يُعتبَر تمدد تنظيم «داعش» الإرهابي في المناطق الساحلية لليبيا، وتهديده المثلث النفطي، تحدياً كبيراً لأوروبا ومصالحها الحيوية.

وهو ما يفسر حرص الاتحاد الاوروبي على الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تمنع الانقسام السياسي بين الحكومتين المتنازعتين في طرابلس وطبرق.

من أجل دعم هذا التوجه، التقت موغيريني في تونس، مسؤولين ليبيين، أبلغتهم أن الاتحاد الاوروبي مهتم بتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، وأنه على استعداد لتقديم مئة مليون يورو في سبيل تحقيق هذا الهدف.

وأخبرتهم أيضاً أن الاتحاد الاوروبي متخوف من ازدياد حدة الانقسام العشائري الذي يشجعه «داعش».

 لذلك أكدت مشاركة فرقة ألمانية مؤلفة من 150 جندياً سيتوجهون إلى تونس للمباشرة في تدريب عناصر ليبية. والسبب أن الوضع الأمني داخل ليبيا لا يسمح بذلك، وفقا لموقع ارم الاخباري.

وبما أن ليبيا تُعتبَر البوابة الاستراتيجية لأوروبا وبما أن تمزقها الجغرافي سيؤثر في الأمن الاوروبي وحوض الأبيض المتوسط، لذلك اتفق الرئيسان الاميركي باراك اوباما والفرنسي فرانسوا هولاند على شن حرب جوية ضد مراكز «داعش».

 وهي منتشرة في مدينة سرت وحولها، أي على المنطقة الوسطى من الساحل. ويزعم أهل تلك المدينة أن غالبية المتطوعين جاءت من تونس والسودان ومصر وبعض مناطق الخليج العربي.

وترى حكومة فرنسا أن طموح «داعش» لحكم ليبيا من سرت يؤهله مستقبلاً للاستيلاء على آبار النفط، وعلى تقييد حركة الملاحة في البحر الأبيض المتوسط.

أي أن يلعب دور «القاعدة» في الصومال، وما يمثله «الشباب» من مخاطر على التجارة البحرية قبالة مضيق باب المندب.

والمؤكد أن دولاً اوروبية غير فرنسا أيدت المشاركة في ضرب مراكز «داعش»، شرط موافقة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فائز السراج على ذلك. ويبدو أن الجزائر تحفظت على القرار الغربي، بحجة أن الهاربين من الهجمات الجوية قد يلجأون اليها أو إلى تونس.

والملفت في الأمر أن فرنسا لم تعد تنتظر الضوء الأخضر، بدليل أن طائرتها من طراز «رافال» شنت الإثنين الماضي هجوماً على ستة أهداف تابعة لتنظيم «داعش» في سرت والنوفلية.

والسبب، كما حددته جماعة تابعة للفريق خليفة حفتر، أن تنظيم «داعش» قام بمهاجمة ميناء الزويتينة بواسطة ثلاثة زوارق حربية كان يقود أحدها شاب تونسي ألقي القبض عليه.

ومثل هذا الانتشار الخطر أثار تساؤلات كثيرة حول قدرة «داعش» على الاستمرار في تحدياته، وما إذا كانت التوقعات، التي أعلنها الرئيس باراك اوباما، ستصدق أم لا.

واعترض بعض زعماء الشرق الأوسط، وبينهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، على هذا التصور الخاطئ، لأن تنظيم «داعش» يصعب حصره ضمن حدود جغرافية معينة.

فالذين يشرفون على التنظيم الخارجي لـ «داعش» هم من الضباط البعثيين الذين اختبروا في عراق صدام حسين نظام الخلايا المستقلة.

 ويبدو أن «داعش» نقل هذا التنظيم إلى صفوف عناصره في المغرب العربي، بدليل أن ليبيا والجزائر وتونس والمغرب كانت تفاخر بخلو مجتمعاتها من هذه الآفة.

وفجأة، أعلن هذا الأسبوع مدير مكتب التحقيقات القضائية في المغرب تفكيك خلية إرهابية تضم سبعة أفراد كانوا ينشطون في ضواحي الدار البيضاء.

كما كشفت السلطات الجزائرية عن وجود فرع لتنظيم «جند الخلافة»، وهو ينشط بطريقة سرية، لاجتذاب المقاتلين.

وأعلنت إدارة التحقيقات عن التحاق ثلاث جزائريات بصفوف «داعش» في ليبيا. وكما استقطب أبو بكر البغدادي ضباط صدام حسين لإدارة العمليات الارهابية في سورية والعراق كذلك فعل في ليبيا بحيث أنه ضم ما نسبته ثمانون في المئة من قوات معمر القذافي إلى فرع «سرت».

وتعترف الدول الغربية بأن «داعش» يتقدم على «القاعدة» في حقل الاعلام ونشر المعلومات. وأظهرت الأحداث في سنتي 2014 و2015 أن هذا التنظيم برع في استخدام الوسائل العصرية كـ «اليوتيوب» و «الفايسبوك» و «تويتر» من أجل نشر أخبار عملياته وصورها الوحشية المنفرة بغرض التخويف.

ومن الواضح أن صور قطع رؤوس الرهائن كانت تحمل رسائل سياسية أبعد من الأذى والاستفزاز.

وإلى جانب مظاهر العنف التي اشتهر بها «داعش»، فإن التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الاميركية عن الارهاب أشار إلى سفر أكثر من 20 ألف مقاتل إلى سورية والعراق ينتمون إلى 99 دولة.

وقال ما معناه إن الحياة «الرغيدة» «السعيدة» التي يعيشها «الداعشيون» على الأرض تجعلهم يتخلون عن انتسابهم العائلي والوطني. وأكبر مثل على ذلك ما كشفه «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

 فقد ذكر هذا الأسبوع أن علي صقر، أحد عناصر «داعش»، قام بإعدام والدته أمام جمع من الناس في وسط مدينة الرقة. والسبب أن الأم حاولت إقناع ابنها بالانسحاب من هذا التنظيم الارهابي. وعلى أثر الشكوى التي تقدم بها علي صقر (20 سنة) قام جهاز الأمن في التنظيم باعتقالها واتهامها بالردة. وبعدما نظر قاضي الشرع التابع للتنظيم بوضعها الديني، حلَّل إعدامها. وقد وزع مكتب الاعلام صورة الابن وهو يتكئ على رشاشه، بعد أداء مهمته!

وفي حكاية مشابهة، ذُكِرَ قبل عدة سنوات أن شرطة «طالبان» ضبطت امرأة فقيرة تمارس الزنا، فحكمت عليها بالموت رجماً. وبعدما حفرت لها حفرة في وسط مدينة قندهار، كلفت نجلها بأداء دور الراجم! ومع هذا كله، فإن العالم مليء بالذين يؤيدون عودة «طالبان» إلى حكم أفغانستان أو يبررون قطع رؤوس معارضي «داعش»، ومخالفي أحكام «بوكو حرام».

منذ انتخاب الرئيس محمد بخاري في نيجيريا وهو يسعى إلى إقامة تعاون اقليمي، يضم النيجر وتشاد وبينين والكاميرون، بهدف تشكيل قوة ضاربة تمنع عناصر «بوكو حرام» من التمدد والانتشار. وازاء تهديدات العسكريين في كل الدول المعنية بسلامة مواطنيها، أعلن زعيم «بوكو حرام» مبايعته تنظيم «داعش»، وطلب الحماية والرعاية من أبو بكر البغدادي.

ورأت الدول المهتمة بمكافحة تنظيمات الارهاب أن مبايعة «بوكو حرام» أعطت البغدادي نفوذاً إضافياً يمكن أن يستخدمه خلال سنة 2016، بحيث تصبح توقعات الرئيس اوباما مجرد تكهنات سياسية يصعب تحقيقها ميدانياً.