برقية سرية عاجلة منشورة بصورتها في كتاب «أكتوبر 73.. السلاح والسياسة» لمحمد حسنين هيكل، توجه بها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الى الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات خلال حرب أكتوبر 1973.
وجاء في البرقية: «من العقيد القذافي، إلى السيد الرئيس السادات، بعد التحية، فى الطريق إليكم الصواريخ الكروتال المطلوبة معها حامية طبرق، ونحاول نقل كتيبة صواريخ سام إلى طبرق لتحل محل الكروتال، أصدرت الأمر بنقل اللواء المدرع بأطقمه إلى مصر فورا، سنحاول تشكيل لواء بدلا منه، قد تحتاج طواقم تدريب قدر الإمكان تحت هذه الظروف، النفط تحت تصرفكم واعتبروه نفطكم، مرسل لكم قوافل من الأدوية قدر المستطاع والمؤن بقدر ما تيسر لنا في السوق والمخازن، المدافع الـ mg 400 في الطريق إليكم».
ويضيف القذافي: «سمعت أنك مستاء من بعض كلامي، أنا قلت حتى لو تغيرت نتيجة القتال في غير صالحنا لا سمح الله، فذلك إذا حصل يرجع لتطور الأسلحة وليس لمعدن الرجال، يكفى أن الجندي الإسرائيلي يفر الآن أمام الجندي المصري، إن هذا الكلام له معان بعيدة خارج مصر، وفيه إطراء لمصر، ولا يمكنني أن أقصد غير ذلك في مثل هذه الظروف»، ثم يعاتب السادات على عدم اهتمامه بالشعب الليبي: «إن شعبنا سيادة الرئيس مستاء هو الآخر من تجاهل دوره السياسي، والإشادة بفيصل «ملك السعودية» في كل نشرة من نشرات القاهرة دون ذكر ليبيا، وليس خافيا ما يجرى الآن في أفريقيا وأوروبا.. آسف سيدى الرئيس لهذه الملحوظة، المهم تصميمنا على القتال ووفقكم الله في مثل هذه الظروف.. معمر القذافي».
وقد وضع هيكل رسالة القذافي في سياق الحالة العامة التي كان عليها السادات يوم «10 أكتوبر»، فهو وطبقا لهيكل، بدأ يومه كالعادة بقراءة تقرير الموقف العسكري، واحتوى التقرير على عدة نقاط، كان أهمها أن العدو زج بمعظم مدرعاته إلى الجبهتين المصرية والسورية، ويحتفظ باحتياط في العمق، ويركز العدو على قصف بورسعيد، ونفذ عدة طلعات جوية وبحرية، ونفذ عدة طلعات شبه مستمرة على مطارات وسط سيناء، وحدد التقرير إجمالي خسائر العدو منذ بدء الحرب على نحو: 143 طائرة مقاتلة، منها 52 على الجبهة الشمالية «سوريا»، و215 دبابة منها 26 سليمة مستولى عليهم، تدمير 9 زوارق بحرية، وعدد القتلى والجرحى كبير، والأسرى 157، وهناك كمية خسائر كبيرة من الأسلحة والمعدات، وتحدث التقرير عن الجبهة السورية، قائلا: «تستمر قوات العدو في الضغط بشدة على القوات السورية، عدلت القوات السورية أوضاعها الدفاعية شرقا، تم تكبيد العدو خسائر جسيمة في المدرعات، قصف العدو أهدافا مدنية في قطنة، وتوقع التقرير: «في حالة تمكن العدو من تثبيت الجبهة السورية أن يتحول مجهوده الرئيسي إلى الجبهة المصرية، توجيه ضربة جوية وبحرية قوية بغرض استعادة الأوضاع على الجبهة السورية».
ويقول الكاتب الصحفي المصري سعيد الشحات أن السادات لم يكن في أحسن أحواله في هذا اليوم طبقا لتأكيد هيكل، لأن «ساحة الحرب بدت أكثر اتساعا من مقدرة رجل واحد على إدارتها»، ويقول هيكل: «بعد أن فرغ من قراءة تقرير الموقف العسكري، جاءته بعدها رسالة كيسنجر «وزير الخارجية الأمريكي»، وقرر أن يرد عليها وكان رده على نحو ما بعيدا عن واقع اللحظة، حيث استنتج كيسنجر منه أن الرئيس المصري لم يعد يطالب بتسوية شاملة»، ويؤكد هيكل: «من المفارقات أنه عند تسليم هذه الرسالة إلى مندوب المخابرات المركزية الأمريكية في القاهرة، جرى إبلاغ المندوب بأن الرئيس السادات يتمنى لو استطاع كيسنجر أن يزور القاهرة لبحث موضوعات الساعة مباشرة مع الرئيس الذى يسعده أن يوجه دعوة إلى وزير الخارجية الأمريكي إذا تلقى إشارة بأن الدعوة مقبولة».
ويذكر هيكل أن «الضغوط كانت شديدة على الرئيس السادات، ولم تكن مقصورة على ما يجرى في ميادين القتال، ولا على مناورات كيسنجر، وإنما زادت بضغوط العالم العربي، ذلك أن الرأي العام العربي بدأ يستشعر أن انتصارا عربيا هائلا قد تحقق، أو هو على وشك، وفى تلك الساعات كان الرئيس السادات في وضع يسمح له بأن يطلب ما يشاء ممن يشاء في العالم العربي، دون أن يملك أحد غير الاستجابة الكاملة راضيا أو مضطرا، وربما عبرت عن ذلك برقية القذافي».