تؤشر الأجواء الآخذة في التشكل على الحدود الجزائرية النيجرية إلى أن الحدود الجنوبية الممتدة من برج باجي المختار بأدرار، مرورا بعين ڤزام وصولا إلى جانت بإليزي (على مسافة 800 كيلومتر)، ستتحوّل إلى الوجهة المفضلة لقوافل المهاجرين الأفارقة “الحراڤة” التي بدأت تفضل المنافذ الصحراوية للوصول إلى الجنة الموعودة في أوروبا (ايطاليا، مالطا، اسبانيا) بعد أن راح الحزام يضيق عليها من يوم لآخر عبر منافذ البحر.
الزائر لعين ڤزام، الواقعة على بعد 12 كيلومتر عن الحدود الجزائرية النيجرية، يكتشف أن سماسرة الهجرة غير الشرعية يعيشون عصرهم الذهبي، برغم أن الحدود مغلقة بين البلدين، وتحول محور آرليث ـ سمقة بالنيجر وعين ڤزام بالجزائر إلى محور حيوي بامتياز لتهريب البشر ليل نهار، وتحوّلت القضية إلى تجارة مربحة، يحدث هذا بعد أن استغل المهاجرون غير الشرعيين والمهربين موقف الجزائر القاضي بتجميد قرار ترحيل الأجانب الصادر منذ عامين لأسباب إنسانية.
مازالت الظروف المعيشية الصعبة بالنيجر ترمي بثقلها على المئات من النيجريين يوميا، وتدفع بهم إلى عبور الحدود للوصول إلى عين ڤزام وتمنراست، ومن ثمة إلى ولايات الشمال، لعلهم يحصلون على منصب شغل مؤقت.
يجد الزائر لعين ڤزام، الواقعة على بعد 12 كيلومتر عن الحدود الجزائرية النيجرية، جيوشا من المسنين والشباب، وحتى مراهقين، ضحايا للتسرب المدرسي. (إبراهيم رابيو) لا يتجاوز سنه الـ18 عاما، غادر مقاعد الدراسة في سن مبكرة يقول: “جئت إلى عين ڤزام للبحث عن عمل قصد مساعدة عائلتي”، بينما يشير شريك عبدو، 35 عاما، إلى أنه مستعد لمزاولة أي عمل من الأعمال الشاقة “للحصول على دخل”.
والهدف نفسه بالنسبة لمحمد رابيو، 24 سنة المنحدر من منطقة آرليث الواقعة على بعد أزيد من 500 كيلومتر عن العاصمة نيامي، الحريص على أداء الصلاة في وقتها، ولكنه ساخط على سلطات بلده: “جئنا إلى عين ڤزام للبحث عن شغل، ففي منطقة آرليث صعب جدا أن تجد منصب شغل”، ويضيف: “نحن لسنا بحاجة إلى البقاء في عين ڤزام، بل كل واحد منا يريد ويتمنى أن يبقى في بلده، ولكن الظروف الصعبة هي التي ضغطت علينا وقادتنا إلى هنا، بدليل أننا دائما ملقون في الشارع”.
وذهب محمد رابيو إلى أبعد من ذلك وهو يشرح أسباب هجرته من النيجر: “هناك تمييز عنصري في النيجر، والدليل على ذلك، هذا الشيخ العجوز الملقى أمامك، قطع مئات الكيلومترات بحثا عن عمل.. فالسلطات المحلية في نيامي وآرليث وزندار، وغيرها، لم تساعدنا على الخروج من محنتنا، بل إن تلك السلطات ليست لديها قابلية للتعامل مع الشباب المنحدر من عائلات فقيرة”.
عين ڤزام التي عرفناها تعج بمئات النيجريين المغلوبين على أمرهم والمحرومين، يتوسدون الجدران والتراب وينتظرون فرجا قد يأتي به الغيب، ولكن الداخلين إليها ليسوا كالخارجين منها، فهناك من يقضي أزيد من 6 أشهر بين عين ڤزام وتمنراست ولا يحصل على عمل، بحسب ما يشير إليه أوزاتي زندار، 50 سنة، بل: “إن العديد منهم لم يزر عائلته منذ شهر رمضان من العام الماضي، لأنهم لا يملكون مداخيل للعودة. وموازاة مع ذلك، توسعت رقعة الفقر في النيجر، لذلك عندما نصل إلى عين ڤزام نشتغل في أي شيء، في البناء والمطاعم والمقاهي والطلاء وغيرها”.
حال النيجريين هو حال كثير من الأفارقة القادمين أيضا من مالي والتشاد وبوركينافاسو ونيجيريا وغانا والكاميرون وإثيوبيا والموزمبيق، يهربون من جحيم الفقر والضياع في بلادهم، إلى نعيم متصور في الجزائر، تحملهم أقدامهم على نحو غير شرعي إلى عين ڤزام وتمنراست لعلهم يظفرون بعمل، ومن ثمة يكملون الرحلة إلى ولايات الشمال أو إلى بلدان أخرى. ويعترف أحمد مايغا، 56 عاما، من جنسية مالية، يشتغل خياطا بمدينة تمنراست، أن: “الماليين يصلون إلى التراب الجزائري عبر مدينة غاو باتجاه مدينة كيدال ثم تيمياوين أو تين زاواتين أو عبر برج باجي المختار، ويتسللون إلى تمنراست وأدرار عبر شاحنات نقل التمور”، ويضيف مايغا: “الماليون ممن يأتون إلى تمنراست وأدرار، يفضلون الاشتغال في مجالات البناء والخياطة والإسكافة والخرسانة والسياقة. أما الذين تراهم في العاصمة، فأغلبهم طلبة، لكن ذلك لا يعني أنه لا يوجد بين الماليين من يتولى بعض الأعمال المشبوهة”. إلا أن أحمد مايغا لا يتردد في الدفاع عن أبناء بلده عندما يصل الأمر إلى المس بكرامتهم على خلفية حرفة التسول التي يمتهنها بعض الأفارقة: “الماليون في عاداتهم يفضلون الموت على أن يمدوا أيديهم للناس”. ومقابل ذلك، يجيد البوركينابيون حرفة البناء والترصيص وينافسهم في ذلك سكان البينينيون، فيما غاب الغانيون عن تمنراست وعين ڤزام منذ قرابة العامين ولم يعد لهم وجود هناك تبعا لأقوال سكان المنطقة. ولكن كل مهاجر غير شرعي حملته قدماه إلى تمنراست وعين ڤزام بين الحشود والموجات البشرية القادمة يوميا من إفريقيا، يحتفظ لنفسه بقصة وصوله إلى هذه المنطقة، لأن المهاجرين يجدون في كل مرة أنفسهم فريسة لسماسرة وعصابات الناقلين، من عاصمة النيجر نيامي إلى عين ڤزام بالجزائر، مرورا بأغادس وزندار وآرليث وسمقة، يتداولون على بيعهم لبعضهم البعض.
عصمان باياما شاب نيجيري، 26 عاما، التقينا به بعد دقائق من وصوله إلى عين ڤزام على متن سيارة من نوع تويوتا “اف.جي.60” قادمة من منطقة آرليث النيجيرية: “كنت أعمل في وحدة لإنتاج اليورانيوم في آرليث، ولكن بعد توقفها قررت المجيء إلى عين ڤزام للبحث عن عمل، وقد قضيت ليلة واحدة في سجن آرليت رفقة عدد كبير من أصحاب سيارات النقل ممن قررت الشرطة حبسهم رفقة عدد من النساء”. وأضاف: “أغلب الناقلين ممن تم إيداعهم السجن غير شرعيين، هم مهربون، بين هؤلاء يوجد مفتش شرطة تم حبسه بتهمة أنه تسبب في الكارثة الإنسانية التي أودت بحياة نحو 13 امرأة رفقة أطفالهن نتيجة العطش في الصحراء، فقد اتهم بكونه وراء السماح لهؤلاء النسوة والأطفال بالخروج من آرليت، رغم أن القانون يمنع ويجرم ذلك”.
وتابع عصمان يقول: “دفعت لصاحب السيارة مقابل وصولي إلى عين ڤزام، 2000 فرنك إفريقي، أي ما يعادل 4000 دينار جزائري، ففي آرليت الشرطة النيجرية والجيش دخلا في حرب ضد هؤلاء المهربين ممن يحوزون على منازل وبيوت لإخفاء وإيواء المهاجرين غير الشرعيين”. بينما يقول إسحاق أبوبكر، 44 سنة، صاحب محل شيد بالصفيح بالقرب من سوق قريش بعين ڤزام: “المهربون من أصحاب سيارات “اف.جي” ينقلون المسافرين من مدينة آرليت إلى عين ڤزام مقابل ثمن قدره 25 ألف فرنك إفريقي، أي ما يعادل 5500 دينار جزائري للشخص الواحد”.
وحسب أبوبكر، فإن الطرح السائد في النيجر عن وفاة قرابة 19 شخص عطشا على بعد 50 كيلومتر عن عين ڤزام، أغلبهم نساء وأطفال منذ مطلع شهر ماي، يعود إلى أن “أحد المهربين من الناقلين تحايل على هؤلاء النسوة والأطفال في عمق الصحراء، إذ قال لهم سنتوقف لإعداد الشاي ثم نصلي ونستريح، وبعدها نواصل الطريق، إلا أنه تسلل وهرب بعد أن أخذ مستحقاته من المال وتركهم يواجهون مصيرهم المحتوم”. هذا الطرح وجدناه متداولا لدى عصمان باياما، شريك عبدو، أوزاتي زندار، محمد رابيو، إبراهيم رابيو وغيرهم الذين يجمعون على أن المهرب خشي توقيفه من قبل عناصر الشرطة والجيش النيجري ومعاقبته جراء نقله عدد من النساء والأطفال، لأن: “السلطات النيجرية اتخذت إجراء منذ نحو 3 أشهر يقضي بمنع نقل النساء والأطفال من النيجر إلى بلد أجنبي على خلفية الكارثة التي أودت بحياة 90 شخصا في صحراء النيجر بسبب العطش قبل 6 أشهر”. واستنادا لأقوال إسحاق أبوبكر وعصمان باياما، فإن: “كل المهربين من الناقلين يقيمون بعين ڤزام، على اعتبار أن المهربين النيجريين تعرفت السلطات الأمنية على عدد منهم وأودعتهم السجن قبل أشهر قليلة”، مؤكدين على أن كل النساء ممن يدخلن إلى الجزائر رفقة أطفالهم بغرض الحصول على الصدقة، يأتين من قرية واحدة بالنيجر اسمها كانتي تقع بمدينة زندار.
ما كنا نحمل محمل الجد كلام أحد المواطنين حين قال لنا إن عين ڤزام منطقة تدر أرباحا طائلة على المشتغلين فيها، خاصة وأن المنطقة لا تزال صحراء فقيرة من جانب التنمية المحلية، إلى أن التقينا بشريك رابيو وإبراهيم رابيو وإسحاق أبوبكر وعصمان باياما وأوزاتي وغيرهم ممن أكدوا لنا أن المهربين من الناقلين يأخذون أسعارا مضاعفة عن المهاجرين السريين ممن لا يحوزون على جوازات سفر وبطاقات إثبات الهوية: “الناقلون يأخذون ما يقرب من 3500 فرنك إفريقي عن الفرد الواحد، أي ما يعادل 10 آلاف دينار جزائري، بل أنا شخصيا دفعت 9000 دينار جزائري للسائق، كوني لا أملك جواز سفر”، يقول محمد رابيو.
هكذا تحوّلت حرفة تهريب البشر على محور آرليت، سمقة عين ڤزام، إلى تجارة مربحة في غمرة تدفق مئات اللاجئين على عين ڤزام وتمنراست يوميا، للوصول في مرحلة لاحقة إلى ولايات أخرى والعبور يوما ما إلى دول أوروبية كمالطا وايطاليا عبر ليبيا، وحتى دول الشرق الأوسط، بينها إسرائيل، على اعتبار أن أحد الأريتيريين يرون أن المحور الذي كان مفضلا لدى المهاجرين السريين الواقع بين السودان وسيناء في مصر على أمل الدخول إلى إسرائيل، لم يعد مقصدا مفضلا، لأنه أخطر ممر في العالم، لأن: “مئات المهاجرين يتعرضون في سيناء للتعذيب بالنار والآلات الحديدية وسكب البلاستيك المغلي على أجسادهم قصد مساومة عائلاتهم على دفع مبالغ مالية إضافية مقابل تخليصهم من هذا العذاب وتهريبهم إلى إسرائيل.. الجنة التي يحلمون بها للظفر بمنصب عمل لإعالة أسرهم، ولهذه الأسباب غيّرت كثير من الموجات البشرية المهاجرة طريقها مفضلة المنافذ الصحراوية”. فهل يعني ذلك أن محور آرليت بالنيجر عين ڤزام بالجزائر سيصبح أحد أشهر المحاور المفضلة لدى المهاجرين غير الشرعيين؟
الواقع أن المساحة الشاسعة الممتدة على مسافة 800 كيلومتر بين عين ڤزام قبالة النيجر، وجانت قبالة ليبيا، منحت فرصا لتسلل المغامرين من المهاجرين السريين ومهربيهم: “هناك ناقلون يشتغلون على خط تمنراست آرليت بالنيجر مباشرة من غير المرور على عين ڤزام، كما أن هناك من يشتغلون على خط إليزي ليبيا مباشرة من غير المرور على جانت. فبين عين ڤزام وجانت، توجد منافذ كثيرة في الصحراء للمهربين والمهاجرين السريين، بل هناك من الناقلين من يشتغل على خط تمنراست كيدال بمالي أو تمنراست تاساليت أيضا”، يقول أبوبكر مايغا، حسب صحيفة الخبر.
وقبل نحو عام تمت حالة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين على محور تيمياوين - تمنراست في عمق الصحراء على متن سيارة “اف.جي.60”. ففي تيمياوين، اتفق صاحب المركبة مع شابين من جنسية مالية على إيصالهما إلى تمنراست مقابل دفعهما 4000 دينار لكل واحد منهما. وما إن اقتربنا من الوصول إلى بلدية سيلت بعد رحلة دامت 8 ساعات، قرر السائق إنزالهما في مكان خال يبعد بنحو 5 كيلومتر عن الطريق المزفتة، وعندما حاولنا معرفة سبب ذلك، قال “إنهما لا يحوزان على جوازات سفر ولا على بطاقات إثبات الهوية، لذلك أنزلتهما هنا حتى يكونا بعيدين عن أعين رجال الدرك، وبالتالي أجنب نفسي مشاكل الرقابة”، ولو أن السائق استطرد في اعترافاته باعتياده على نقل هؤلاء المهاجرين السريين وتربطه علاقات بعناصر من الدرك والشرطة.
والزائر لمحطة عين ڤزام لنقل المسافرين، قد يتفاجأ لحالة المكان الذي لا تزال تعسكر فيه الرمال على نحو بدائي، استوت فوقه بناءات بعضها بني بالطوب وأخرى بالاسمنت، جزئت إلى مكاتب تأخذ شكل أقبية منعدمة من أدنى الأشياء، بل إن بعضها لا يزال دون أبواب، وإذا أردت حجز مكان في اتجاه تمنراست أو في اتجاه النيجر، ستجد شبابا واقفين أمام تلك المكاتب التي تأخذ شكل أقبية لتزويدك بالمعلومات اللازمة.
ولكن المكان الذي يعرف نشاطا منقطع النظير ليل نهار، تجري فوقه صفقات مربحة لنقل الأشخاص بأي طريقة، شرعية كانت أم غير شرعية. وما استنتجناه أن تواجدنا بشبه المحطة تلك كان غير مرحب به، وكان محل شك وريبة من قبل البعض من الناقلين ممن رفضوا حتى الحديث إلينا. حدث ذلك في غمرة معلومات قدمت إلينا هناك من قبل مواطنين يقيمون بالقرب من محيط المحطة، تفيد بأن ما يزيد عن 30 سيارة يشتغل أصحابها بطريقة غير شرعية على خط عين ڤزام سمقة وعين ڤزام آرليت، ويتم ذلك في غمرة ملابسات أخرى تتعلق بنشاط أصحاب سيارات تويوتا ستايشن. إذ برغم الإجراءات التي أقرتها الدولة لمنع استعمال هذا النوع من السيارات في نشاطات معينة وكذا منع بيعها لمواطن ثان، إلا أن الزائر لعين ڤزام بوسعه أن يلحظ تواجدا على نطاق واسع لهذا النوع من المركبات البارعة في تسلق المسالك والدروب الوعرة التي يعرفها المهربون.
وبرغم أن قرار غلق الحدود مع كل من مالي والنيجر وليبيا دخل حيز التنفيذ مند قرابة العامين لأسباب أمنية، إلا أن الهجرة غير الشرعية على الحدود مع هذه الدول تعيش عصرها الذهبي منذ قرابة 3 سنوات، ولاسيما بعد أن قررت السلطات الجزائرية تجميد الإجراء المتعلق بترحيل الأجانب يوم الـ14 من شهر فيفري من سنة 2012، ليصبح أي مهاجر سري يعامل مثله مثل أي مواطن جزائري عندما يتعلق الأمر بارتكابه مخالفة أو جريمة منظمة.
رئيس دائرة عين ڤزام: المهاجرون غير الشرعيين والمهربون استغلوا “إنسانية” الجزائر
ولكن هذا الوضع راح يثير حفيظة المسؤولين في عين ڤزام وتمنراست: “منذ صدور القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية يوم 14 فيفري، المتعلق بتجميد إجراء طرد وترحيل المهاجرين غير الشرعيين لبلدان النيجر ومالي وليبيا تبعا للظروف الأمنية التي تعيشها هذه البلدان، تزايد تدفق المهاجرين غير الشرعيين ممن استغلوا موقف الجزائر التي أرادت أن تكون رحيمة برعايا دول الجوار”، يقول رئيس دائرة عين ڤزام أحمد عبدي.
وأضاف: “يحدث ذلك رغم أن الحدود مغلقة بين الجزائر وهذه الدول المذكورة لأسباب أمنية، وهي مفتوحة فقط أمام عملية المقايضة مرة واحدة في الشهر، وهو يوم 15 من كل شهر، والعودة يوم 30 من الشهر نفسه للشاحنات نفسها، وهي على العموم شاحنات تقايض التمور باللحوم الحمراء وبعض المواشي، كالإبل والماعز”.
وتابع المسؤول ذاته يقول: “عين ڤزام هي منطقة عبور إلى الولايات الأخرى، ولكن هذا التدفق للهجرة غير الشرعية كان له تأثيرات وسلبيات على المنطقة، كظهور بعض الأمراض الناجمة عن النساء القادمات من بعض الدول ومعهن أطفالهن، مثل مرض الحمى القلاعية والسل وغيرها، بل وقمن باستغلال الوضع لطلب الصدقة”. ويعترف بأن “المساحة الشاسعة بين عين ڤزام وإليزي يصعب التحكم فيها ومراقبتها، على اعتبار أن هناك كثيرا من الناقلين يستعملون سيارات “الستايشن” ولهم منافذ للدخول إلى البلدان المجاورة.. بل إن الهجرة غير الشرعية ساهم في تفاقمها المهربون المشتغلون على خط آرليت، سمقة، ومن سمقة إلى عين ڤزام”. لكن ما هو الحل الذي قدمه المسؤولون للحد من الظاهرة؟
“نحن نقوم بتقديم تقارير دورية للسلطات العمومية عن الظاهرة ومساوئها، ولو أن الظاهرة لم تتسبب في أحداث أمنية، لأن النيجريين مسالمين”.
واستنادا لأقوال رئيس البلدية، فإن “أكبر مشكل مطروح لنا هو الهجرة غير الشرعية.. لدينا أشخاص من جميع الدول الإفريقية الحدودية والبعيدة عن الحدود، أذكر منها النيجر ومالي ونيجريا وبوكينافاسو والبنين وليبيريا وغانا وغيرها.. فتمنراست أصبحت منطقة عبور واستقرار لهذه الموجات، وقليل منهم يد عاملة في الشركات، وخاصة عند الخواص والتجار”، وأضاف: “أما بالنسبة للأضرار، فأصبحوا يشاركون في تشييد بناءات فوضوية عبر الأحياء وكذا انتشار بعض الأمراض المعدية مثل السيدا والحمى القلاعية والسل، ناهيك عن سرقة السيارات والمنازل وكذا انتشار بؤر الأوساخ”. ويرتقب رئيس البلدية أن يقدم المجتمع المدني في تمنراست عن قريب على رفع شكوى للسلطات العمومية بخصوص ظاهرة الهجرة غير الشرعية، موضحا بالقول: “نطالب بوضع حد لهذه الظاهرة في أسرع وقت ممكن، كتطبيق الرقابة الشديدة على الظاهرة”.
قصدنا مقر ولاية تمنراست لمقابلة الوالي ومعرفة طريقة تعايش الولاية مع المد الهائل لموجات الهجرة غير الشرعية في خضم المعلومات التي قدمتها لنا مصادر على صلة بمصالح الأمن، تفيد بأن عدد الجنسيات في تمنراست يزيد عن الـ50 جنسية. لكن بعد انتظارنا لمدة 15 دقيقة، أطلعنا المكلف بالإعلام على أن القائم بأعمال الوالي يقول: “إن الوالي لن يستقبلكم لسبب بسيط، هو أنه قبل أسبوع زاره صحافي من العاصمة وحصل سوء تفاهم بينهما، ما أحرج الوالي وأثار غضبه”.
إنه بلد المفارقات العجيبة، تقطع ألفين ومائتي كيلومتر من الجزائر إلى تمنراست لتجد نفسك محاصرا بدائرة بيروقراطية.. بلد واسع وشاسع بجغرافيته، ولكن الذهنيات البيروقراطية حوّلته إلى سجن ممتد بامتياز، بل ويمكن التساؤل أيضا عن الأسباب الخلفية من وراء عدم إعطائنا معلومات عن الهجرة غير الشرعية في المحافظة المركزية للشرطة بتمنراست، والاختباء وراء حجة: “إنه ليس من صلاحيتنا الحديث في هذا الموضوع”، برغم أن الزائر لتمنراست بوسعه أن يلحظ مؤسسة قائمة بذاتها هي مصلحة محاربة الهجرة غير الشرعية.
وعلى العموم، فإن ما فهمناه من بعض إطارات الشرطة والدرك في أثناء دردشة معهم، أن المهاجر السري عند ارتكابه مخالفة أو جنحة في إطار القانون العام أو قيامه بجريمة منظمة، يتم تقديمه إلى وكيل الجمهورية الذي يتولى الفصل في أمره، مثله مثل أي مواطن جزائري، طالما أن الجزائر قامت بتجميد الإجراء المتعلق بترحيل الأجانب. لكن مقابل ماذا لجأت الجزائر إلى هذا الإجراء الذي يضاف إلى قرار آخر اتخذ في وقت سابق، يتعلق بمسح ديون عدد من الدول الإفريقية؟
اللافت في مسألة موجات المهاجرين غير الشرعيين المتدفقين على الحدود ا الجنوبية، أن تركيبتها مقتصرة على الشباب المغلوب على أمره الذي لا يحوز على مؤهلات مهنية ومستويات دراسية، يضاف إليهم موجات من الفقراء الرجال والنساء، في وقت يشير فيه بعض العارفين بالدبلوماسية والشأن الإفريقي، إلى أن نخبة الشباب الإفريقي باتت وجهتها المفضلة هي المغرب وليس الجزائر، لأن سياسة الملك السادس لم تكتف بتوفير المتع والملذات والمسرات في بلده لاستقطاب هؤلاء، بقدر ما تمكن من تشجيع هذا الشباب على الاستثمار في بلده وتشجيعه حتى على الدخول في شراكة مع أطراف أوروبية. وموازاة مع ذلك، قام المغرب بفتح عديد من ورشات الاستثمار في عدد من الدول الإفريقية، ولاسيما في مجالات الهاتف النقال وإنشاء بنوك خاصة بالقرض الفلاحي، فضلا عن تنشيط شبكة المقاولين المغاربة هناك، كل ذلك لأجل بعث الروح في علاقاته القديمة بإفريقيا واستدراك ما فاته في هذه القارة، ودعمت تواجدها بأسطول جوي مدني يعمل على تسهيل تنقل الأفارقة في أي وقت إلى المغرب.
وكان الوزير الأسبق عبد العزيز رحابي فسّر هذا التموقع للمغرب في إفريقيا، رفقة محللين آخرين، بأنه تم بعد أن فشلت الجزائر في تسويق سياستها الخارجية في إفريقيا وظل خطابها حبيس الخطاب المضاد للاستعمار، فالجزائر “فقدت مجالها الحيوي في إفريقيا، ولاسيما بعد وفاة الرئيس هواري بومدين الذي كانت له إستراتيجية في التعامل مع إفريقيا، بينها مشروع الأسواق الجهوية وطريق الوحدة الإفريقية”، بينما يشير آخرون إلى أن الجزائر لم تعرف كيف تستغل آلاف الشباب الأفارقة المتكونين والمتخرجين من مدارسها ومعاهدها، سواء من المدنيين أو العسكريين، لتنشيط شبكة علاقاتها في إفريقيا، كما أنها لم تغتنم فرصة الاستثمار لدى عدد من الدول مثل مالي والنيجر وموريتانيا وليبيا”.
والدليل على أن الجزائر فشلت في تسويق سياستها الخارجية بإفريقيا، أن الرئيس بوتفليقة لم يزر أي بلد إفريقي منذ توليه الحكم، باستثناء تلك التي قادته في إطار قمم منظمة الوحدة الإفريقية، على خلاف الرئيس الأسبق الراحل الشادلي بن جديد الذي قام بأزيد من 30 زيارة إلى بلدان إفريقية، ويقولون إن الدبلوماسية الحقيقية تقاس بمدى فاعلية وكثافة العلاقات الثنائية، وليس المرتكزة على تلك المتعددة الأطراف، على نحو تلك المكرسة في إطار مبادرة “النيباد”.
*نقلا عن الخبر الجزائرية