشر من ديسمبر واحترام نتائجها، كما اتّفقوا على توحيد مؤسسات الدولة ومن بينها خصوصا البنك المركزي.
لكن هذا الإتفاق مازال في مهب الخلافات خاصة في ظل معارضة إيطاليا للوساطة الرنسي وذلك في إطار التنافس القائم بين القوتين الاستعماريتين السابقتين، على النفوذ في ليبيا الغنية بالنفط والغاز. ناهيك عن الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد والتي باتت تثير الشوك حول نجاح العملية الإنتخابية في البلاد.
** مؤتمر ايطالي
إلى ذلك،تتحرك إيطاليا بسرعة لقطع الطريق أمام التحركات الفرنسية في الملف الليبي،حيث أعلن وزير الخارجية الإيطالى إنزو موافيرو ميلانيزى،الأربعاء،عن رغبة بلاده فى تنظيم مؤتمر دولى حول ليبيا فى صقلية خلال النصف الأول من نوفمبر المقبل، وذلك بحضور أطراف ليبية فاعلة، فضلا عن الاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية.
وقال ميلانيزى فى إحاطة أمام للجان الشئون الخارجية بالبرلمان الإيطالى، إن روما تريد عقد المؤتمر فى صقلية "بشكل رمزى فى أرض تعنى اليد الممدودة فوق البحر المتوسط"، وفقا لوكالة "أنسا" الإيطالية. وأضاف ميلانيزى أن المؤتمر سينظم وفقا لـ"صيغة روما"، بحضور الجهات الفاعلة المختلفة على الساحة الليبية، فضلا عن الاتحاد الأوروبى والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
هذا وجدد ميلانيزي التأكيد على أن بلاده "تعارض" إجراء انتخابات في ليبيا في 10 ديسمبر كما تطالب بذلك فرنسا. وقال الوزير الإيطالي "نحن نعارض الموقف الفرنسي القائل إن إجراء انتخابات في ليبيا يجب أن يتم في 10 ديسمبر". وأضاف بحسب ما نقلت عنه وسائل الإعلام الإيطالية إن هذا التاريخ يجب أن "يُعاد النظر فيه" ريثما تتوفر فعليا الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات.
و لم ينسى الوزير الإيطالي، التأكيد على أن روما لا تسعى خلف نزاع مع فرنسا حول هذا الملف، لافتا إلى وجود "بعض وجهات النظر المشتركة" بينه وبين نظيره الفرنسي جان-إيف لودريان في ما خص الأزمة الليبية.
** تمسك فرنسي
وفي المقابل،تواصل فرنسا تمسكها بموقفها الخاص بالسعي لإجراء انتخابات في ليبيا بنهاية العام الجاري.وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أغنيس فون دير مول، للصحفيين في إفادة يومية:"فرنسا ستواصل دعم جهود السلطات الليبية والأمم المتحدة، هي وشركاؤها؛ لضمان استمرارية العملية السياسية وخاصة إجراء الانتخابات بنهاية العام".
والأسبوع الماضي شدّدت فرنسا خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول ليبيا على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في هذا البلد في 10 ديسمبر المقبل تنفيذاً للاتفاق الذي تم التوصّل إليه في باريس في أيارالماضي، مؤكّدة أن إجراء الانتخابات هو السبيل الوحيد لإخراج البلاد من الوضع الراهن.
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية، أن الوزير جان ايف لودريان تناول في اتصالين هاتفيين منفصلين مع مع أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومبعوثه الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة آخر تطورات الأوضاع في ليبيا.وخلال الاتصالين أكد وزير الخارجية الفرنسي، دعم بلاده للوساطة الأممية في الشأن الليبي، وفق ذات البيان.
ويضاعف المسؤولين الفرنسيين،جهودهم على كل المستويات،فوزير الخارجية جان إيف لو دريان زار ليبيا ثلاث مرات، آخرها في 24 من يوليو /تموز الماضي، كما أنه على تواصل دائم مع كل الأطراف الموقعة على "ورقة" باريس ومع الجهات غير الموقعة. واستضاف لرئيس الفرنسي اجتماعين رئيسيين بشأن ليبيا: الأول صيف عام 2017 في قصر سيل سان كلو، والثاني في قصر الإليزيه في شهر مايو /أيار الماضي.
** شكوك ليبية
ورغم التفاؤل الذي أعقب إتفاق باريس،فإن الشكوك باتت تخيم على مساعي الذهاب للإنتخابات.ففي تطور جديد، قال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، إن الأوضاع في ليبيا غير مستقرة بما يسمح بإجراء انتخابات، مما يلقي شكوكا حول مسعى تقوده فرنسا لإجراء انتخابات في ديسمبر المقبل لإنهاء الفوضى وتوحيد البلاد
وأضاف السراج، خلال مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية،"لا يمكن الانتخاب في ظل عدم الاستقرار بالشوارع، ومن الضروري أن يقبل الجميع نتيجة الاقتراع ونحن بحاجة لقواعد مشتركة"، وفق ما نقلت وكالة رويترز الأربعاء.
وأكد السراج، أنه يتحتم على الفصائل الاتفاق على دستور قبل إجراء أي انتخابات، قائلا:"أجرينا محادثات عن الانتخابات في باريس ولكن يتعين أولا إجراء استفتاء على مشروع الدستورية التي تم إعدادها لكن لم تتم الموافقة عليها".وعبر السراج عن أسفه حول عدم دراسة مجلس النواب بطبرق مشروع الدستور بعد، متسائلا:"بغير دستور كيف يمكن إجراء انتخابات عامة؟"
وشهدت العاصمة الليبية تصاعدا في أعمل العنف،حيث قتل أكثر من 50 شخصاً على الأقل منذ 27 اغسطس الماضي في معارك اندلعت بين الميليشيات المسلحة في الأطراف الجنوبية للعاصمة طرابلس ولم تتوقف إلا الثلاثاء 04 سبتمبر حين أعلنت بعثة الأمم المتحدة عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ورغم ذلك،استمرت حالة الفوضى الامنية في العاصمة طرابلس،حيث تعرض المطار الرئيسي في ليبيا مطار معيتيقة الى قصف عنيف،وذلك بعد يومين من هجوم مسلح استهدف المؤسسة الوطنية للنفط وخلف قتيلين وعددا من الجرحى وهو هجوم تبناه تنظيم "داعش" الارهابي،الذي يؤكد الخبراء أنه يستغل الاوضاع الامنية االمتدهورة لتنفيذ عملياته الإرهابية.
** شروط الانتخابات
جدد المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة،الثلاثاء، التأكيد على ما ذكره في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، حيث شدد على ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا وعلى إمكانية العمل من أجل استيفاء شروط إجرائها.
وقال في مقابلة نشرتها صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية:"لإجراء الانتخابات، بالطبع، من الضروري توفر بعض الشروط. وسيكون من الضروري الاجتهاد لاستيفاء هذه الشروط، ولكن من الممكن تحقيقها".. موضحا أن الأمم المتحدة ملتزمة بجدية بهذا الهدف، وذلك أيضا بفضل دعم المجتمع الدولي.
كما أعاد المبعوث الأممي التذكير بأن الرأي العام الليبي أعطى مؤشرات واضحة: التغيير يجب أن يمر عبر الانتخابات، بطريقة سلمية وديمقراطية.
وبدورها أكدت ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني أنه لا يمكن إجراء انتخابات في ليبيا دون الاتفاق على إطار قانوني ودستوري واضح، ودون تهدئة الوضع الأمني.شددت موغريني، في كلمة أمام جلسة للبرلمان الأوروبي عقدت الثلاثاء، على ضرورة الاتفاق على إطار عمل دستوري قبيل إجراء انتخابات في ليبيا، وقالت:"سيكون من غير الحكمة انتخاب رئيس للبلاد في ظل الفراغ القانوني الذي تشهده ليبيا".
كما أشارت إلى أهمية توافر بيئة أمنية سليمة من أجل ضمان سلامة الانتخابات والناخبين، وأن تكون هناك ضمانات بقبول جميع الأطراف الليبية لنتائج الانتخابات مهما كانت.قالت موغريني إنه لا يحق لأي طرف تحديد موعد الانتخابات، سوى الليبيين أنفسهم. وقالت:"لهذا السبب هناك مفوضية الانتخابات، ونحن ندعمها. نحن نريد أن يكون الليبييون هم من يقودون العملية، وعلينا تقديم الدعم التقني والمادي".
وأشارت موغريني في كلمتها إلى أن أكثر من مليوني ونصف مليون ليبي سجلوا أسماءهم للتصويت في الانتخابات المقبلة.وطالبت ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جميع الأطراف الليبية باحترام اتفاق الهدنة في العاصمة طرابلس، والابتعاد عن الخطابات والبيانات التحريضية.
وتعيش ليبيا منذ سنوات على وقع صراعات سياسية وعسكرية متواصلة،وفشلت كل مساعي المصالحة الوطنية في البلاد على مدار الأعوام الماضية،في الإنتقال بالوضع الليبي من حالة الفوضى والتردي الأمني إلى الإستقرار وإعادة البناء.وجاء الحديث عن الانتخابات ليفتح الباب أمام الأمل في الخروج من الأزمة الخانقة وتحقيق المنشود.لكن تواصل الصراع الدولي على ليبيا واستمرار الانهيار الأمني في البلاد،بات يرسم علامة استفهام كبير حول مستقبل الاستحقاق الانتخابي القادم.