تشهد العاصمة طرابلس منذ أكثر من أسبوع، اشتباكات عنيفة بين اللواء السابع من جهة وكتيبة ثوار طرابلس والدعم المركزي بوسليم، "كتيبة غنيوة" من جهة ثانية، مخلفة عشرات القتلى ومئات الجرحى. كما تعيش العاصمة على وقع حالة انفلات أمني غير مسبوق نتيجة لهذا الاشتباكات. وفي خضم هذا المشهد المثخن بالعبثية يعيش المواطن الليبي حيرة حول مستقبل الوضع في طرابلس و إلى ما ستؤول الأمور في ظل هذه المؤشرات التي لا تنبؤ بحل قريب للأزمة.

الاقتتال الأهلي

حذّر مجلس النواب من نشوب حرب أهلية وفشل الانتخابات المقبلة. وتزامنًا مع هذه التطورات، يخوض الجيش الليبي مواجهات مع مسلحين أجانب وسط مدينة درنة. ودعت لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في البرلمان كل الأطراف إلى التهدئة وتجنيب العاصمة وسكانها ويلات الحرب والدمار، محذرة من أن استمرار الاقتتال، يهدد بتدمير المؤسسات، وسيؤدي إلى خروج الأمر عن السيطرة، ما ينذر بحرب أهلية تمزق البلاد. وأعلنت اللجنة تمسكها بالمبادرة الفرنسية لإجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل، داعية الأمم المتحدة إلى تحمل المسؤولية تجاه مقدرات الليبيين واستقرارهم.

وقالت بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا في بيان، إن دعوتها للاجتماع الطارئ، تأتي بناء على رغبة مختلف الفرقاء، بما فيهم حكومة الوفاق الوطني لإجراء حوار عاجل حول الأوضاع الأمنية الراهنة في طرابلس.  واستمرت المعارك أمس لليوم الثامن على التوالي بين مجموعات مسلحة في الضاحية الجنوبية لطرابلس، وسُمع دوي انفجارات خلال الصباح من وسط العاصمة.

انقلاب عسكري

إثر فرار نحو 400 معتقل من سجن عين زارة تواترت أنباء عن أعمال سلب ونهب في بعض ضواحي المدينة خلال المواجهات الدامية بين الميليشيات المتصارعة.  وقال مجلس النواب، إنه بسبب اشتباكات طرابلس وعدم تمكن عدد من النواب من الحضور إلى مقر المجلس في مدينة طبرق، تم تأجيل الجلسة التي كان يفترض أن تناقش أمس تعديل الإعلان الدستوري إلى الأسبوع المقبل. ودفعت هذا التطورات، بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى الإعلان بشكل مفاجئ عن إجراء ما وصفته بحوار عاجل وموسع حول الأوضاع الأمنية الراهنة في المدينة، يضم مختلف الأطراف المعنية، كان يفترض أن يعقد ظهر في مكان قالت إنها ستعلن عنه لاحقًا.

في هذا الصدد، شبّه مراقبون هجوم اللواء السابع القادم من ترهونة بالانقلاب العسكري، وسعى إلى طمأنة المواطنين، ومغازلة البعثات الدبلوماسية الأجنبية، لكن السفارة الإيطالية وهي السفارة الأجنبية الوحيدة في طرابلس بادرت إلى الطلب من دبلوماسييها ومواطنيها الذين يعملون في "إيني" وشركات أخرى، مغادرة العاصمة بسبب تردي الوضع الأمني.

مساع فاشلة للتهدئة

اتسمت جهود حكومة الوفاق بالفشل في الضغط على الميليشيات وإجبارها على وقف الاقتتال. ويشير مراقبون إلى أن الخطوة التي أقدمت عليها حكومة السراج بإعلان حالة الطوارئ خطوة رمزية تهدف إلى تسجيل الحضور، كونها عاجزة عن الإمساك بالملف الأمني في طرابلس وفوضت أمره للميليشيات والشخصيات السياسية التابعة لها.

ويقول محللون إن النافذين في الميليشيات اختاروا هذا الوقت في التصعيد لإرباك الوضع السياسي وإلغاء أي استحقاق انتخابي ومنع التغيير، وهذا بالطبع يخضع لأجندات خارجية لدول لها مصلحة في إبقاء الوضع الأمني القلق، وإدامة الأزمة السياسية بين الغرب والشرق وتحويلها إلى أرضية لتثبيت الانقسام الذي يعد أفضل ضمانة للمصالح الأجنبية.

من ذلك،دعا المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي كارلوس مارتن رويز دي غورديجويلا، جميع الأطراف المسلحة في العاصمة طرابلس، إلى إنهاء الاشتباكات بشكل فوري.

و قال غورديجويلا، في تصريحات صحافية، "إن تفاقم واستمرار الاشتباكات يقوضان الوضع الهش أصلا في طرابلس، فهناك حاجة إلى حل سياسي لا عسكري في ليبيا، لذا ندعو جميع الأطراف لإنهاء الاشتباكات فورا"، مشيرا إلى ضرورة الابتعاد عن الأعمال التي من شأنها تقويض عملية السلام التي تجري تحت رعاية الأمم المتحدة في ليبيا.

يرى مراقبون أنه لا مساع جدّية من طرف المجموعة الدولية لإقرار تسوية في ليبيا التي أصبحت أرض حرب باردة بين الأمم الكبرى حيث تبقى كل التحركات بغاية كسب هامش تحرك أكبر في الدّاخل الليبي لنيل مغانم أكثر و لا يمكن إنتظار حلول من وراء البحار مادام أبناء البلد الواحد في حالة تشرذم.