تشهد ليبيا صراعا عسكريا عنيفا منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،وذلك في أعقاب اطلاق الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لعملية "طوفان الكرامة" بهدف تحرير العاصمة الليبية طرابلس من قبضة المليشيات المسلحة التي مثلت ولازالت تمثل عقبة كبيرة في طريق تحقيق الاستقرار والأمن في هذا البلد الذي يعاني منذ العام 2011 أزمة خانقة على جميع الأصعدة.
ومنذ تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس،سارعت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج لاعلان النفير في صفوف المليشيات الموالية لها كما عقدت تحالفات مع مليشيات سبق أن خاضت معها صراعات عديدة بالاضافة الى العناصر الارهابية والمطلوبين دوليا ومحليا الذين ظهروا خلال الأسابيع الماضية ليقاتلوا في صفوف قوات الوفاق ضد الجيش الليبي.
ورغم كل هذه التحالفات التي تلقى دعما كبيرا من أطراف خارجية لعل أبرزها الدعم التركي الذي جاء عبر شحنات السلاح والمرتزقة والعناصر الارهابية،فإن حكومة الوفاق لم تنجح في عرقلة تقدم الجيش الليبي الذي سيطر على عدة مناطق استراتيجية في العاصمة ويصر على مواصلة التقدم نحو تحرير كامل المدينة وانهاء نفوذ المليشيات واسترجاع سلطة الدولة.
مبادرة السراج
في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الاشتباكات في حدة محاور من العاصمة الليبية،خرج فائز السراج رئيس ئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،الأحد،بمبادرة سياسية من مجموعة نقاط، لم يكشف عن الآلية التي ستمكنه من تنفيذها، خاصة في ظل ضعف سيطرته على الميليشيات المسيطرة على طرابلس.
ودعا السراج في كلمة بثها التلفزيون الرسمي،"إلى عقد ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، وذلك بتمثيل جميع مكونات الشعب الليبي ومن جميع المناطق، ممن لهم التأثير السياسي والاجتماعي، والمؤمنين بالوصول إلى حل سلمي وديمقراطي وضد عسكرة الدولة، وينادون بحق المواطنة وبناء دولة مدنية، دولة القانون والمؤسسات، واحترام إرادة الشعب في اختيار مصيره ومصير وطنه"، وفق قوله.
كما تنصّ المبادرة- حسب السراج-على الاتفاق على القاعدة الدستورية المناسبة خلال المؤتمر،لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019، حيث يتم تسمية لجنة قانونية مختصة من قبل المؤتمر، وذلك لصياغة القوانين الخاصة بالاستحقاقات التي يتم الاتفاق عليها.وتتمثّل النقطة الثالثة التي تضمّنتها المبادرة، بأن يقوم المؤتمر باعتماد القوانين الخاصة بالعملية الدستورية والانتخابية المقدمة من اللجنة القانونية، مع تحديد مواعيد الاستحقاقات، ثم إحالتها إلى المفوضية العليا للانتخابات.
وبحسب نص المبادرة، يدعو المؤتمر مجلس الأمن والمجتمع الدولي لتأييد هذا الاتفاق، لتكون مخرجاته ملزمة للجميع، والتي ستفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية عام 2019، وبإعداد وتنظيم لوجستي وأمني من قبل الأمم المتحدة، كما يدعو جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، لتقديم الدعم اللازم لإنجاح العملية الانتخابية.
واقترح السراج تشكيل لجان مشتركة بإشراف الأمم المتحدة، تتكون من المؤسسات التنفيذية والأمنية الحالية في كافة المناطق؛ لضمان توفير الإمكانيات والموارد اللازمة للعملية الانتخابية، بما في ذلك الترتيبات الأمنية الضرورية لإنجاحها.كما اقترح "إنشاء هيئة عليا للمصالحة تنبثق عن المنتدى الذي اقترح تأسيسه، وإيجاد آلية لتفعيل قانون العدالة الانتقالية والعفو العام وجبر الضرر، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية"، حسب تعبيره.
وترى المبادرة، في بندها الأخير بأن يتم الاتفاق من خلال المؤتمر على آليات تفعيل الإدارة اللامركزية، والعدالة التنموية الشاملة لكل مناطق ليبيا، التي تلتزم بها الأجسام السياسية الجديدة، مع ضمان معايير الشفافية والحوكمة الرشيدة.
الجيش يرد
رد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على مبادرة السراج لم يتأخر، حيث أكدت غرفة عمليات الكرامة في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي،"فيسبوك"، أن :"الرد على السراج… لاتحاور مع الميليشيات إلا في المحاور، وانتخابات عاجلة، بعد تحرير طرابلس"، مضيفة:"بيننا وبينكم الميدان.. وجلد.. والله أكبر".
وجاء في بيان منفصل نشرته الصفحة ذاتها أنه :"بتعليمات من تنظيم الإخوان الإرهابي، السراج يقوم بتجهيز مقترح لحل سياسي للخروج بأي مكسب بعدما تيقنوا أنه لا أمل في أي تراجع من القوات المسلحة وقيادتها، وفشل اللعب على وتر الفتن ورفض ترهونة استقبال موفدي تنظيم الإخوان وعروضهم المادية المغرية، وكان الرد كما كل ردود قبائلنا هذا وطن وليس صفقة". و تابع البيان : "هناك أخبار مؤكدة عن إنذار من الميليشيات بتشكيل حكومة ثوار (من قادة الميليشيات)وطرد السراج….ولازالت الدولة المدنية تخرج علينا بإبداعاتها…لا شك أنها مظاهر النهاية".
ومن جانبه،قال العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة العربية الليبية، وآمر المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة،في تعليقه على المبادرة أن العودة إلى الوراء لم تعد ممكنة، وأن الحديث عن حلول سياسية أصبح مستبعدا في ظل وجود المليشيات والكتائب، وجماعات الإرهاب في طرابلس.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن المحجوب قوله أن الحديث عن الانتخابات ومحاولة مخاطبة المجتمع الدولي غير مجدية، خاصة أنه في ظل وجود الجماعات الإرهابية والكتائب والجماعات التي لا تؤمن بالانتخابات أو العملية الديمقراطية، لا ضمان لأي عملية سياسية في ليبيا.
وأكد أن حكومة الوفاق حاولت عبر الأسابيع الماضية مخاطبة جميع الدول عبر سفاراتها، وحثهم على مساندتهم إلا أنهم لم ينجحوا في تغيير الحقائق الثابتة بوجود الجماعات الإرهابية والمليشيات في طرابلس، وأن طرح المبادرة الآن يؤكد على عدم قدرتهم على الاستمرار في مواجهة القوات المسلحة الليبية.وشدد على أن مشكلة ليبيا هي امنية في المقام الأول، وأن وجود تنظيم إرهابي مثل "الإخوان المسلمين"، والذي صنف من قبل البرلمان الليبي يعرقل أي حل في ليبيا منذ 2011.
رفض محلي
وقوبلت مبادرة السراج بالرفض من عدة اطراف،حيث وصفها رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثني، بأنها بمثابة "ذر للرماد في العيون ومحاولة يائسة في ظل تقدم الجيش الليبي نحو طرابلس".وقال الثني، في تصريحات لـ "سكاي نيوز"، "إن معركة طرابلس لم تنته بعد ومحاولات توريط الجيش الليبي فشلت، هدفنا الرئيسي هو توحيد الدولة الليبية ولا يمكن قيام دولة في ليبيا دون حل الميليشيات"، متهما السراج بأنه لم ينفذ تعهداته بموجب اتفاق الصخيرات بخصوص ما يتعلق بحل المليشيات.
وأوضح أن طرح السراج "جاء بعد إدراكه تخلي المجتمع الدولي عنه، وعجز الميليشيات عن الصمود أمام تقدم الجيش الليبي في طرابلس".كما اعتبر الثني أن السراج "ليس صاحب قرار وسلطة حقيقية، لأن من يمتلك ذلك هم الميليشيات الإرهابية التي تستغل واردات النفط في أعمالها التخريبية".
وأشار الثني إلى "ثبات الجيش الوطني الليبي في وجه الميليشيات التي تتلقى الدعم المالي والعسكري من قطر وتركيا"، موضحا أن السفن المحملة بالأسلحة المتنوعة تصل إلى مصراتة.وفيما يتعلق بالموقف الدولي من معركة طرابلس، أوضح الثني أن العالم "بات يدرك الآن أن الجيش الوطني الليبي يخوض معركة ضد الإرهاب"، خصوصا عقب القضاء على جماعات إرهابية في بنغازي ودرنة وغيرها.
في ذات الإطار،حذر النائب طلال الميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي:"السراج من العبث المستمر الذي ينتهجه بالخنوع والدعم غير المحدود لجماعة الإخوان المسلمين، الذراع السياسي للتنظيمات الإرهابية، ومحاولات الحفاظ علي تواجدها بالمشهد".
وأضاف الميهوب في تصريحات لوكالة "سبوتنيك"،الأحد، أنه خلال أيام معدودة وبعد تحرير العاصمة سيطلب كل من تورط في أي أعمال إجرامية للعدالة.وأكد رفض المبادرة التي طرحها رئيس المجلس الرئاسي فائز السارج، مطالبه بالبحث علي فريق محامين للدفاع عنه، بشان الجرائم التي تورط فيها بتعليمات الإخوان المسلمين، حسب نص قوله.
وبدوره انتقد عضو مجلس النواب صالح افحيمة، خطاب رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج،واصفا إياه "بالمتناقض، باهت، لا يسمن ولا يغني من جوع".وقال افحيمة في تدوينة له بموقع "فيسبوك" إن التشدق بالدولة المدنية تحت ظلال بنادق المليشيات أصبح مادة دسمة للتندر في كل الاوساط الشعبية والرسمية المحلية منها والدولية لذلك فتركه أولى".
ترحيب أممي
البعثة الأممية سارعت الى الترحيب بمبادرة السراج،وقالت البعثة في إدراج نشرته على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فسيبوك"، "أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج اليوم مبادرة بناءة للدفع بالعملية السياسية قدماً من أجل إنهاء حالة النزاعات الطويلة في ليبيا".
وأضافت "وفي هذا الإطار، ترحب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بهذه المبادرة وبأي مبادرة أخرى تقترحها أي من القوى الرئيسية الفاعلة في ليبيا، وهي تعرض مساعيها الحميدة على كل الأطراف في سبيل مساعدة ليبيا على الخروج من مرحلتها الانتقالية الطويلة نحو مرحلة السلام والاستقرار والازدهار".
وكان غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا قال قبل يومين إن الوقت قد حان لإطلاق مبادرات من طرفي الصراع.وأضاف خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي في تونس "التقيت بالسيد حفتر منذ عشرة أيام مطولا، وأمضيت الأسبوع الماضي أتحاور مع أركان حكومة الوفاق وقلت لهم: الأوان آن لكي يقوم الطرفان المتخاصمان ليس فقط بوقف إطلاق الرصاص بل بإطلاق المبادرات".وتابع "أستطيع أن أقول لكم إنكم قد تسمعون من الطرفين خلال الأيام المقبلة تحديدا لما طلبته منهم".
وتشهد ليبيا منذ الرابع من نيسان/أبريل حملة عسكرية للجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر، لمحاولة استعادة طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج.وخلفت المعارك بين المعسكرين أكثر من 600 قتيل و3200 جريح، ودفعت أكثر من 80 ألفاً للفرار من مناطق القتال جنوب العاصمة.