أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الجمعة، في خطاب ألقاه في ليه موروه، أحد الأحياء الحساسة في ضاحية باريس، أن على فرنسا "التصدي للانفصالية الإسلامية" الساعية إلى "إقامة نظام مواز" و"إنكار الجمهورية".

وقال ماكرون: "يوجد في تلك النزعة الإسلامية الراديكالية عزم معلن على إحلال هيكلية منهجية للالتفاف على قوانين الجمهورية وإقامة نظام مواز يقوم على قيم مغايرة، وتطوير ترتيب مختلف للمجتمع"، معتبرا أن الإسلام "ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم ... مرتبطة بالتوترات مع الأصوليين".

وأكد ماكرون أنه يحاول تخليص بلاده مما أسماه "مجتمع موازٍ للمسلمين المتطرفين" الذين يتعاظمون خارج قيم الأمة، مشيرا إلى وضع الأساس لقانون مقترح يهدف إلى المساعدة في معالجة هذه الظاهرة.

وصاغ ماكرون مصطلح "الانفصالية" لوصف العالم السفلي الذي ينمو في بعض الأحياء حول فرنسا حيث يسيطر مسلمون ذوو رؤية راديكالية لدينهم على السكان المحليين لغرس معتقداتهم.

ومن المفترض أن يستهدف هذا المشروع جميع أنواع "الانفصالية". ومن بين أهداف القانون المقترح تعزيز الخدمات العامة، والسيطرة على الجمعيات المحلية بشكل أفضل، وإيضاح تمويل المنظمات الدينية، بحسب مسؤولينوقد أكد أن الدولة ستعزز الرقابة على الجمعيات، وستمنع التعليم في المنزل، إلا لأسباب صحية، كما ستعمل على تدريب الأئمة، الذين يعملون في فرنسا.

وإذا كان هناك من رحب بهذا التوجه من منطلق أنه سيشمل كل مظاهر التطرف التي تهدد نمط العيش المشترك، فهناك من وصف خطاب ماكرون بأنه هجوم فرنسي جديد على الدين الإسلامي.

الفرنسي أوليفييه روا (Olivier Roy)، الباحث والأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورانس، يرى أن هذا المشروع يهدد بـ”تعميم قمع كافة أشكال التعبير الديني”.

وفي مقال في صحيفة ‘‘لاكروا’’ الفرنسية، تساءل أوليفييه: هل يريد الرئيس الفرنسي إلغاء قانون عام 1905 عبر هجومه هذا ضد ‘‘الانفصالية’’؟ مذكّرا هنا أن هذا القانون يعترف بوجود فضاء ديني منفصل عن الدولة.

ويؤكد أوليفييه روا أن المستهدف الرئيسي بمشروع القانون هذا ضد الانفصالية هو الإسلام، ولكن بما أنه لا يمكن إصدار تشريعات ضد ديانة معينة، فإنه يتم القيام بمثل ما تم القيام به لحظر ارتداء الحجاب في المدرسة، عبر مهاجمة الإشارات ‘‘الدينية’’ بشكل عام، مع الاعتقاد بأن الضربات ستصل فقط إلى المسلمين ‘‘الانفصاليين’’، لأن الديانات الأخرى يفترض ألا تكون كذلك.

لكن الحقيقة، يقول الباحث، هي أن الضربات ستطال الجميع. وبالتالي، فإن الحرب ضد ‘‘الانفصالية’’ تأخذ منحى خاطئاً لسببين:

أولاً: يستند وصف ‘‘الانفصالية’’ إلى سلوكيات أو جماعات أو تصريحات غير متجانسة بالمرة.

وثانياً: يتم اعتبار أن وضع الله فوق الأشخاص هو فعل أو تصريح ‘‘انفصالي’’. وبهذا المعنى، فإن أي ديانة لا يقتصر تأثيرها على الحياة الخاصة هي انفصالية من وجهة نظر المدافعين عن النظام العلماني الحالي الذي لا علاقة له مع قانون 1905.

وخلص أولفييه روا إلى أنه في ضوء ذلك، فإن فرنسا تتجه نحو سلسلة من التدابير غير الضرورية وغير قابلة للتطبيق. فهي في أحسن الأحوال عديمة الفائدة، وفي أسوئها ستساهم في تقييد الحرية الدينية بشكل عام.

ويرى الباحث الجزائري بوزيد بومدين أن ماكرون يعيد معجميته التي تحدث بها في فبراير الماضي بميلوز عن ضرورة صدور خطة قوانين جديدة لمجابهة ما أسماه "الإنفصالية الإسلامية"(le séparatisme islamiste)، وهو تعبير، وفق بوزيد، عادة يطلق على الانفصاليات القومية ولكن أن يسحب على المجال الديني والثقافي والرمزي فنحن أمام مفهوم (انفصال ثقافي عن العلمانية كوطن ) من هنا لن تكون المعاني الجغرافية التقليدية هي المحك ولكن معاني المواطنة والديمقراطية والبيئة هي (الجغرافيا) أو هي (الهوية الجديدة).  ويضيف بوزيد أن صراع العلمانية معروف في فرنسا مع الدين منذ ثورتها التي تختلف في بعض مضامينها عن الثورات والدساتير الأخرى ، وبالتالي صراع فرنسا مع الدين والتدين يتغير شكله وطبيعته من مرحلة أخرى، فرنسا تعيش أزمة مع ذاكرتها وعلمانيتها التي لم تستطع ان تنتصر على التطرف وما تسميه الارهاب الإسلامي وقد كانت لغة ماكرون اليوم حادة نتيجة ما حدث الجمعة الماضي أمام مقر شارلي ابدو وفشله الذريع في لبنان وأزمته مع تركيا وما ينتظره من إنتخابات.

ويضيف بوزيد أن ماكرون لم يذكر بالاسم في ندوته الصحفية اليوم بالإسم الاخوان والوهابيين والجهاديين، كما سيستغني عن الأئمة من الجزائر والمغرب، ولكن أغرب عبارة (أن الإسلام كديانة يعيش أزمة)، وكأن ما يعنيهم في حديثه عن الإنفصاليين هم الذين يمثلوا الإسلام؟.

ويخلص بوزيد أن خطة عمل ماكرون ليس تعديل قانون سابق ولكن عليها مراجعة علمانيته وتسوية وضعية المهاجرين وإعادة رؤيته السياسية الخارجية فيما يتعلق بالشرق الأوسط

من وجهة نظر مختلفة، وفي تصريح للأسبوع المغاربي، يقول المفكر والباحث الجزائري حميد زناز الذي أصدر عدة أعمال حول الأصولية والإسلام والغرب: "يبدو لأول وهلة ولاسيما لدى الذين لا يعرفون الواقع الفرنسي عن عمق،  أن الرئيس الفرنسي، ازاء الأسلمة في  فرنسا، قد استيقظ، فجأة، من سباته العميق؛ والحقيقة أن خطاباته الأخيرة التي تبدو قوية ضد الانعزالية الإسلامية ليست سوى سيرورة لمشروعه الذي دشنه بحملته الانتخابية". ووفق زناز "أن ذلك يدخل في استراتيجيته الجديدة بهدف استقطاب الأصوات التي قد تضمن له عهدة ثانية". ويرى زناز أن ماكرون بعد دراسته لسوق الأصوات الانتخابية في فرنسا تبين له أن الواقع الفرنسي السياسي في علاقته بالظاهرة الإسلاموية ينقسم إلى جزئين: اليسار والخضر بمختلف مشاربهما يتساهلون مع الاسلاميين ومع الانعزالية الإسلامية بشكل عام وهو بذلك يفوز بعدد من أصوات المواطنين المسلمين،  وبالمقابل هناك اليمين المناهض للأسلمة في فرنسا وخصوصا اليمين المتطرف الذي يرفع خطابا متشددا ضد الإسلام وهو بذلك يحصد عددا من أصوات الفرنسيين الذين وجدوا لاذوا مرغمين باليمين المتطرف". إزاء هذا الوضع، يقول زناز: "يحاول ماكرون تعويض هذا النقص بكسب ثقة العلمانيين الصامتين غير المكترثين بالانتخابات أصلا ومن ثمة كسب أصواتهم"، ومن جهة أخرى، يضيف زناز "أن ماكرون  يعرف جيدا أن مجتمعا إسلاميا مواز في فرنسا تشكل بسبب النكران منذ 40 سنة". وحول مصطلح "الانفصالية الإسلاموية"، يقول زناز أن ماكرون أقار ضحكه بتسميته لهذه الشريحة المجتمعية بالانعزالية.

ووفق وجهة نظره: "لا يمكن تطبيق هذا المشروع إلا إذا غيّر واستصدر الكثير من القوانين، وقد يطول الأمر سنوات وسنوات، مع الأخذ في الحسبان احتمال ردود فعل الضواحي الذي قد يتصف بالعنف، وهو ما يرعب كل الطبقة السياسية في فرنسا منذ "2005".أما رأيه في أوليفييه روا، يقول زناز "إنه من الكتاب الذين أفسدوا فهم الكثير من الفرنسيين للأصولية الإسلامية ، وعمم سوء فهمه حتى على السياسيين والصحافيين". ويرى زناز أن  أوليفييه روا يحاول أن ينأى بنفسه من تهمة الإسلاموفوبيا المسلطة على رؤوس الباحثين في الغرب كله، لذلك هو يتهرب من البحث عن الحقيقة الإسلاموية، فهذا الكاتب ظل ينظر إلى الأصولية على أنها مرض ولا علاقة لها بالإسلام الحقيقي" وهذا تشخيص غبي وفق تعبير حميد زناز.