التدخل التركي في الشؤون الليبية بات امرا معروفا. لكن على ما يبدو فان هذا التدخل شرع في اتخاذ اشكال اكثر تقدما، والارتقاء الى اطوار باتت التحركات التركية معها اشبه بالاعتراف الرسمي بحكومة طرابلس التي يترأسها عمر الحاسي، والتي لا يعترف بها احد.

زيارة المبعوث الشخصي للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى طرابلس، في الوقت الذي زار فيه ايضا مدينة طبرق والتقى مع رئيس الحكومة الشرعية عبدالله الثني، واجتماعه مع الحاسي تركت انطباعا بان ثمة تصعيد في الموقف التركي تجاه الازمة الليبية بالتزامن مع المكاسب العسكرية التي تحققها قوات الجيش الليبي في بنغازي ومناطق قريبة من العاصمة، على رأسها مدينة ورشفانة.

الى جانب ان هذه الزيارة من شأنها ان تعكس رغبة انقرة في تصوير الوضع في ليبيا على انه صراع على السلطة من جانب سلطات شرعية، واخرى تستمد شرعية "الامر الواقع" التي تستند اليها من الوضع القائم حاليا.

واجتمع رئيس الوزراء الليبي المعلن من جانب واحد، والذي يدير حكومة غير معترف بها من المجتمع الدولي، مع المبعوث التركي، الثلاثاء، في اول اجتماع دبلوماسي معروف مع ممثل اجنبي.

ويوجد في ليبيا برلمانان وحكومتان احدهما يتمتع بالشرعية بعد نجاحه في الانتخابات البرلمانية، بينما تتبع الحكومة الاخرى "المؤتمر الوطني العام" المنتهية ولايته، الذي عاد للانعقاد منذ سيطرت جماعة مسلحة على طرابلس في اغسطس/آب ودفعت حكومة رئيس الوزراء المعترف به دوليا عبدالله الثني الى الانتقال الى شرق البلاد.

والتقى عمر الحاسي الذي شكل حكومته في العاصمة بعدما انتخبه البرلمان، الذي يسيطر عليه تنظيم الاخوان المسلمين، مع المبعوث التركي الخاص الى ليبيا أمرالله ايشلر.

ويعكس ذلك وجهة نظر المراقبين الذين يرون ان تركيا تتدخل في الشان الليبي لصالح الاسلاميين الذين طردوا من مصر، وخلف خروجهم ازمة دبلوماسية بين البلدين.

ولا تنحصر مناصرة الاسلاميين فقط في المعسكر التركي، ولكن انقرة دائما ما تجد دعما لخططها في ليبيا من دولتي قطر والسودان اللتان تربطهما علاقات وثيقة بمجموعة من الإسلاميين في أنحاء البلاد وبـ"المؤتمر الوطني العام" السابق في طرابلس.

لكن زيارة مبعوث اردوغان الاخيرة الى ليبيا يعكس رغبة تركية ملحة في تعديل كفة النزاع السياسي في ليبيا لصالح تيارات الاسلام السياسي، بعد موجة انحسار سياسي عنيفة عانت منها منذ الاطاحة بالرئيس الاسلامي في مصر محمد مرسي في يونيو/حزيران 2013، وهو ما دفعها الى حمل السلاح في دول اخرى، على رأسها ليبيا.

ويرى مراقبون ان عزل الجيش لمرسي في مصر بعد احتجاجات حاشدة على حكمه أصاب المشروع التركي في الصميم، وتراجع على اثره دور تركيا الإقليمي في المنطقة العربية من جهة، ومن جهة ثانية فرض على أردوغان تحدي إعادة النظر في حسابات تركيا من خلال دعم الاسلاميين في ليبيا الى جانب حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي في تونس.

ورغم ذلك، حاولت الأمم المتحدة والقوى الغربية جمع الاطراف المتصارعة على مائدة التفاوض لانهاء الفوضى في البلاد، لكنها تجنبت الاعتراف بالحاسي او التعامل معه علنا.

وبما يعزز اجندة المبعوث التركي في دعم اسلاميي ليبيا، اعلن ايشلر إن الخطوط الجوية التركية ستستأنف رحلاتها إلى مدينة مصراتة، معقل الميليشيات الموالية للاسلاميين، في الأسبوع المقبل، في أول خطوة من نوعها لشركات طيران أجنبية منذ تدهور الوضع الأمني في البلاد منذ يوليو/تموز.

 

وقال أيشلر إن الخطوط الجوية التركية، التي تملك الدولة أغلب اسهمها ستسير في البداية رحلة واحدة يوميا إلى مصراتة، التي تقع على بعد 200 كيلومتر من اسطنبول إلى شرق طرابلس، بدءا من 27 أكتوبر/تشرين الأول.

 

ويبدو ان الحكومة التركية كانت تنوي استئناف رحلات الخطوط الجوية التركية ايضا الى مطار طرابلس بعد نجاح الميليشيات التي تدعمها في السيطرة على العاصمة، الا ان خروج المطار بشكل كامل من الخدمة بعد تكبده أضرارا فادحة اثناء المعارك حال دون اقدامها على اتخاذ تلك الخطوة.

 

وبعد السيطرة على طرابلس، وسعت هذه ميليشيات الاسلاميين عملياتها الى غرب العاصمة حيث تدور معارك شبه يومية مع قوات الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس) الموالية لحكومة الثني رغم دعوات الامم المتحدة الى وقف اطلاق نار.

 

وأثارت تصريحات الرئيس التركي عقب مراسم تنصيبه، حول مجلس النواب الليبي المنتخب، ردود أفعال غاضبة من قبل الجهات الرسمية الليبية بالبلاد والتي استنكرت تدخله في الشأن الليبي.

 

وقال أردوغان حينها "أساسا لا يمكن القبول باجتماع البرلمان الليبي في طبرق"، معتبرا أن هذا "خطأ جدي".

 

وأضاف "لماذا يجتمع البرلمان في طبرق وليس في العاصمة الليبية طرابلس، نحن لا نقبل بهذا أصلا، هذا أمر غير مقبول، هنا نحن في مواجهة وضع غير صحيح، ولهذا فإن ما حصل في طبرق هو عملية نزوح وتشريد للبرلمان".

 

ودخلت الأزمة التي أحدثها الرئيس التركي مرحلة متطورة من التصعيد الدبلوماسي، حيث قرر مجلس النواب الليبي سحب السفير الليبي لدى أنقرة.