جاء في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي :منذ ان وصل القذافي إلى الحكم في الفاتح من سبتمبر 69 وهو يقوم بمجهود كبير لبناء قوات مسلحة ليبية حديثة. ولكن مشكلتهم في ليبيا أن طموحهم يفوق قدراتهم. انهم يملكون المال ولكنهم يفتقدون الكثير بعد ذلك. إذ أن النقص في عدد الأفراد بالنسبة لاتساع الإقليم، والنقص في الخبرة الفنية والمستوى الثقافي بين الأفراد يشكلان تحديا كبيرا لطموح القذافي ورفاقه. وعلى الرغم من هذه التحديات كلها الا ان ليبيا بذلت مجهودا ضخما لبناء قواتها المسلحة في السنوات الأربع التي سبقت حرب اكتوبر 73، وقد اعتمدت في ذلك على معونة مصر الفنية اعتمادا كبيرا. قامت ليبيا بإرسال عدة آلاف من طلبتها الى مراكز التدريب والمدارس العسكرية في مصر، كما استقدمت مئات من الضباط وضباط الصف المصريين لتدريب الضباط والجنود الليبيين في ليبيا.

وعندما اشترت ليبيا صفقة طائرات الميراج عام 1970 من فرنسا اعتمدت اساسا على الطيارين المصريين الذين كانوا يحملون جوازات سفر ليبية. وفي خلال عامي 71 و 72 ازداد التعاون بين مصر وليبيا الى الحد الذى بدا وكأنه وحدة قائمة غير معلنة. وقد حاول القذافي أن يجعل من هذه الوحدة القائمة على الممارسة الفعلية وحدة رسمية بوثيقة رسمية ولكنه لم يجد تشجيعا من السادات، فحاول ان يفرض الوحدة على مصر، ونظم مسيرة شعبية ما بين طرابلس والقاهرة خلال شهر يوليو 73، وقد انضم الى هذه المسيرة عدة آلاف من راكبي السيارات وحطموا بوابة الحدود التي تفصل بين البلدين باعتبارها آثرا من آثار الاستعمار الذي خلق هذه الحدود الوهمية بين الدول العربية. كانت ليبيا قيادة وشعبا تصرخ مطالبة بالوحدة، ومع ذلك فقد رفض السادات قبول تلك الوحدة فكان ذلك خطأ تاريخياً جسيماً.

وعند قيـام حرب اكتوبر 73 كانت القوات الليبية المتمركزة في مصر عبارة عن سربي ميراج (أحدهما يقوده طيارون ليبيون، والآخر يقوده طيارون مصريون) ولواء مدرع. إن حجم هذه القوات يجعل ليبيا في المركز الثالث بين الدول العربية التي ليست من دول المواجهة، من حيث الدعم العسكري الذى قدمته للمعركة، وهى تأتي بعد العراق والجزائر.

وأضاف الشاذلي :في أواخر سبتمبر 72 اندلعت الحرب الأهلية بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وفي 30 من سبتمبر اتصل بي الدكتور اشرف مروان وأبلغني بأن الرئيس امر بأن ندعم اليمن الشمالي بخمس طائرات ميج 17 وطائرتي اليوشن 28، ولكن دون طيارين على ان نقوم بتسليم الطائرات في مطار عبد الناصر في ليبيا اليوم.

اتصلت بالرئيس السادات لتأكيد معلومات تسليم الطائرات قبل تسليمها في ليبيا فأشار الرئيس إلى ما يلي:

أ- يتم ترحيل طائرات الإليوشن 28 بواسطة طيارينا يوم 4 من أكتوبر عن طريق جدة لا يجوز لطيارينا الاشتراك في العمليات فواجبهم هو توصيل الطائرات فقط ولكن لا مانع من قيامهم ببعض الطلعات التدريبية لتدريب الطيارين اليمنيين.

ب- طائرات الميج 17 يتم تسليمها إلى ليبيا، وستتولى ليبيا مع اليمن إرسالها الى هناك. في يوم 3 من أكتوبر أمر الرئيس بزيادة طائرات الاليوشن الى أربع بدلا من اثنتين، وفي حديث اَخر مع الرئيس في اليوم نفسه أبلغته بأنه تم تسليم 5 طائرات ميج 17 الى ليبيا يوم من اكتوبر وان طائرات الإليوشن 28 الأربع ستصل ميناء الحديدة يوم 5 من أكتوبر عن طريق جدة.

وفي يوم 15 من اكتوبر 72 اتخذ الرئيس قرارا سياسيا آخر بتدعيم اليمن الشمالي ب 22 دبابة ت 34 على ان تسلم أيضا عن طريق جدة وقد تحركت الدبابات بالقطار يوم 18 من اكتوبر الى قنا ومنها الى سفاجة حيث تم تحميلها يوم 3 من نوفمبر و أقلعت بها الباخرة يوم 4 من نوفمبر من سفاجة في طريقها إلى جدة، وبعد وصول الدبابات إلى جدة طلب إبقاء السائقين مع الدبابات فصدق الرئيس على ذلك.

وأني أحكي هذه القصة لا لشيء الا لأبين لهؤلاء الذين عندما يقارنون بين قوة العرب وإسرائيل يحسبون الأسلحة العربية جميعها مقابل الأسلحة الإسرائيلية، وهذا خطأ جسيم، لأن جزءا كبيرا من السلاح العربي يأكل بعضه بعضا.

وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أهمية  إسهامات الدول العربية خلال حرب أكتوبر، حيث أوضح أن هناك 16 طائرة عراقية شاركت فى حرب أكتوبر على الجبهة المصرية، كما اشتركت ليبيا 100 طائرة ميراج 5، وتلقى الطيارون المصريون تدريبهم عليها فى فرنسا وقد ساهمت في معركة أكتوبر.. وهذان مثالان للرد العربي على ضربة 67.

وأشار إلى أن هناك 6 محاور للعمل العربي المشترك أولها مساهمة قوات من المغرب والجزائر والسودان والعراق والسعودية، والأردن، مشيرًا فى الوقت ذاته إلى أن القوات المسلحة المصرية أسرت ما يقرب من 22 دبابة "سينتوريون 7 "كان الجيش الإسرائيلي يستخدمها، وقامت مصر بإهداء الأردن الدبابات أى فرقة كتيبة مدرعة كاملة لاستخدامها.

وبالعودة الى تلك المرحلة ، كانت ليبيا  في مستوى المسئولية التي وضعتها على عاتقها وعاتق شعبها فساهمت بما تستطيع لدعم المجهود الحربي المصري وبفعل الدعم العربي للمجهود الحربي في كل من مصر وسوريا تحقق النصر في حرب السادس من اكتوبر المجيدة التي سجلت أول انتصار على قوات العدو الصهيوني.

وفيما يخص الدعم المالي العربي قال الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه "الطريق إلى رمضان" إنه خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر 73 تبرعت ليبيـا بمبلغ 40 مليون دولار، 4 مـلايين طن من الزيت، وإن المملكة الـعربيـة السعودية تبرعت بمبلغ 200 مليون دولار وإن دولة الإمارات تبرعت بمبلغ 100 مليون دولار. قد تكون هناك تبرعات اخرى من هذه الدول أو من دول عربية أخرى قبل حرب اكتوبر وأثناءها.